وكالة مهر للأنباء: الآن وبعد مرور أكثر من 200 يوم على بدء جرائم الكيان الصهيوني واستشهاد أكثر من 34 ألف شهيد، اتخذ الطلاب الأمريكيون خطوة جادة نحو تحقيق السلام وإنهاء الإبادة الجماعية في غزة، حيث في هذه الأيام، تصدرت موجة الاحتجاجات في الغرب، وخاصة في الجامعات الأمريكية، عناوين وسائل الإعلام العالمية.
تصاعد الموجة المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريكية؛ الطلبات والرسائل
شهد عدد كبير من الجامعات في أمريكا، خلال الأيام الأخيرة، تظاهرات مناهضة للصهيونية، أهمها جامعات هارفارد، نيويورك، ييل، كولومبيا، ماساتشوستس، إيموري، ميشيغان، براون، همبولت بوليتكنيك، بيركلي، جنوب كاليفورنيا، تكساس، مينيسوتا، الخ.
وتقدر بعض وسائل الإعلام عدد هذه الجامعات بأكثر من 200 جامعة، وأن قناة الجزيرة نشرت خريطة لأهم الجامعات الأمريكية التي شاركت في الحركة الطلابية المناهضة للصهيونية في الأيام الأخيرة، وأن هذه الخريطة لا تزال في طور التوسع.
بالطبع، منذ بداية الحركة، كان من الممكن التنبؤ بنوع معاملة الشرطة الأمريكية، التي تلجأ دائمًا إلى العنف والقمع في هذه الأوقات. وكما هو متوقع، تم طرد العديد من الطلاب المحتجين من الجامعة خلال هذه الأيام القليلة. بالإضافة إلى ذلك، كان العنف والضرب دائمًا هو أسلوب تعامل الشرطة مع طلاب هذا البلد.
كما وصل عدد المعتقلين إلى المئات؛ ويعد اعتقال 108 طلاب في كلية إيمرسون في بوسطن، و93 طالبا في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس، و34 طالبا في جامعة تكساس في أوستن، و100 طالب في جامعة كولومبيا في نيويورك، و45 طالبا في جامعة ييل، هو أحدث الإحصائيات المعلنة من الجامعات الأمريكية.
إن مطالب الطلاب الأمريكيين في هذه الحركة واضحة، حيث يطالبون الجامعات بالامتناع عن انفاق أصول الجامعات الكبرى في شركات تصنيع الأسلحة أو غيرها من الصناعات التي تدعم حرب الكيان الصهيوني ضد غزة وبالتالي منع "الإبادة الجماعية" هناك.
كما يطالبون بوقف إطلاق النار في في قطاع غزة؛ الحرب التي تحولت إلى أكبر كارثة في التاريخ بدعم الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، حيث قبل بضعة أيام فقط، وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على حزمة دعم مساعدات مالية بقيمة 95 مليار دولار لأوكرانيا والكيان الصهيوني وتايوان، منها حوالي 26 مليار دولار كانت مساعدات عسكرية لهذا النظام المزيف.
في هذه الأثناء تحاول قوات الشرطة والأمن الأمريكية لإستمرار جرائم النظام الصهيوني في قطاع غزة من خلال قمع الطلاب. وفي المقابل، يشير الموقف المتزامن للرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أنهما يستخدمان أسلوباً محدداً لتشتيت الرأي العام وإنهاء الحراك الطلابي.
وبعد أن أكد بايدن أن "معاداة السامية أمر مثير للاشمئزاز ولا مكان له في أمريكا"، اتبع نتنياهو نفس الخط الفكري، ولكن بقوة وغضب أكبر. نتنياهو، الذي أمر الجيش الإسرائيلي بقتل أكثر من 34 ألف شخص في غزة منذ ما يقرب من سبعة أشهر، وصف الطلاب الأمريكيين بأنهم "غوغائيون معادون للسامية" وادعى أنهم "استولوا على أفضل الجامعات في البلاد ويريدون تدمير إسرائيل".
وبعد تصريحات نتنياهو المتشددة، خاطب السيناتور الأمريكي بيرني ساندرز، نتانياهو، وهو يحصي عدد الشهداء في غزة وجرائم النظام الصهيوني هناك وقال: "السيد نتنياهو، من خلال لاتستهن بذكاء الشعب الامريكي من خلال صرف الأنظار عن سياساتك الحربية اللاأخلاقية وغير القانونية والمتطرفة والعنصرية. لا تستخدم معاداة السامية لصرف الانتباه عن لائحة الاتهام الجنائية التي تواجهها في المحاكم الإسرائيلية. إن مواجهة التهم في هذه المحاكم ليست معاداة للسامية".
وبشكل عام، فإن اعتداء الشرطة على الطلاب واعتقالهم في جامعات أمريكية مختلفة، دفع العديد من الشخصيات والمنظمات الدولية المؤثرة إلى تحدي حرية التعبير في هذا البلد المدعي لحقوق الانسان والحرية. حيث أدانت منظمة العفو الدولية هذا السلوك العنيف، وأكدت على أهمية "الحق في الاحتجاج" وقالت في بيان لها: "نطالب الجامعات الأمريكية بدعم حقوق الطلاب في المظاهرات السلمية والآمنة".
من الحركة الطلابية المناهضة لحرب فيتنام إلى الاحتجاجات ضد التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط
إن المظاهرات غير المسبوقة التي قام بها الطلاب في الجامعات الأميركية تنديداً بعمليات القتل الجماعي ضد الفلسطينيين، تذكرنا بمعارضة نفس الطيف لحرب فيتنام.
ومن السمات المشتركة بينها هو المصدر المشترك لهذه الحركات الاحتجاجية. انطلقت قبل نحو أسبوعين مسيرة طلابية احتجاجًا على المساعدات المالية والعسكرية الأمريكية للكيان الصهيوني في الحرب على غزة، من جامعة كولومبيا. الجامعة التي كانت في الستينيات هي البادئة لموجة الاحتجاج ضد الحرب الأمريكية في فيتنام.
في الستينيات، نشأت حركة طلابية في الولايات المتحدة للمطالبة "بحرية التعبير" في الحرم الجامعي، ولكن مع اشتداد تورط البلاد في حرب فيتنام، أصبحت مناهضة الحرب الهدف الرئيسي للاحتجاجات الطلابية. وحيث أدى إنفاق أميركا الضخم على المغامرات العسكرية في زيادة مذهلة في عجز الموازنة وتدهور الأوضاع الاقتصادية داخل البلاد وزيادة حدة السخط.
أحدث طلاب الستينيات، بسبب نضج مثاليتهم والتزامهم بقضايا تتجاوز مصالحهم الشخصية، تغييرات لا تزال مرئية في أمريكا رغم مرور أكثر من نصف قرن على أعماله.
وذكر "ليونارد جوردون"، وهو فنان أمريكي، في موسوعة علم الاجتماع أن "مشروع قانون الحقوق المدنية لعام 1964، الذي بدا بعيد المنال، دفع الناس إلى تغيير موقفهم تجاه حرب فيتنام، وبدلا من تأييده، عارضوا الحرب، كما لعبت الضغوط التي تم تطبيقها لخلق التنوع في الحراك الطلابي والبرامج التعليمية العنصرية والإثنية دورًا في التغييرات التي أحدثتها الاحتجاجات؛ تغييرات غيرت حياة المجتمع الأمريكي".
هذا وكتب المدير العام لجنوب آسيا بوزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سيد رسول موسوي على منصة ايكس: "يجب أن تؤخذ الحركة الطلابية الداعمة لفلسطين وغزة في أمريكا وفرنسا والدول الغربية الأخرى على محمل الجد. دعونا لا ننسى أن الحرب الأمريكية ضد فيتنام أوقفتها الحركة الطلابية. ولا ينبغي السماح للحركة الصهيونية، التي تهيمن على وسائل الإعلام الدولية، بقمع هذه الحركة بالتعاون مع قوات الشرطة والأمن".
الحركات الطلابية في أمريكا، والتي بدأت في الستينيات ووصلت تدريجياً إلى مرحلة النضج السياسي، أظهرت نفسها مرات عديدة خلال التدخلات العسكرية الأمريكية في أجزاء مختلفة من العالم، وخاصة في الشرق الأوسط.
على سبيل المثال، خلال العقدين الماضيين، احتج عدد كبير من الطلاب من مختلف الجامعات الأمريكية على وجود وتدخل الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان وليبيا.
النتيجة
على الرغم من أن السلطات الأمريكية يدعون باستمرار وجود حرية الاحتجاج والتعبير في الولايات المتحدة، إلا أنها في الواقع يتعامل مع المحتجين بعنف وتشدد، عند شعورها بأصغر خطر، كما تعرضت التظاهرات الطلابية السلمية، والتي ترافقت في معظمها بمسيرات وشعارات ونصب الخيام، للضرب والاعتقال من قبل الشرطة الأمريكية.
وأظهرت الحركة الطلابية المؤيدة للفلسطينيين، على الرغم من النهج الأمني القمعي الذي تمارسه الشرطة، أن النظام الصهيوني قدفشل سواء في ساحة المعركة أو في الدعاية والحرب الاعلامية، حيث انه لقد أنفق الصهاينة، بمساعدة لوبي "إيباك" القوي، مليارات الدولارات لسنوات لتغيير عقلية الأمريكيين تجاه النظام الصهيوني، لكن الأحداث الأخيرة كشفت عدم جدوى هذه الإعلانات.
وفي الوقت الذي امتدت فيه الحركة الطلابية الداعمة لفلسطين إلى دول أخرى مثل فرنسا وكندا بالتزامن مع أمريكا، رفع بايدن ونتنياهو علم معاداة السامية دون ذكر الإبادة الجماعية الصهيونية. إنهم يحاولون ابراز "معاداة السامية" بدلاً من "معاداة الصهيونية" لحرف الحركة عن مسارها، بينما أدان العديد من اليهود في العالم أيضًا الجرائم الصهيونية في غزة خلال الأشهر القليلة الماضية.
ومع فهمه لهذه المؤامرة العبرية الغربية، يؤكد "ويدي أرمور"، أستاذ القانون الدولي، أنه من أجل منع انتشار الاحتجاجات الطلابية، ستستخدم السلطات الأمريكية والصهيونية ادعاء معاداة السامية لإسكات وقمع الطلاب، وفي الوقت نفسه، سوف تكثف أعمال العنف والضرب للمتظاهرين.
ويخشى المسؤولون الأميركيون الآن، بفضل تجربة الستينيات ودور الحركة الطلابية المناهضة لحرب فيتنام، والتي أجبرت أميركا أخيراً على القبول ودفعت واشنطن إلى إنهاء تلك الحرب، من تكرارها في حالة غزة.
/انتهى/
تعليقك