وكالة مهر للأنباء - ديانا محمود: بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حدثت تغييرات جيوسياسية في منطقة بحر قزوين، وأصبحت الدول المطلة عليها خمس (روسيا، كازاخستان، إيران، أذربيجان وتركمانستان)، ولأهمية هذا البحر الاستراتيجية السياسية والاقتصادية، ظهرت خلافات بين الدول الساحلية له حول النظام القانوني للبحر، اجتمعت هذه الدولة وتحاورت لنظم القوانين الحاكمة على الاستثمارات المربوطة بالبحر انتهت بتوقيع اتفاقا تاريخيا حول النظام القانوني لبحر قزوين وكيفية استغلال ثرواته في 12 آب 2018.
حصة ايران من بحر قزوين
تبلغ مساحة البحر 360 ألف كيلو متر مربع، وهو أكبر بحر مغلق في العالم، ويبلغ طول بحر قزوين مابين 1030-1200 كيلو متر وعرض ما بين 169- 436 كيلو متر، وينحفض 28 متر تحت سطح البحر ويبلغ أقصى عمق له 1023 مترا.
657 كيلو متر من الشريط الساحلي في ايرانيمدد الشريط الساحلي لبحر قزوين 6 آلاف و597 كيلو متر، حيث يقع 657 كيلو متر من الشريط الساحلي في ايران، و 1900 كيلو متر في كازاخستان و 820 كيلو متر في أذربيجان و 3220 كيلو متر الباقية تقع في أراضي روسيا وتركمانستان.
معاهدات "تركمانجاي" و "كلستان"غيرتا جغرافيا سواحل بحر قزوين وفرضتا قيود كثيرة على حاكمية ايران عليهكان بحر قزوين جزءاً من ايران منذ القرن السادس قبل الميلاد، إلا أن قدوم مهاجرين وقبائل مختلفة زعزعت سلطة ايران في تلك الحقبة، انتزع المغول مع ظهورهم السيطرة على بحر قزوين الذي تأثر بشكل كبير بالنزاعات بين ورثة جنكيز خان، ومع ظهور الدولة الصفوية استعادت ايران السيطرة على أغلب سواحل بحر قزوين، إلا أن السياسات التوسعية لامبرطور الروسي بطرس الأكبر نحو الجنوب والشرق جعلت من روسيا قوة جديدة على سواحل قزوين، وحركت النزاع بين ايران وروسيا والذي أدى إلى توقيع معاهدات "تركمانجاي" و "كلستان" اللتين غيرتا جغرافيا سواحل بحر قزوين وفرضتا قيود كثيرة على سيادة ايران على هذا البحر، ومع توقيع معاهدة "آخال" لترسيم الحدود بين البلدين شرق بحر قزوين، توسعت سيطرة روسيا على سواحل هذا البحر من الشمال والشرق والغرب.
بعد تشكيل الاتحاد السوفيتي تم توقيع عدة اتفاقيات بين طهران وموسكو بخصوص الاستثمار المشترك في بحر قزوين، تضمنت الاتّفاقيات تنظيم الملاحة والصّيد والاستكشاف وأشهرها اتفاقية 1921، اتفاقية 1927 واتفاقية 1940 بحيث يتحوّل قزوين بعدها إلى بحر "سوفياتي- إيراني".
نفي إدعاء ملكية ايران لـ 50 بالمائة من بحر قزوين
وفقاً للقوانين الدولية فأن حصة ايران من بحر قزوين يجب أن لا تتعدى 11 إلى 20 بالمائة وذلك لتشاركها مع 4 دول أخرى هذا البحر، إلا أن بعض الاشاعات أثيرت حول مالكية ايران لـ 50 بالمائة من بحر قزوين، الأمر الذي لم تنصه عليه أي اتفاقية بين الاتحاد السوفيتي وايران.
يقول المؤرخ الايراني المعاصر "خسرو معتضد" الأستاذ في جامعة تربيت مدرس: "بعد انتصار الثورة البلشفية في روسيا الغا القائد السوفيتي لينين أن جميع الامتيازات روسيا القيصرية من بحر قزوين، وأعلن استعداده لإقامة علاقات صداقة مع ايران ومشاركتها في بحر قزوين ملاحةً وصيداً، لكن ليس هناك أي وثيقة تنص على تقاسم البحر بنسبة 50 -50 مع ايران.
لم تشير الاتفاقيات السابقة إلى ترسيم خط الأساس البحري وبالتالي ما يشاع عن نسبة 50 -50 غير حقيقيفيما يرى مدير المؤسسة الدولية لدراسات بحر قزوين "ميثم آرائي" أن قضية حصة 50بالمائة من بحر قزوين يمكن قراءتها سياسياً و قانونياً، مردفاً: "من الناحية السياسية تمتعت ايران بنسبة 50% من بحر قزوين خلال فترة الاتحاد السوفيتي، إلا أن هذه النسبة لا تنطبق والقوانين الدولية، ففي الاتفاقيات الرسمية تساوت ايران والاتحاد السوفيتي السابق بحق الملاحة ولم تشر الاتفاقيات السابقة إلى ترسيم خط الأساس البحري وحدود الجرف القاري ولم تشر بالمطلق إلى المياه الاقليمية كما تنص عليها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وبالتالي ما يشاع عن نسبة 50 -50 غير حقيقي".
ماراثون مفاوضات الدول الخمس على عقدين
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تغيرت أوضاع بحر قزوين وأصبحت تتشارك سواحل هذا البحر خمس دول (روسيا، كازاخستان، إيران، أذربيجان وتركمانستان)، ونظراً لأهميته الاستراتيجية والاقتصادية بدأت المفاوضات بين حكومات الدول الخمس بهدف وضع قوانين ناظمة للاستثماره،
في عام 1996 تم تشكيل لجنة لوضع نظام قانوني لبحر قزوين، وشهدت هذه المباحثات خلافات كثيرة بين الدول الخمسة، إلا أنها تمكنت من الوصول إلى اتفاقية بيئية في أول اجتماع لها في العاصمة طهران حيث أبرمت "اتفاقية طهران"Tehran Convention" وهي اتفاقية إطارية لحماية البيئة البحرية لبحر قزوين. وُقِّعت في عام 2003 ودخلت حيِّز النفاذ في عام 2006.
بعد 21 سنة من المفاوضات والمحادثات توصلت الدول الخمس في نهاية الأمر إلى اتفاق تاريخي بإبرام "معاهدة النظام القانوني لبحر قزوين" في 12 آب 2018، كما تم توقيع ست اتفاقيات تخص قضايا النقل والترانزيت والتجارة والاقتصاد ومكافحة الارهاب والجريمة المنتظمة والتعاون الحدودي وتجنب المواجهات الحدودية.
تفاهم على الكليات واختلاف على الأسهم
تغطي "معاهدة النظام القانوني لبحر قزوين" 90 بالمائة من القضايا المتعلقة بهذا البحر حيث بقيت قضيتين مهمتين وهما تحديد خط الأساس البحري وحدود الجرف القاري التي تحتاج بدورها لمباحثات أخرى وتعاون بين الدول الخمس.
حظر حركة السفن العسكرية الأجنبية إلا تحت علم إحدى الدول الخمس أهم ما يميز "معاهدة النظام القانوني لبحر قزوين" هو حظر حركة السفن العسكرية الأجنبية في هذا البحر إلا ان كانت تحت علم إحدى الدول الخمس، بشرط ألا تسمح ايّ دولة باستخدام مياهها الاقليمية للعدوان على بقية الدول، الأمر الذي يعزز أمن دول سواحل بحر قزوين، فيما تحدد الدول الخمس لبحر قزوين المسؤولة عن الحفاظ على الأمن البحري وإدارة موارده.
الاستفادة من الموارد النفطية من خلال الوصول إلى اتفاق مشترككما أوضحت الاتفاقية نقطة هامة أخرى وهي كيفية الاستفادة من الموارد النفطية من خلال الوصول إلى اتفاق مشترك بين الدول، وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق فمن غير المسموح الاستفادة من هذه الموارد.
إلى جانب تقاسم الثروة النفطية وثروة الغاز في البحر، فإن المنطقة الرئيسية لسطح مياه بحر قزوين ستبقى متاحة للاستخدام المشترك للأطراف، فيما ستقسم الدول الطبقات السفلية وما تحت الأرض إلى أقسام متجاورة بالاتفاق في ما بينها على أساس القانون الدولي.
فيما ستتم عمليات الشحن والصيد والبحث العلمي ووضع خطوط الأنابيب الرئيسية وفقاً للقواعد المتفق عليها بين الأطراف عند تنفيذ مشاريع بحرية واسعة النطاق، ويراعى العامل الإيكولوجي بالضرورة.
كما أنه يعتبر بحر قزوين أكبر تجمع لسمك الحفش الذي تستهلك بيوضه في طبق "الكافيار"، وهو يحتوي كذلك على الحفش الأبيض الذي منه تقدم أفخر أطباق الكافيار وأغلاها ثمنا.
تنتظر الاتفاقية موافقة برلمانات الدول الخمسة لبدأ تطبيقها بشكل عمليأبرمت "معاهدة النظام القانوني لبحر قزوين" بست لغات، أي اللغات الرسمية في الدول الخمسة المطلة على الساحل إلى جانب اللغة الانكليزية، للرجوع إليها في حال نشوب اختلافات، فيما تنتظر الاتفاقية موافقة برلمانات الدول الخمسة لبدأ تطبيقها بشكل عملي.
موقف رسمي
اعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن التوقيع على معاهدة النظام القانوني لبحر قزوين، خطوة هامة في مسار تعزيز التضامن بين الدول المطلة على هذا البحر، معلنا استعداد طهران لأداء دورها الاستراتيجي والإقليمي، لتنمية التجارة والنقل على السواحل البحرية في الشمال والجنوب.
ورأى روحاني أن قمة دول بحر قزوين الخامسة تمثل خطوة جديدة في مسار المزيد من التضامن بالمنطقة، والذي ينبغي تعزيزة من خلال اتخاذ خطوات أخرى، حيث صرح أن "الاتفاقية تعتبر وثيقة استراتيجية للتعاون بين الدول المطلة على بحر قزوين ما من شأنه أن يحوّل المنطقة إلى قطب آخر للتعاون الإقليمي بما يخدم السلام والاستقرار والأمن وتقدُّم الدول الأعضاء". /انتهى/
تعليقك