وكالة مهرللأنباء- ديانا المحمود: لا تغيب العواصف الترابية عن مدينة إلا لتعود وتضرب مدينة أخرى لتصبح هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة إحدى أكثر المعضلات الاقليمية والمحلية في غرب آسيا، وعلى رغم دراسة هذه الظاهرة في عدد من مراكز الأبحاث والجامعات الاقليمية بتشجيع عالمي إلا إن العمل الجاد يقف على أبواب الحكومات ينتظر منها الأوامر الجادة لبدء تعاون اقيليمي يجمح من هذا الخطر البيئي وينقذ مدن غرب آسيا.
ومع تضاعف خطورة هذه الظاهرة بدأت الأبحاث في بعض المراكز العلمية تنشط بدوافع علمية واجتماعية إلا إن الدراسات العلمية المحلية في بعض البلدان اتجهت نحو تقديم حلول علاجية لما بعد وقوع الظاهرة، فيما قلت الأبحاث التي تتناول عمق الظاهرة وأسبابها والحيلولة دون وقوعها من البداية.
الأمم المتحدة: ظاهرة العواصف الترابية إحدى الكوارث الطبيعيةعام 2015 اعتبرت الأمم المتحدة ظاهرة العواصف الترابية رسمياً إحدى الكوارث الطبيعية، وطالبت مكتب البرنامج البيئي للأمم المتحدة الغرب آسيوي (UNEP-ROWA) بتقديم رؤية شاملة عن العواصف الترابية والرملية وكان ضمن الفريق عدد من الباحثين والأكاديميين من غرب آسيا التي تقبع تحت أسوأ الظروف البيئية، عام 2016 أصدرت (UNEP يونيب) بدورها مذكرة دولية تطالب فيها الدول المعنية باتخاذ برامج جدية للعمل والتعاون على مكافحة هذه الظاهرة.
وقامت لجنة مكافحة التصحر العالمية (UNCCD) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة بالاشراف على ثلاثة أبحاث اولها "نظام إدارة" للباحث " مديلتون" من جامعة أكسفورد يوضح أفضل الطرق لإدارة مكافحة ظاهرة العواصف الترابية، وتم اقتراح هذا البحث على جميع دول المنطقة التي ترغب في المساهمة في مكافحة هذه الظاهرة.
وثانيها "دراسة اقتصادية" يقدمه الباحث " توسر" من نيوزيلندا لتبين مدى الخسائر التي تتحملها الحكومات ولتوضح بالأرقام الخسائر في قطاع الصحة والزراعة والنقل وغيرها، لتشجع المسؤولين لمواجهة هذه الظاهرة وكبح حجم الخسائر.
وثالثها هو خريطة معدل التأثيرات السلبية التي تسببها ظاهرة العواصف الترابية، موضحاً إن حجم الأضرار يختلف من مكان إلى آخر والمطلوب من هذه الدراسة تحديد الأماكن الأكثر تأثراً من غيرها حيث يشرف على هذا البحث الدكتور "علي درويشي بلوراني" من جامعة طهران.
وفي هذا السياق التقت مراسلة وكالة مهر للأنباء مع الباحث الایراني الدكتور "علي درويشي بلوراني"، عضو الهيئة العلمية لقسم الاستشعار عن بعد GIS ، كلية الجغرافيا، مركز الدراسات الجيوانفورماتيك بجامعة طهران لبحث أسباب ظاهرة العواصف الترابية، الذي شارك في مع فريق (UNEP-ROWA) في إعداد تقرير مفصل عن العواصف التربية في غرب آسيا، كما أجرى الدكتور درويشي أبحاث محلية في محافظة فارس /جنوب ايران/ وفي المختبرات على فئران التجارب وعلى النباتات لمعرفة الآثار السلبية التي تتركها العواصف الترابية.
ظاهرة العواصف الترابية ظاهرة اقليمية وعالمية تحتاج إلى تعاون في البحث العلمي والتنفيذاعتبر الدكتور درويشي في بداية الأمر إن ظاهرة العواصف الترابية ظاهرة اقليمية وعالمية لا يمكن أن يقدم مركز أبحاث واحد على حلها ، وتحتاج إلى تعاون في البحث العلمي والتنفيذ، منوهاً إلى إن الحلول المقترحة من الباحثين حول العالم تحتاج إلى إرادة محلية واقليمية ولاسيما في غرب آسيا، مضيفاً : إن مناطق آخرى من العالم بدأت بالعمل الجاد لمواجهة هذه الظاهرة كما هو الحال في شرق آسيا حيث قامت كلاً من (الصين، كوريا، منغوليا ، اليابان) بتشكيل لجنة خاصة مدعومة دوليا لمكافحة هذه الظاهرة، أما غرب آسيا فلا تزال تقف حائرة أمام الظاهرة دون إي تعاون جدي بين الدول لأسباب عديدة.
أسباب ظاهرة العواصف الترابية
أوضح الدكتور درويشي إن هناك خمسة أسباب رئيسية لتشكل العواصف الترابية هو ضعف الموارد المائية خلال الفترة الأخيرة وإهمالها ولاسيما الأهوار والمسطحات المائية الممتدة بين العراق وايران والتي تعرضت للجفاف خلال السنوات لأخيرة لعدة أسباب أهمها السياسات الخاطئة المتبعة في ترشيد المياه السطحية عن طريق بناء السدود بطريقة خاطئة في ايران وسوريا والعراق وايران ، موضحاً إن السدود تجفف آواخر الأنهار بحبس المياه خلفها.
دول المنطقة لم تتبع أساليب ري حديثة في الزراعة بل تتبع ما كان شائعا منذ 50 عاماً وأكثرفيما يأتي تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة السبب الثاني المؤثر على جفاف الأهوار، ثم الجفاف الذي تتعرض لها المنطقة بشكل متعاقب، ويعقب الباحث الإيراني إن كل هذه الحزمة من الأسباب تعود بشكل أساسي إلى السياسات الخاطئة في إدارة الموارد المائية السطحية والاساليب الزراعية الخاطئة التي تتضاعف من مسببات جفاف الأرض وبالتالي تخريب التربة.
ويرى الدكتور درويشي إن دول المنطقة لم تحدث أساليب الري المتبعة حالياً في الزراعة بما يتناسب مع الجفاف الحالي وضعف الموارد المائية بل إنها تتبع ما كان شائعا منذ 50 عاماً وأكثر.
أما السبب الثالث لتشكيل العواصف الترابية فهو السياسات الزراعية الخاطئة فبعض المزارعين يعتمدون زراعات موسمية تحصد خلالها الأراضي في فصل محدد وتترك بعدها محروثة معرضة لعوامل الحت والتعرية.
تتعرض الأنهار في المنطقة من استغلال تجاري دون مراعاة الحقوق البيئيةوتابع الدكتور درويشي بإن السبب الرابع المؤثر في تشكل العواصف الترابية هو ما تتعرضه له الأنهار في المنطقة من استغلال تجاري دون مراعاة الحقوق البيئية، مبيناً إن بناء السدود يحبس الماء لعدة شهور عن مجرى النهر الذي يتحول إلى قعره الجاف إلى ملعب لعوامل التعرية، موضحاً إن جميع الدول في المنطقة لا تراعي سهم الطبيعة من المياه، مبيناً إن بناء السدود يجب أن يراعي القوانين الدولية للمياه إلى جانب رعاية الحقوق البيئية ، قائلاً : على سبيل المثال بإن سد اتاتورك في تركيا يمكن له أن يحبس جميع مياه الفرات خلفه وكان من الأفضل بناء السد بمعايير أصغر لا تخالف قوانين الطبيعة وتحفظ حق البيئة من المياه.
وعن السبب الخامس أوضح الباحث درويشي إن الرعي الجائر وعدم الموازنة بين ينعكس على الغطاء النباتي مما يؤثر سلباً على التربة ويضاعف عوامل الحت والتعرية التي تزيد من الكتل الغبارية.
ونوه الدكتور درويشي إلى أسباب أخرى كالصحراء الممتدة بين الدول الاقليمية والتي تعود إلى قديم الزمان تشكل مصدراً صريحاً للعواصف الرملية والترابية.
ظاهرة العواصف الترابية تشدد نفسها ذاتياًكما أشار الدكتور درويشي إلى إن الظاهرة نفسها تشدد نفسها ذاتياً من عوامل تشكيلها فالذرات العالقة التي تحملها العواصف الترابية تمنع هطول الامطار في بعض المناطق مما يزيد من الجفاف الذي يزيد بدوره من هذه الظاهرة، وكأنها حلقة مفرغة لولبية.
وبين الأكاديمي درويشي إن هذه الأسباب الخمسة تتوزع بين دول منطقة غرب آسيا إلى جانب الظروف المناخية التي تسيطر عليها بين الجبهة الباردة والجبهة الساخنة التي تنتقل بين المناطق في فصلي الصيف والشتاء، إلى جانب رياح الشمال التي تمتد من سوريا إلى عمان والتي تنقل الكثير من الكتل الغبارية، مضيفاً : إن هناك رياح أخرى تمر من غرب ايران تأتي من افغانستان لتحمل إلى مناطق الخليج الفارسي.
المؤتمرات الاقليمية في غرب آسيا تفتقد لبرامج العمل المشتركةوعن الدراسات السابقة أوضح الأكاديمي درويشي إن ايران أنجزت أبحاث عديدة حول المناخ وتبدلاته في المنطقة كما أجريت دراسات تفصيلة عن الكتل الغبارية في المنطقة وتم تحديدها بالأدوات العلمية والبحثية، مضيفاً : إن مركزا مختصا في بغداد والكوفة أنجز إيضاً عدداً من الأبحاث، كما أنجزت الكويت بحثا خاصا بمكونات الكتل الغبارية.
وتطرق الباحث درويشي إلى عدد قليل من المؤتمرات الاقليمية تم عقدها في المنطقة إلا إنها تفتقد لبرامج العمل المشتركة ، مشيراً إلى إن إحدى الجلسات الاخيرة عقدت في تركيا إلا ان اختلاف وجهات النظر يضيع الجهود ، واوضح إن تركيا لا ترى إن السدود التي شيدتها على أهم نهرين في المنطقة تشكل خطرا على المياه السطحية في المنطقة بل ان بعض الباحثين يعتقدون إن هذه السياسة تساعد على منع السيول ، متجاهلين ما انتجته هذه السدود من اختراق لقوانين الطبيعة أدى إلى جفاف مجرى النهرين وبالتالي تعريض مساحات كبيرة للتعرية التي تولد بدورها كتل غبارية تضاعف العواصف الترابية.
أغلب الباحثين يتجاهلون الآثار السلبية للسدود التي أقامتها بلادهم على منابع نهري الفرات ودجلةوأعرب الباحث الايراني درويشي عن أسفه للأبحاث التركية المدونة التي تنظر إلى ظاهرة العواصف الترابية بعيداً عن أزمة المياه الناشئة منها وعنها، موضحاً إن أغلب الباحثين يتجاهلون الآثار السلبية للسدود التي أقامتها بلادهم على منابع نهري الفرات ودجلة وغيرهما بل ويحاولون توظيف العلم في خدمة السياسات المائية الخاطئة، مشيراً إلى إن بعض الاتراك تطرقوا في اجتماعات اقليمية في الشأن البيئي مؤخراً إلى أهمية السدود التي تبنيها بلادهم على المنابع المائية وتحرم الشعوب الأخرى فيها من حق المياه وتضرر الطبيعة وتلحق الأذى بالبيئة وتسهم بشكل مخيف في تشكيل ظاهرة العواصف الترابية ، موضحاً إن حبس المياه خلف السدود يزيد من ظاهرة جفاف أحواض الأنهار التي تتحول بدورها إلى مراكز لتوليد الغبار الذي يشدد ظاهرة العواصف الترابية.
قائمة أكثر عشر مدن ملوثة في العالم تضم ثلاث مدن في ايران (أهواز- سنندج - ياسوج)واكد الدكتور درويشي على إن ظاهرة العواصف الترابية في غرب آسيا تعاني منها جميع الدول إلا إنها تشتد في بعض المدن عن غيرها، مبيناً إن الطبيعة الجغرافية للمنطقة تزيد من شدة العواصف في مدن غرب ايران ، وقال : إن قائمة أكثر عشر مدن ملوثة في العالم تضم ثلاث مدن ايران مع الأسف وهي (أهواز- سنندج - ياسوج) في غرب ايران مما يعني إن العواصف الترابية التي تأتي من المنطقة الغربية هي الأخطر.
وأضاف الباحث الايراني إن مناطق الكتل الغبارة التي تحمل العواصف الترابية غبارها تقع غرب ايران وجنوبها موضحاً بالخريطة أعلاه إن ثلاث من مراكز الكتل الغبارية تقع في العراق وسوريا وإحداها في السعودية، مؤكداً إن أسباب الكتل الغبارية في العراق وسوريا تعود إلى نفس أسباب تشكيل العواصف الترابية التي ذكرها في البداية، مؤكداً إن المسألة لا تقف عند دولة واحدة بل هناك عدة دول في المنطقة لعبت سياستها المائية والزراعية دورا في تدمير البيئة.
أزمات سياسية تدمر البيئة
وبين الباحث الايراني إن الأزمات السياسية والحروب التي مرت بها المنطقة شددت من دمار البيئة، مشيراً إلى إن أسوأ المراحل التي دمرت المنطقة خلال العقود الأربعة الأخيرة هي الحرب التي شنها نظام صدام على ايران في ثمانينات القرن الماضي واكثر الآثار السلبية كانت على الغطاء النباتي في المناطق البحرية، ثم تأتي المرحلة الثانية حرب غزو الكويت وحرائق الآبار النفطية مطلع العقد التاسع من الرقن الماضي، والمرحلة الثالثة هي مرحلة فرض العقوبات الاقتصادية على العراق والسياسات التي اتبعتها الحكومة العراقية آنذاك لتأمين الغذاء أو لمحاربة بعض المعارضين لها ولاسيما في المناطق الكردية، فيما تم اتباع سياسة خاطئة لزراعة القمح في ظل العقوبات ، ثم المرحلة الرابعة التي تأتي بعد عام 2003 حيث تركت الأراضي الزراعية مما ضاعف ظاهرة التملح والتعرية، معتبراً إن المرحلة الثالثة هي الأخطر وهي الأكثر تدميراً للبيئة.
مواجهة العواصف الترابية غرب آسيا لم تتمكن من النجاح بسبب عدم توفر الدعم السياسيكما أوضح الدكتور دوريشي إن مكتب (UNEP يونيب) في البحرين حاول اطلاق لجنة اقليمية لبحث أزمة العواصف الترابية في غرب آسيا إلا إنها لم تتمكن بسبب عدم توفر الدعم السياسي لهذا المشروع، مضيفاً : إن لا أحد من المسؤولين في المنطقة يقدم مساعدات مناسبة للبيئة وإن الحكومات تتهرب من مسؤولياتها ولا تتعاون مع مراكز الأبحاث العلمية، ذاكراً على سبيل المثال إن جامعة طهران تحاول توظيف طلابها في دراسة وبحث هذه الظاهرة كما تستقطب الطلاب من العراق وافغانستان لتنظم ورشات عمل مشتركة، لكن الأمر يقف على الأبحاث والتجارب.
ونوه الدكتور درويشي إن مضار العواصف الترابية لا تتوقف على البيئة وحسب بلا تتعدى إلى سلامة الانسان واقتصاده، مضيفاً : إن دراسته الميدانية بينت مدى الأخطار والآثار السلبية على صحة الانسان والحيوان وعلى الزراعة والنبات وعلى النقل الجوي والبحري والصناعة والتجارة، مشدداً إن كل مجال منها تصل خسائره إلى مبالغ باهضة لا يمكن تصورها، واوضح إن النموذج الموفق الوحيد في أقصى آسيا لمواجهة العواصف الترابية تمكن من التقدم وتحقيق خطوات ناجحة أما نحن في غرب آسيا وافريقيا فلم ننجح.
التأقلم يجب أن يكون مع نفاد الموارد المائية وليس مع العواصف الترابيةورأى الدكتور درويشي إن المطلوب من الحكومات والشعوب في المنطقة مواجهة ظاهرة العواصف الترابية و ليس التأقلم معها، قائلاً: التأقلم يجب أن يكون مع نفاد الموارد المائية وانعدامها القريب، ويتوجب على السكان السعي للمحافظة على المياه لشحتها في المنطقة، داعياً المؤسسات البيئية للابتعاد عن السياسة والتعاون فيما بينها لمواجهة هذه الظاهرة بأسرع وقت ممكن. /انتهى/.
تعليقك