بالتزامن مع المخاض العسير الجاري بجنيف، بدأت تدرك جميع القوى المنخرطة بالحرب على سوريا أن معركة الجيش السوري وحلفائه والرامية إلى تحرير محافظة حلب بشكل عام وريفها الشمالي بشكل خاص ستكون لها الكلمة الفصل وفق نتائجها المنتظرة بأي حديث مقبل يتحدث عن تسويات بمسارات الحرب على الدولة السورية وتغيير كامل ومطلق بشروط التفاوض المقبلة بين جميع الأطراف فالمعركة لن تتوقف عند حدود بلدتي "نبل والزهراء "أو عند حدود بلدة "الباب " بالريف الشرقي أو عند عند حدود ريف حلب الجنوبي أو ريف حلب الغربي وستكون لها تداعيات كبيرة على عموم ملفات الميدان العسكري السوري.
اليوم يراقب العالم ككلّ مسار معركة ريف حلب الشمالي "الهامة جدّاً " بمسار معارك محافظة حلب التي تعتبر في توقيتها ونتائجها المستقبلية عنواناً لمرحلة جديدة من عمر الحرب على الدولة السورية، فاليوم بات لا خيار أمام الدولة السورية وحلفائها إلا الاستمرار بالحسم العسكري لتطهير الأرض السورية من رجس الإرهاب ومتزعّميه وداعميه ومموّليه، وأن تقرّر مصيرها بنفسها بعيداً من تقاطع مصالح المشروع الأميركي- الصهيوني وأدواته من الأنظمة الرجعية العربية والمتأسلمة في الإقليم، وجزء من هذا الحسم هو حسم معركة محافظة حلب التي بدأت منذ مطلع شهر تشرين أول الماضي "2015"، فالمحافظة تحتلّ أهمية استراتيجية باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتدّ على طول السلسلة الحدودية بين سوريا وتركيا.
واليوم ان تطويق مدينة حلب وتحرير ريفها الشمالي يساوي للدولة السورية وحلفائها مكسباً كبيراً وورقة رابحة جديدة في مفاوضاتها المقبلة مع كبار اللاعبين الدوليين المنخرطين بالحرب على الدولة السورية ومن خلال ورقة حلب المدينة وريفها الشمالي وما بعدها، ستفرض الدولة السورية شروطها على الجميع، وعندها لا يمكن ان تحصل أي تسوية إلا بموافقة الدولة ونظامها الرسمي، ووفق ما يراه من مصلحة لسورية الشعب والدولة، بعد كل ما لحق بهذا الشعب من أذى من قبل أطراف الحرب.
وهنا لا يمكن لأي متابع أن ينكر حجم الأهمية الاستراتيجية لمحافظة حلب عسكرياً والمتموضعة بموقعها الاستراتيجي بشمال سوريا، فهي تشكل أهمية استراتيجية بخريطة العمليات العسكرية السورية، باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتد على طول الجغرافيا السورية، فهي نقطة وصل بين مناطق شمال وشمال غرب وشمال شرق وشرق ووسط سوريا، امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية التركية، وهي تعتبر تقريباً من أكبر معاقل المجاميع المسلحة الإرهابية العابرة للقارات، وخصوصاً ريفها الشمالي والشمالي الشرقي والغربي والذي تتمركز فيه بشكل واسع مجاميع "داعش والنصرة "، وهذا ما يعكس حجم الأهمية الاستراتيجية الكبرى لهذه المحافظة، بخريطة المعارك المقبلة بشمال وشمال شرق سورية بشكل عام.
معركة محافظة حلب بشكل خاص والشمال السوري بشكل عام، تعني الاطراف الدولية والاقليمية المنخرطة بالحرب على سوريا ، فهناك أطراف عدة تعنيها هذه المعركة، فالنظام التركي المنغمس بالحرب على سوريا لا يريد أن يتلقى هزيمة جديدة، وقد تكررت هزائمه مؤخراً بمناطق ريف حلب الجنوبي والجنوبي الغربي تحديداً، فتطويق مدينة حلب وريفها الشمالي يعني للنظام التركي سقوط كل ما يليها كأحجار الدومينو، وبالتالي خسارة جديدة وكبيرة للنظام التركي ومعه النظام السعودي والقطري والفرنسي، فاليوم من المتوقع أن تنتقل عمليات الجيش السوري وحلفائه إلى تصعيد وتيرة المعركة بعموم ريفي حلب الشمالي والشرقي ،تمهيداً للاطباق على بعض الاحياء الشرقية بمدينة حلب القابعة تحت سيطرة المسلحين، وهذا ما لا يريده لا النظام التركي ولا النظام السعودي ولذلك اليوم نرى أن هناك حالة من الترقب والدعم المستمر من هذه الأنظمة للمجاميع المسلحة لوقف تقدم الجيش السوري وحلفائه على الارض .
أمّا موقف واشنطن من معركة حلب ،يمكن أن يقرأ من خلال الصحافة ووسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الأميركية التي بدأت تتحدث عن فشل الرؤية والاستراتيجية الأميركية بخصوص موقفها من الحرب على سورية، بعد فشل أميركا وحلفاؤها عن تحقيق أي إنجاز فعلي على الأرض بسورية، وتؤكد مراكز الأبحاث هذه أن صمود سوريا يهيئ الأرضية لانتصارها مستقبلاً مدعومة بحلفائها، ولهذا فهي تراقب عن كثب هذه التطورات وتوصل رسائلها للجميع "مرحلياً"، إنها ليست معنية "مرحلياً" بتطور هذه الأحداث بالشمال السوري وأنها على وشك حسم خياراتها الاستراتيجية بما يخص مسارات الحرب على سوريا.
ختاماً ، إن تحرير محافظة حلب، ليس بالمهمة السهلة بل يحتاج لوقت وعمل طويل نوعاً ما ،وهذا ما تدركة القيادة العسكرية للجيش السوري وحلفائها، ولكن هذا التحرير ومهما طالت مسارات عمله من شأنه إحداث تغيير جذري في الخريطة العسكرية ، وتحريرالمحافظة سيكون له تداعيات كبرى على الأرض، ومن المتوقع أن يشكل وفق نتائجه المنتظرة انعطافة كبيرة إتجاه وضع حد للحرب على سوريا.
تعليقك