٠٥‏/١١‏/٢٠٢٥، ٩:٥٤ ص

السودان يتجه نحو نموذج مشابه لليبيا / احتمالية إعادة تفككه

السودان يتجه نحو نموذج مشابه لليبيا / احتمالية إعادة تفككه

السودان يتجه نحو اتجاه يثير فيه الحديث عن إعادة تقسيمه وتفككه القلق، وهذا خبر سار للجهات الخارجية الفاعلة التي حددت مصالحها في سياق عدم استقرار السودان وتفككه.

وكالة مهر للأنباء: في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2025، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور. جاء هذا الانتصار بعد حصار شرس منذ مايو/أيار 2024، رافقه قصف مدفعي متواصل، وانقطاع شبه كامل للإمدادات الغذائية والدوائية، وجرائم ضد المدنيين. وبهذا، عززت القوات سيطرتها على خمس ولايات في دارفور. ويمثل هذا التطور الميداني أحدث نقطة تحول رئيسية في الحرب الدائرة منذ قرابة عامين ونصف بين الجيش السوداني والميليشيات المدعومة من الإمارات والكيان الصهيوني، مع تداعيات سياسية وأمنية خطيرة على مستقبل السودان وسلامة أراضيه.

قال "ميثم ميرزائي تبار"، عضو هيئة التدريس بمركز الدراسات الأفريقية بجامعة "تربية مدرس"، فی طهران بشأن التطورات السودانية: "كانت مدينة الفاشر وسط ولاية شمال دارفور تحت حصار قوات الرد السريع لما يقرب من 18 شهرًا، إلا أن تكثيف هجمات قوات هذه المجموعة على الفاشر تسبب في سقوط المدينة بيد المهاجمين يوم الأحد الماضي، وللأسف يشهد العالم هذه الأيام مآسي حقوقية بحق سكان الفاشر". وصف هذا الخبير في التطورات السودانية سقوط الفاشر بأنه متوقع، وأضاف: "حاليًا، ومع سقوط هذه المدينة وانتزاعها من سيطرة الحكومة والجيش السودانيين، أصبح جزء كبير من غرب البلاد، وخاصة الجنوب الغربي ودارفور، تحت سيطرة قوات الرد السريع. ويبدو أن هذا الحدث سيهيئ الظروف المناسبة لاستيلاء هذه المجموعة على المناطق الجنوبية الغربية، بل وحتى، مع تقدم قوات الرد السريع، على أجزاء من الشمال الغربي على حدود السودان المشتركة مع ليبيا ومصر، وسيحدث بالفعل تقاسم للسيادة الشرقية والغربية في السودان".

وفي إشارة إلى طبيعة الأزمة السودانية، قال: "الأزمة الحالية في السودان، التي بدأت في السنوات الأخيرة وتزداد حدتها يومًا بعد يوم، ذات طابع جيوسياسي، حيث يسعى كل طرف من الأطراف المحلية المعنية والجهات الخارجية المتدخلة إلى تحقيق أهدافه الجيوسياسية الخاصة، وقد أظهر مسار التطورات أنه حتى الآن لم يكن أي من الأطراف مستعدًا للتخلي عن أهدافه ومطالبه بسهولة".

وأضاف ميرزائي تبار: في الأزمة السودانية الراهنة، جعلت الجهات الداعمة للأطراف الخارجية، وخاصةً قوات الرد السريع، التدخل في الحرب السودانية ودعم الأطراف لتحقيق أهدافها ومصالحها أحد الرموز الجيوسياسية في سياستها الخارجية، ويصاحب اتباع سياساتها واستراتيجياتها خلق تحديات جيوسياسية للجهات المنافسة.

وأكد أحد عضور هيئة التدريس في جامعة تربية مدرس: بما أن الأزمات الجيوسياسية مصحوبة بمصالح إقليمية ومحاولات للسيطرة على موارد جغرافية قيّمة، وما إلى ذلك، من قبل الأطراف المعنية، فهي أزمات مستقرة وطويلة الأمد، وليس من السهل الحديث عن حلها. لذلك، مع استمرار الوضع الراهن، على المدى القصير والمتوسط وحتى الطويل، لا يمكن توقع حل الأزمة السودانية بشكل كامل، وتحقيق الاستقرار السياسي والتماسك والوحدة الوطنية والإقليمية في هذا البلد.

وأضاف: "بالطبع، يبدو أن هناك أملًا في حل الأزمة الراهنة في السودان إذا تخلت قوات الرد السريع عن أهدافها ولجأت إلى السلام والمصالحة، أو إذا استمرت هذه المجموعة في ممارساتها، وتوافرت إرادة جادة وإجماع دولي على دعم حكومة السودان وجيشه لتحقيق سيادته على كامل أراضيه. وبعد ذلك، وبإعلان قوات الرد السريع رسميًا منظمة إرهابية وقطع الدعم المالي والتسليحي عن بعض الجهات الفاعلة لهذه المجموعة، يُساعد ذلك الجيش السوداني على التقدم في المناطق المحتلة، وهزيمة قوات الرد السريع، وتحقيق السيادة على جميع أنحاء السودان".

أشار عضو هيئة التدريس، إلى أن جذور الأزمة الحالية تكمن في انفصال جنوب السودان واستقلاله عام ٢٠١١، قائلاً: منذ انفصال جنوب السودان وحصوله على الاستقلال، فقدت حكومة عمر البشير في السودان الكثير من مواردها الاقتصادية، وخاصة عائدات النفط، لصالح الجنوب، وأصبح اقتصادها أضعف وأكثر اعتمادًا على الدول الأخرى يومًا بعد يوم. أدت عملية عدم الاستقرار والضعف هذه في النهاية إلى سقوط الحكومة، وتم تمهيد الأرضية لأزمة اليوم بتأثير قوي من التدخل الأجنبي.

وأضاف ميرزائي تبار: إن الأحداث الجارية في السودان تتجه نحو مناقشة إعادة تقسيم هذا البلد وتفككه، وهذا ليس خبرًا سارًا للشعب السوداني، وهو بالطبع أمر يرضي الجهات الخارجية التي حددت مصالحها في السياسة الخارجية وقواعدها الجيوسياسية في إطار عدم استقرار السودان وتفككه.

وقال: "إن الدولة التي كان من المفترض أن تدخل مرحلة جديدة من التحول بآفاق واعدة واستقرار سياسي وتقدم بدعم خارجي في عام 2019، مع سقوط حكومة عمر البشير، لم تفشل فقط في توفير الحد الأدنى من شروط الاستقرار والأمن، بل واجهت أيضًا مستقبلًا غامضًا بل قاتمًا للأمة السودانية". وأشار هذا المحلل للقضايا الأفريقية إلى أنه في الحروب والأزمات التي تحدث، عادة ما تكون هناك نافذة أمل تسمى الدبلوماسية مفتوحة دائمًا وأن الدول الوسيطة تحاول حل الأزمة من خلال هذا المسار، وأكد: بالنظر إلى تطورات الحرب في السودان في الأشهر القليلة الماضية، والتي رافقتها تقدمات ناجحة لحكومة وجيش هذا البلد وانتزاع السيادة على أجزاء مهمة من الأراضي السودانية، بما في ذلك الخرطوم (العاصمة) وتحريرها من سيطرة قوات الرد السريع، فقد توقفت هذه العملية الآن إلى حد كبير مع سقوط مدينة الفاشر، وهذا وضع قوات الرد السريع في وضع قد يشجعها على مواصلة التقدم ومحاولة الاستيلاء على مناطق أخرى، وقد تشهد تعزيز موقفها من أجل الحصول على تنازلات، وخاصة التنازلات الإقليمية والسيادية، في المفاوضات المحتملة لحل الأزمة. دعا ميرزائي تبار الى الجهود الدولية، وخاصةً تلك التي تبذلها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لإدارة الأزمة وتحقيق عملية وقف إطلاق النار في الوضع الراهن، إلى أهمية بالغة، وصرح قائلًا: على الرغم من نشر أنباء عن جهود وساطة بعض الجهات الداعمة لقوات الرد السريع، إلا أن تصرفات هذه الدول تفتقر إلى الشفافية والصدق، وأقوالها وأفعالها غير متسقة.

ومن المتوقع أن تتدخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لهذه المنظمة، وكذلك المؤسسات الإقليمية الأفريقية، بقيادة الاتحاد الأفريقي، وتتخذ قرارات جادة وفعّالة لوقف الأزمة السودانية، بل وحلها، حتى لا يشهد العالم بعد الآن وقوع جرائم حرب مختلفة وقتل مواطنين سودانيين أبرياء.

وقال عضو هيئة التدريس في مركز الدراسات الأفريقية: من غير المرجح أن تؤدي الوساطة في الأزمة السودانية الحالية إلى تحقيق سودان موحد وجمع جميع قوى المعارضة تحت راية وطنية واحدة، ويمكن لوقف إطلاق النار في نهاية المطاف أن يوقف استمرار الجرائم ضد المدنيين.

وأضاف: "ما دام التدخل الأجنبي في الأزمة الراهنة في السودان مستمرًا، ولم يتوقف دعم قوات الرد السريع، فإن الحرب الأهلية في البلاد ستستمر، واستمرار هذه الظروف قد يحوّل عملية تحقيق وقف إطلاق النار المحتملة إلى مقدمة لنيل قوات الرد السريع تنازلات إقليمية".

وفي إشارة إلى أنباء تشكيل حكومة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الرد السريع في الأشهر الأخيرة، قال ميرزائي تبار: "على الرغم من أن هذه الحكومة لم تحظَ باعتراف المنظمات الدولية ودول العالم، فمن المرجح أن تتعزز الجهود المبذولة لمتابعة هذه القضية كحل للأزمة في الأشهر المقبلة".

هذا الخبير في شؤون السودان، قال ردًا على سؤال: "هل من الممكن أن تتوصل الحكومة السودانية وقوات الرد السريع إلى اتفاق بشأن تقاسم السلطة لتحقيق الوحدة الإقليمية والسيادة الوطنية لهذا البلد؟" قال: لا أعتقد أننا في الوضع الراهن والمستقبل سنشهد وحدة إقليمية وتحقيق سيادة وطنية موحدة في السودان. لو كان هذا الأمر ليتحقق، لكان ينبغي أن يتم بعد سقوط حكومة عمر البشير وتشكيل مجلس السيادة الانتقالي السوداني في عملية انتقال سلمية وعملية ديمقراطية بإجراء انتخابات، وهو ما فشل.

عضو هيئة التدريس في مركز الدراسات الأفريقية أضاف: "إذا استمرت قوات الرد السريع في السيطرة على الجزء الغربي، وخاصة جنوب غرب السودان، وكان هناك إجماع دولي محتمل على استقلال هذه المنطقة، فهل ستكون هذه المنطقة ذاتية الحكم تحت سيادة الحكومة المركزية السودانية؟" قال: "أثبتت الأدلة وتطورات الأحداث في السودان خلال السنوات القليلة الماضية أن قوات الرد السريع لا ترغب في الخضوع لسيادة الحكومة السودانية، ونظرًا لوجود أهداف ومصالح اقتصادية وموارد طبيعية ومعدنية، بما في ذلك الذهب، في المناطق الخاضعة لسيطرتها، فإنها ستسعى إلى تشكيل..." حكومة ودولة مستقلتين، وعلى الأقل تحقيق نموذج مشابه لوضع أرض الصومال وبونتلاند في الصومال.

وأضاف: "بالطبع، يبدو أن هذه الأمور لن تتحقق في المستقبل القريب، وهناك احتمال كبير أن يسود في السودان وضع مشابه للوضع الحالي في ليبيا، أي نظام دولتين، إحداهما معترف بها من المجتمع الدولي والأخرى غير معترف بها"

/انتهى/

رمز الخبر 1964568

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha