وكالة مهر للأنباء: العنقاء هو طائر مقدس أسطوري ورد ذكره في الأساطير الإيرانية واليونانية والمصرية والصينية. في هذه الأساطير يقال أن طائر الفينيق هو طائر نادر ووحيد. ولكن مرة كل ألف سنة، ينشر جناحيه فوق كومة كبيرة من الحطب ويغني. وعندما يفرح ويتحمس بأغنيته، يشعل نارًا في منقاره، ويحترق في النار، ويولد من جديد من رماد ذلك الخشب بجعة أخرى. في العديد من الثقافات، يعتبر طائر الفينيق رمزًا للخلود والتضحية والحياة المتجددة. ولكن بعض الثقافات نسبت إليه خصائص أخرى. ومن جملة ما قيل عنه: "دموع الفینیق تشفي الجرح، حتى لو كان جرح السيف"و..
وما حدث في غزة بعد السابع من أكتوبر لا يختلف كثيراً عن قصة هذا الطائر الأسطوري. وفي الحرب التي أعقبت هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، دمر النظام الصهيوني غزة بالكامل وترك سكانها في حالة من الخراب. ولكن لم يمض وقت طويل قبل أن تضطر إسرائيل إلى قبول وقف إطلاق النار، ليصبح هذا وقف إطلاق النار مرادفاً لنهضة أبطال غزة الأسطوريين من بين رماد حرب أكتوبر/تشرين الأول.
ماذا حدث
ويقول زعماء الولايات المتحدة وقطر، اللذان توسطا مع مصر في محادثات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، إن الاتفاق سيدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من يوم الأحد 19 يناير، وسيتم تنفيذه على ثلاث مراحل: بالإضافة إلى إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، سيتم إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين. إن الانسحاب الإسرائيلي من غزة سوف يسهل إيصال المساعدات إلى اللاجئين، وسوف تبدأ عملية إعادة إعمار هذا الشريط الساحلي الضيق.
وقال جو بايدن إنه إذا فشلت المفاوضات في التوصل إلى نتيجة خلال الأسابيع الستة الأولى من وقف إطلاق النار، فمن الممكن تمديد الاتفاق. ورحب زعماء العالم بهذا الاتفاق واعتبروه عامل استقرار في المنطقة.
والآن السؤال الذي يدور في أذهان الجميع هو: ما هي التطورات التي دفعت إسرائيل إلى قبول خطة وقف إطلاق النار، التي كان بإمكانها أن تقبل بها قبل عشرة أشهر؟
لا شك أن ما أجبر الكيان الصهيوني على قبول وقف إطلاق النار لم يكن الوضع الإنساني والدمار في غزة، بل الضغوط المباشرة التي تعاني منها إسرائيل نتيجة هذه الحرب.
التكاليف الاقتصادية
وكان السبب الأهم وراء قبول إسرائيل لوقف إطلاق النار هو التكاليف الباهظة للحرب.
وفي سبتمبر/أيلول 2024، قال سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، أمام الكنيست: "نحن في أطول حرب وأكثرها تكلفة في تاريخ إسرائيل"، مضيفًا أن تكلفة العمل العسكري قد تصل إلى 200-250 مليار شيكل (54-68 مليار دولار).
ويرى الدكتور عمر الجارحي، الخبير الاقتصادي بجامعة شيفيلد هالام البريطانية، أنه لو استمرت الحرب حتى نهاية عام 2025 فإن تكاليفها ربما تصل إلى 350 مليار شيكل (93 مليار دولار).
التغير في الناتج المحلي الإجمالي للفرد
قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023، شهد الاقتصاد الإسرائيلي نمواً كبيراً، لكن بعد حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول، عانى اقتصاده من انحدار حاد. وأفاد البنك الدولي أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي سينخفض بنسبة 0.1 في المائة في عام 2023، في حين تم تخفيض توقعات بنك إسرائيل للنمو لعام 2024 بشكل كبير من 1.5 في المائة إلى 0.5 في المائة فقط.
في عام 2023، واجهت العديد من الشركات الصهيونية نقصًا في العمالة، مما حد من أنشطتها الاقتصادية. السبب وراء نقص العمالة هو أن جيش تل أبيب استدعى أكثر من 360 ألف جندي احتياطي في بداية الصراع. كما منعت الحكومة نحو 220 ألف فلسطيني من دخول الأراضي المحتلة للعمل. وقد أثر ذلك بشكل خاص على قطاع البناء، الذي يعمل فيه نحو 80 ألف فلسطيني.
ضغط تكاليف الحرب على الموازنة العامة
كما زاد الإنفاق العسكري لإسرائيل بشكل كبير، وتوقف نموها الاقتصادي، وخاصة في المناطق الشمالية التي تم إجلاء سكانها.
ويعتقد خبراء الاقتصاد أن إسرائيل سوف تواجه انخفاضاً في الاستثمار، وزيادة في معدلات الضرائب، واتخاذ قرارات صعبة بين تخصيص الأموال للإنفاق العسكري أو الخدمات الاجتماعية، نظراً لأن تكاليف الحرب تفرض ضغوطاً ثقيلة على الميزانية العامة.
وبحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، بلغ الإنفاق العسكري الإسرائيلي قبل هجوم حماس نحو 1.8 مليار دولار شهريا، لكن هذا الرقم ارتفع إلى نحو 4.7 مليار دولار شهريا بحلول نهاية عام 2023 (أوائل يناير/كانون الثاني).
وبحسب إحصائيات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، بلغ الإنفاق العسكري لتل أبيب خلال عام 2023 نحو 27.5 مليار دولار. وفي جدول الميزانية العسكرية العالمية الذي أعده معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، يحتل النظام الصهيوني المرتبة الخامسة عشرة بعد بولندا وفوق كندا وإسبانيا، اللتين يبلغ عدد سكانهما على الأقل عدة مرات أكبر من عدد سكان الصهاينة.
ويبلغ الإنفاق العسكري في تل أبيب في عام 2023 ما يعادل 5.3% من نتاجها المحلي الإجمالي؛ في حين بلغ هذا الرقم، على سبيل المثال، 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة و1.5% في ألمانيا. كما انكمش حجم اقتصاد اسرائيل خلال الأشهر الثلاثة التي أعقبت هجوم حماس (من منتصف أكتوبر/تشرين الأول إلى منتصف يناير/كانون الثاني 1402 هـ) بنسبة 5.6%، وهو أسوأ أداء بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي التي يبلغ عددها 38 دولة. التعاون الاقتصادي والتنمية.
تراجع السياحة ضربة قوية للاقتصاد
من خلال تخصيص 340 مليون شيكل للسياحة في عام 2023، كانت الحكومة الإسرائيلية تهدف إلى مواصلة عملية زيادة الجذب السياحي التي بدأت في عام 2021 بعد جائحة كورونا، والعودة إلى الإيرادات القياسية البالغة 23 مليار دولار التي حققتها في عام 2019. وقد تحقق ذلك.
وكان هذا النظام يهدف إلى تطبيع العلاقات مع الدول العربية، والمشاركة في ممرات مثل "المود العربي"، وإنشاء حملات السياحة الدينية، وغيرها، بالإضافة إلى تعويض الأضرار التي سببتها جائحة كورونا، وترسيخ نفسه كمركز سياحي رئيسي. في منطقة غرب آسيا ثم في العالم أجمع. تحويل القارة. لكن بداية الحرب واستمرارها منعتهم من تحقيق أهدافهم.
السياحة والناتج المحلي الإجمالي في الأراضي المحتلة
وبحسب البيانات، في عام 2022، ساهمت السياحة بشكل مباشر بنحو 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل ونحو 3.5% من إجمالي العمالة. وبعبارة أخرى، تم خلق 141 ألف فرصة عمل مباشرة و32 ألف فرصة عمل مرتبطة بالسياحة في الأراضي المحتلة. ويعني هذا أن حوالي 6% من إجمالي السكان الذين يعيشون في الأراضي المحتلة يعملون في وظائف مرتبطة بالسياحة.
كما بلغ دخل الكيان الصهيوني من هذه الصناعة في عام 2022 نحو 5.8 مليار دولار، وهو ما يعادل نحو 5% من إجمالي صادرات الكيان. ارتفع عدد السياح والزوار للأراضي المحتلة هذا العام مجددا، بعد ركود السياحة خلال سنوات جائحة فيروس كورونا، ليصل إلى 2,6 مليون شخص.
وهذا على الرغم من أن الكيان الإسرائيلي استقبل في عام 2018 نحو 4.1 مليون سائح أجنبي، وبلغ العدد ذروته عند 4.5 مليون في عام 2019. والآن، ما هو جدير بالملاحظة هو أن صناعة السياحة تضررت بشدة بعد عملية 7 أكتوبر.
وتشير الإحصائيات إلى أنه في يناير/كانون الثاني 2024، سافر 58.600 سائح فقط إلى الأراضي المحتلة، وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 77% مقارنة بـ 257.400 سائح سافروا إلى النظام في نفس الشهر من العام الماضي.
وبحسب الأرقام الشهرية التي نشرها المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي، تم تسجيل 500 زيارة ليوم واحد فقط إلى الأراضي المحتلة في يناير/كانون الثاني، وهو انخفاض بنسبة 96% مقارنة بـ 14 ألف زيارة في يناير/كانون الثاني 2023. كما أن عدد الصهاينة الذين يسافرون إلى الخارج أقل بكثير، ومعظم شركات الطيران العالمية لم تستأنف خدماتها بعد. ففي يناير/كانون الثاني 2024، سافر 281.400 صهيوني إلى دول أخرى، مقارنة بـ 611.100 في يناير/كانون الثاني 2023، بانخفاض يزيد عن 50 في المائة.
تشويه السمعة على المستوى السياسي الدولي
ومن أهم الأسباب التي دفعت الكيان الصهيوني إلى قبول وقف إطلاق النار، فقدان سمعته في المحافل الدولية، وخاصة القانونية والأكاديمية.
لقد وضعت الاحتجاجات التي قامت بها العديد من البلدان، بما في ذلك النرويج وإسبانيا وأيرلندا وجنوب أفريقيا، ضد الكيان الصهيوني على الساحة الدولية، تل أبيب في موقف حرج. اتهمت حكومة جنوب أفريقيا تل أبيب بارتكاب إبادة جماعية خلال الحرب على غزة.
ووصلت هذه الضغوط إلى حد أن محكمة العدل الدولية في لاهاي، وهي أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة للنظر في المطالبات بين الدول، دعت إلى وضع حد للإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين على يد الصهاينة في حكم أولي صدر في 26 يناير/كانون الثاني. 2024. وقال جوان دونغو، رئيس محكمة العدل الدولية، في قراءة الحكم الأولي للمحكمة: "إن هذه المحكمة على علم بالمأساة الحالية في غزة وتدين عمليات القتل المستمرة هناك".
وكان السبب الآخر لقبول وقف إطلاق النار هو المظاهرات الواسعة التي بدأت في الجامعات الأميركية تعاطفاً مع الفلسطينيين، وانتشرت إلى جامعات في أوروبا وحول العالم.
إن تعاطف الشباب والمتعلمين في أوروبا وأميركا ودول جنوب وشرق آسيا وأوقيانوسيا مع الشعب الفلسطيني، إلى جانب تكاليف الحرب، وانخفاض عائدات النظام الصهيوني، وتراجع السياحة، والمعارضة الداخلية، والمظاهرات اليومية التي يقوم بها أهالي الأسرى الصهاينة قد أدت إلى توتر الأوضاع في تل أبيب حيث لو لم يضطر إلى قبول وقف إطلاق النار، لكان عليه أن يتوقع عواقب أسوأ.
واليوم نهضت غزة من الرماد، وتشير التقارير إلى أن المزيد من الشباب ينضمون إلى حماس. واليوم نهض طائر الفينيق الغزّي مرة أخرى من بين رماد السنوار، وسوف يخلق مستقبلاً صعباً للکیان الصهيوني.
/انتهى/
تعليقك