وأفادت وكالة مهر للأنباء أن ملحمة السابع من اكتوبر أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد بحيث أصبحت القضية الأولى ليس في العالم الإسلامي فحسب، بل حولتها إلى إحدى القضايا العالمية. أدت "طوفان الأقصى" إلى أن تخرج وسائل الإعلام والسياسيين عن صمتهم ليؤكدون بعد 20 عاما على الأقل، الحق في إقامة دولة فلسطينية وضرورة الانتباه لاحتلال الكيان الصهيوني.
إن عملية طوفان الأقصى وفضلا عن إنجازاتها المذكورة، كبدت الكيان الصهيوني ضربة عملياتية وتاريخية على الأمن والاقتصاد وسمعة الاحتلال في العالم.
وفيما يتعلق بحجم الضربة وتداعياتها يجب الانتظار حتى انتهاء طوفان الأقصى وتطوراتها المقبلة، ولكن في هذا المقال قررنا رصد تأثير هذه العملية على الاقتصاد والأمن الداخلي للاحتلال خلال الخمسين يوما الماضية: مجازر لن تمر دون ثمن شن الصهاينة أكبر قصف بعد الحرب العالمية الثانية، على قطاع غزة ظنا منه ان الشعب الفلسطيني سينصاع إلى مطالبه ويقوم بترك وطنه، ولكنه فشل في تحطيم أرادة أهالي شمال قطاع غزة وقد أكد أكثر من 800 ألف من سكان القطاع البالغ عددهم الإجماي 1.2 مليون نسمة البقاء في منازلهم، كما لم يحقق أي إنجاز يذكر في حربه ضد حماس.
وبالتالي اضطر نتنياهو تحت ضغوط الرأي العام العالمي إلى القبول بالهدنة بعد 45 يوما من القصف العشوائي والمجازر التي اقترفها ضد أهالي قطاع غزة. ولكن الضربة الاقتصادية للكيان الصهيوني كانت الأبرز منذ بدء عملية طوفان الأقصى، وهي التي كشفت عنها وسائل إعلام صهيونية بصراحة وشفافية خلال الأسبوع الأخير.
بهذا الخصوص، كتبت صحيفة صهيونية في مقال لها: "تدخل إسرائيل حاليا في حرب على 7 جبهات مختلفة: الأولى جبهة غزة، والثانية الجبهة الساخنة في الضفة الغربية، والثالثة الجبهة الشمالية مع حزب الله، والرابع جبهة اليمن، والخامسة تبادل الأسرى مع حماس، والسادسة الاقتصاد الإسرائيلي الذي ينهار والجبهة السابعة الأمم المتحدة والرأي العام العالمي".
**الانهيار الاقتصادي الكلمة الأكثر تكرارا لدى الصهاينة
يظهر حجم التضخم في فلسطين المحتلة مدى تأثير طوفان الأقصى على اقتصاد الكيان الصهيوني، والذي ارتفع خلل هذه الفترة القصيرة من 3.7% إلى 5%.
يشهد الجيش الإسرائيلي الإجرامي، الذي أسقط بدم بارد قنابل بقيمة آلاف الدولارات على رؤوس سكان غزة، ونظم مئات الرحلات الجوية مكلفة الثمن ليلا ونهارا لمهاجمة غزة، واستدعى أكثر من 300 ألف من قوات الاحتياط، يشهد ضغوطا اقتصادية شديدة.
وأعلنت وزارة المالية التابعة للكيان الصهيوني، نهاية أكتوبر الماضي، أن التكلفة اليومية للحرب تبلغ نحو 270 مليون دولار؛ بمعنى أكثر من 8 مليارات دولار شهريا، في حين تبلغ الميزانية السنوية لوزارة الحرب الصهيونية نحو 24 مليار دولار. وهو ما دفع الكيان الصهيوني إلى البدء بمراجعة موازنة عام 2023؛ وهو الأمر الذي شكل بدوره مصدر صراع في الداخل.
الجدير بالذكر أن أحد أسباب ارتفاع تكلفة الحرب بالنسبة للصهاينة هو استدعاء قوات الاحتياط للحرب.فقد استدعت تل أبيب لأول مرة بعد حرب الستة أيام عام 1967، جميع قوات الاحتياط، وهي التي كبدت الاقتصاد الصهيوني الكثير من التكاليف المباشرة وغير المباشرة من خلال تواجدها في الميدان وترك وظائفهم.
ويبلغ قوام جيش الكيان الصهيوني نحو 170 ألف جندي ناشط، وقد تم استدعاء 360 ألف جندي احتياطي للحرب الحالية.لقد تركت هذه الدعوة كلفة ضخمة على عاتق وزارة الحرب، وتشير التقديرات الداخلية أن الكلفة غير المباشرة لهذه القوات تصل إلى مليار و300 مليون دولار شهرياً.ارتفعت هذ التكاليف إلى درجة اضطرت فيها حكومة الاحتلال على استلام قروض ذات فائدة مرتفعة بقيمة 6 مليارات دولار. ولذلك، ومع بدء وقف إطلاق النار، قررت تل أبيب إلغاء جزء من استدعاء قوى الاحتياط.
وكتبت صحيفة "ماركر" الاقتصادية الصهيونية عن تحليلها للحرب أن معدل النمو الاقتصادي للكيان الصهيوني سيصل هذا العام إلى 2 بالمئة فقط، بينما أشارت التقديرات السابقة نموه بنسبة 3.4 بالمئة.مخاوف إزاء مستقبل الحرب وإطالة أمدها يجدر القول أن طول أمد الحرب ووصولها إلى أكثر من 50 يوما، وهي أطول حرب في تاريخ الصهاينة الزائف بعد إعلان الاستقلال عام 1948، ستؤدي إلى دخول اقتصاد الصهاينة في تحديات جدية.
فقد أعلنت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية، أن البطالة سترتفع إلى 4.5% ونحو 5% مع بداية عام 2024.كما أن عدد المتقدمين بطلبات إلى مؤسسة التأمين الوطني للحصول على التأمين ضد البطالة، وصل إلى ما لا يقل عن 47 ألف موظف، فيما بقي خمس العمال في الكيان الصهيوني عاطلين عن العمل.إلى ذلك، كتبت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الأسبوع الماضي أن اقتصاد تل أبيب يتكلف يوميا 246 مليون دولار.وذكرت صحيفة فايننشال تايمز أيضًا أن عجز الميزانية الإسرائيلية سيتضاعف ثلاث مرات في العام المقبل (2024) ويصل إلى نحو 5-8% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما أفادت شركة الاستشارات الاقتصادية "ليدر كابيتال ماركت" ومقرها تل أبيب الأسبوع الماضي أن تكلفة العمليات العسكرية التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية في قطاع غزة قد تصل إلى 48 مليار دولار.
إلى ذلك فإن 14% من إجمالي الموظفين في الكيان الصهيوني يعملون في مجالات مرتبطة بالتكنولوجيا، وهو القطاع الذي يعتبر أحد الركائز الأساسية لاقتصاد إسرائيل، ويضم شركات التكنولوجيا العالمية ولدى بعض منها مثل: مايكروسوفت وجوجل وأبل مراكز بحث وتطوير في الأراضي المحتلة.ادت الضغوط المرتفعة للغاية أن تحذر مايكروسوفت الأسبوع الماضي من أن مستقبل التكنولوجيا في إسرائيل معرض للخطر إذا ما استمرت الحرب.
**انهيار عسكري وأمني
كبدت عملية طوفان الأقصى الكيان الصهيوني خسائر وانهيارات مهمة أخرى جاءت في المجالين الأمني والعسكري. فقد كتب مركز دراسات الأمن الداخلي للكيان الصهيوني في مقال: "وأخيرا، انتصرت حماس في حرب معرفية أخرى ضد إسرائيل، وهذه رسالة مهمة للشعب الفلسطيني وداعميها فيما يتعلق بصمودهم وتمسكهم لمواصلة النضال. نجحت حماس مرة أخرى في الاستهزاء بإسرائيل وإثارة حفيظتها".
كانت احداث 7 أكتوبر في حد ذاتها رصاصة في نعش مزاعم الصهاينة واستراتيجيتهم في السيطرة على أمن المقاومة وحماس. لقد كان عنصر المفاجأة في عملية طوفان الأقصى شأنا صعبا للغاية لا يزال الصهاينة ووسائل الإعلام تحاول العثور على سبب له.
ففي آخر حالة، نقلت القناة 12 التابعة للكيان الصهيوني رواية أحد قوات الوحدة 8200 في الجيش الصهيوني، الذي قال إنه توقع احتمال شن الهجوم عبر رصد تحركات حماس في الأشهر الأخيرة وأضاف انه أبلغ ذلك إلى قادته عبر تقرير، والذي وصل إلى مستويات الاستخبارات العسكرية "أمان". ولكن تم تجالهله بسبب التحليل الخاطئ بأن حماس لا تسعى إلى التوتر والحرب.
وكشفت قناة "سكاي نيوز" العربية نقلا عن قنوات عبرية أن الجيش الصهيوني يعاني من تفكك داخلي في الحرب الحالية في غزة، على عكس المعارك. بحيث رفض ما لا يقل عن 2000 جندي، على الرغم من استدعائهم إلى الحرب، مواصلة المشاركة في الحرب الحالية وتغيبوا عن الميدان.
وعلق الصحفي والباحث في شؤون الكيان الصهيوني، سمير فضل، لموقع "سكاي نيوز عربية"، على تخلّف جنود إسرائيليين عن الحرب الجارية، بأنّه رغم أن العدد المذكور (ألفا جندي) أقل من 1 بالمئة من عدد المستدعين للحرب، لكنه "يعدّ أكبر تخلّف يشهده الجيش الإسرائيلي منذ نشأته".
وأكدت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن الجيش الإسرائيلي سيطبّق عقوبات شديدة على الجنود الذين يتغيّبون دون إجازة خلال الحرب في غزة، والمقدّر عددهم بنحو ألفَي جندي. تعود جذور هذا الانهيار الداخلي والعسكري إلى ما قبل أحداث 7 أكتوبر.
فقبل أسبوع من عملية حماس، أكد هرتسي هليفي، رئيس أركان الجيش الصهيوني، أن الانقسامات السياسية الداخلية امتدت إلى المؤسسة العسكرية للاحتلال، وأن الجيش يواجه خطر الانقسام الداخلي. كما كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" مؤخراً في تقرير لها أنه خلال العدوان البري الأخير على غزة، وبعد وقوع سرية في كمين لحركة حماس وإجبارها على التراجع، استقال نصف قوات هذه السرية من الجيش وتركوا ساحة الحرب.
كما تم فصل ضابطين من هذه الوحدة. فإن الكشف عن هذه الأحداث في أيام وقف إطلاق النار يعتبر أحد الأمثلة على الاقتتال الداخلي وانهيار قوات الأمن في جيش تل أبيب.
**الخسائر غير المعلنة
قبيل بدء وقف إطلاق النار، كانت الإحصائيات الرسمية للكيان الصهيوني بشأن عدد ضحاياه بين الجنود منذ طوفان الأقصى قد وصلت إلى 390 شخصًا، بينهم نحو 60 شخصًا سقطوا في الحرب البرية على القطاع.
لكن كثيرين يعتبرون أن عدد ضحايا الجيش الصهيوني في معركة غزة أعلى من ذلك بكثير. فقد قال اللواء "فايز الدويري" العسكري المتقاعد في الجيش الأردني، في حديث لشبكة الجزيرة القطرية، إنه بحسب التقارير الميدانية لقوات المقاومة، يتم تدمير آلية واحدة للجيش الإسرائيلي كل ساعة و20 دقيقة، ويسقط 6 أشخاص بين قتيل وجريح، أي ما يعني مقتل وجرح 3185 شخصاً خلال 22 يوماً من الهجوم البري على قطاع غزة.
كما تعتبر مصادر المقاومة أن عدد الجنود الصهاينة في حرب غزة أعلى بكثير من الإحصائيات المعلنة، ومن الأدلة على صحة هذا الخبر دفن 50 جنديا صهيونيا في يوم واحد وفي مقبرة صهيونية واحدة فقط.
كما كشفت صحيفة "هآرتص" في تقرير لها أن إذاعة الجيش الإسرائيلي أعلنت عن إعاقة 1600 جندي إسرائيلي خلال الحرب التي استمرت 45 يوما، وحالة أكثر من 200 منهم خطيرة. يعكس هذا العدد الفارق الكبير بين الأرقام الرسمية التي أعلنتها تل أبيب بشأن ضحاياه التي يقول إنها 60 حالة.
كما نشرت القنوات العبرية في 19 نوفمبر تقريرا اعترف فيه ديفيد أورين باروخ، مدير المقبرة العسكرية "هار هرتزل" التابعة للجيش الإسرائيلي في القدس المحتلة، صراحة بأن "كل ساعة أو ساعة ونصف نتلقى جثة وخلال 48 ساعة دفننا 50 جثة".
النتيجة إن الخسائر والتكاليف التي تمت الإشارة إليها في هذا التقرير هي غير الخسائر في المدرعات والمعدات الأمنية التابعة للصهاينة في غزة والحدود الشمالية للأراضي المحتلة. فقد أكدت التقارير أن الصهاينة تكبدوا أيضًا العديد من الخسائر في المعدات العسكرية؛ ولكن هذه الخسائر تأتي ما بعد الخسائر الحقيقية والمؤثرة على مستقبل النظام الصهيوني وهو الانهيار الاجتماعي والعسكري والاقتصادي. انتهى/
تعليقك