وكالة مهر للأنباء: يمثل اكتساح القوى الشيعية للمقاعد البرلمانية (سواء عبر القوائم المنفردة الكبرى أو تحالفات الإطار الواسعة) تفويضاً شرعياً لإنهاء مرحلة "الابتزاز السياسي" الذي كان يمارس تحت غطاء المحاصصة، والانتقال إلى مرحلة "الأبوية السياسية" حيث يتحمل المكون الأكبر مسؤوليته التاريخية في إدارة الدولة ورعاية الجميع دون ارتهان لإرادة الأقليات السياسية.
اولًا: قراءة في نتائج 2025: دلالات الرقم والقرار
وفقاً لقراءة "المزاج العام" للمكون الأكبر، فإن نتائج 2025 ليست مجرد فوز انتخابي، بل هي تصحيح لمسار العملية السياسية، وتتسم بالآتي:
انتهاء "الثلث المعطل" فعلياً: الأرقام تشير إلى قدرة البيت الشيعي (بجناحيه السياسي والمقاوم) على تمرير القوانين السيادية وتشكيل الحكومة بأريحية، مما يسقط ورقة الضغط التي كانت تستخدمها القوى الأخرى لتعطيل الموازنات أو المشاريع الاستراتيجية.
شرعية الإنجاز: الناخب العراقي كافأ القوى التي تبنت مشاريع الخدمات والبنى التحتية (مشروع طريق التنمية، المدن السكنية الجديدة) وعاقب دعاة الفوضى، مما يعطي الحكومة القادمة غطاءً شعبياً للمضي قدماً في السياسات التنموية الحازمة.
ثانيًا: شكل الحكومة القادمة: معادلة "الأخ الأكبر"
بناءً على المعطيات، تتجه الحكومة العراقية نحو نموذج جديد يمكن تسميته بـ "المركزية التشاركية" بدلاً من المحاصصة، وتتميز بالآتي:
احتكار القرار السيادي: الوزارات السيادية (الخارجية، النفط، المالية، الداخلية) والملفات الأمنية الحساسة ستكون تحت إدارة مركزية تخضع لرؤية رئيس الوزراء المدعوم من الأغلبية. زمن "الوزارات كإقطاعيات حزبية للمكونات" قد ولى. سيتم إشراك السنة والكرد، لكن كـ "شركاء في الوطن" لا كـ "شركاء مشاكسين" يمتلكون حق النقض (Veto).
التعامل مع إقليم كردستان: في ظل الأغلبية البرلمانية المريحة لعام 2025، ستكون بغداد في موقف التفاوض الأقوى. المعادلة الجديدة "الحقوق مقابل الالتزامات":
لا موازنة دون تسليم كامل للواردات النفطية وغير النفطية.
قرارات المحكمة الاتحادية هي المسطرة، ولا مجال للمناورات السياسية التي كانت تحدث سابقاً لتجاوز القضاء.
التعامل مع المكون السني: سيكون التعامل مع القيادات السنية الصاعدة التي تؤمن بـ "وحدة العراق" والعمل تحت مظلة الدولة، مع تهميش القيادات التقليدية التي كانت تعتاش على الخطاب الطائفي أو الاستقواء بالخارج. الحكومة ستقدم الخدمات والإعمار للمحافظات الغربية كواجب حكومي، وليس كمنّة سياسية تستوجب التفاوض.
ثالثًا: الملف الخارجي والسيادة الوطنية
تعتبر حكومة 2025 نفسها حكومة "السيادة الكاملة". المزاج الشيعي العام، المدعوم بالفصائل والتيارات السياسية، يرى أن الوقت قد حان لإنهاء الملفات العالقة:
الوجود الأجنبي: الجدول الزمني للانسحاب (الذي أُسس له في 2024) سيُطبق بصرامة. العلاقة مع واشنطن ستتحول إلى علاقة ثنائية اقتصادية بحتة، مع رفض قاطع لأي وصاية أمنية أو استخدام للأجواء العراقية.
المحور الإقليمي: العراق ليس تابعاً بل حليف استراتيجي لإيران، وهو جزء أصيل من محور يرفض الهيمنة الصهيونية. الحكومة القادمة ستعزز علاقاتها مع دول الجوار وبالخصوص علاقتها بالجارتين القويتين (إيران، تركيا) من منطلق "المصالح المشتركة" وقوة الاقتصاد العراقي المتنامي، وليس من منطلق الضعف.
مشروع طريق التنمية: سيكون هو البوصلة الاقتصادية، والتوجه شرقاً (الصين وروسيا) سيكون خياراً استراتيجياً موازياً للعلاقة مع الغرب لضمان تنوع الخيارات.
رابعًا: التحدي الأبرز: النجاح أو "لا عذر بعد اليوم"
يدرك صناع القرار في البيت الشيعي أن هيمنة 2025 هي "سلاح ذو حدين".
انتفاء الحجج: لم يعد بالإمكان لوم "الشركاء" على الفشل. المكون الأكبر يمسك بمفاصل السلطة التشريعية والتنفيذية.
ضرورة الحزم الداخلي: التحدي الحقيقي سيكون داخل البيت الشيعي نفسه. الحكومة مطالبة بضرب الفاسدين (حتى المقربين) لضمان استمرار الزخم الشعبي. أي فشل خدمي سيتحمل وزره المكون الأكبر حصراً.
خامسًا: الخلاصة
اللحظة التاريخية سانحة لإعادة تعريف "الدولة العراقية" كدولة مركزية قوية تقودها الأغلبية الديموغرافية، بما يضمن حقوق الجميع ولكن تحت سقف "الدولة" وليس "المكونات". يجب استثمار هذا الاكتساح الانتخابي لتثبيت هيبة الدولة وفرض القانون على الجميع، وجعل بغداد هي صاحبة الكلمة الفصل في الشمال والجنوب والغرب.
انتخابات 2025 ليست مجرد جولة انتخابية، بل هي إعلان نهاية المرحلة الانتقالية وبدء مرحلة الاستقرار بقيادة الأغلبية، حيث يتحول العراق من ساحة للتوازنات القلقة إلى لاعب إقليمي واثق ومستقر.
بقلم: يوسف الكاظمي، خبير أول في الشؤون العراقية
تعليقك