وكالة مهر للانباء - ديانا المحمود: لا تعود علاقة الجارين الايراني والعراقي لسنوات أو عقود بل هي قرون متتالية أحكمت اتصال الشعبين اللذين تبادلا العلوم والثقافة منذ عصور، فتجمع الجارين اليوم علاقات وطيدة لم تتمكن حرب مفروضة على مدار ثماني سنوات من تدميرها، بل أن الشعبين الايراني والعراقي تجاوزا الحرب التي خلفت خمسمائة ألف شهيد لدى الشعبين و الحقت دمارا بالعديد من المدن ليعيدوا العلاقات بعد سقوط النظام البعثي المعتدي في بغداد، إلا إن الأعداء لن يكلوا ولازالوا يكيدون المؤامرات لإشعال الفتن في المنطقة من مبدأ "فرّق تسد".
ليست المرة الأولى أو الأخيرة التي تمدت أياديٍ داخلية وخارجية لزعزعة الثقة المتبادلة بين ايران والعراق، فتستغل بعض الملفات العالقة بين البلدين أو تختلق أخرى منها لتشعل الفتن هنا وهناك، وعلى الرغم من أن الحكومتين العراقية والايرانية بدأتا بمناقشة ملفات الخلاف في الشؤون الاقتصادية أو الحدودية أو المائية وغيرها من القضايا التي تتحاور فيها جميع دول العالم، منذ استئناف العلاقات بعد سقوط صدام، إلا أن الكثيرين لا يرغبون في هذا الوئام لدول المنطقة فاستغلوا ما أمكن من تقصير المسؤولين من جهة وعدم مصداقية بعض الوسائل الاعلامية من جهة ثانية لتحريض الشعبين الايراني والعراقي.
ملفات ضيقة لأغراض كبيرة من حلب إلى مشهد
يبدو أن الملفات الصغيرة والكبيرة الممكن استخدامها في كلا البلدين وضعت على المخطط بهدف ضرب العلاقات الايرانية العراقية، فنرى الملفات الصغيرة من حوادث فردية هناك وهناك إلى تحميل بعض المسؤولين الفاسدين في كلا البلدين للطرف الآخر التقصير في ملف تجاري إلى التطرف في قراءة المواقف السياسية الكبرى.
اختلاق ملف أخلاقي في مدينة مشهد بهدف إثارة الفتنة بين ايران والعراقفما شهدته العلاقات الايرانية العراقية الأخيرة من توتر عمدي أثارته بعض الأطراف في الداخل والخارج لم يكن بالصدفة فقد حاولت وسائل إعلامية غربية منذ عام 2015 إثارة ملف أخلاقي في مدينة مشهد بهدف تشويه سمعة المدينة بالدرجة الأولى وعادت واستخدمته بعض الأطراف مؤخراً لإثارة الفتنة بين ايران والعراق، وهنا يجب التنويه إلى الدور السلبي الذي تلعبه بعض وسائل الاعلام العربية فاقدة المصداقية مثل "سكاي نيوز عربية" ، فالاشاعات تدفع البعض للنظر من زوايا ضيقة لأي ملف دون إدراك حجم المؤامرة، والغريب أن بعض المتطرفين من شعوب المنطقة ينتظرون مثل هذه الأخبار لتشويه سمعة الآخر.
مكاتب ايرانية للزواج المؤقت في مدينة حلب وفي مشهد استخدم الخبر نفسه مع تغيير بعض الاحداثيات فقبل أيام من تناقل أخبار عن وجود بيوت تعمل في الزواج المؤقت في مشهد، انتشر خبر مشابه له عن مدينة حلب، حيث تناقلت بعض وسائل الإعلام صورة لورقة زواج مؤقت مرفقة بخبر انتشار مكاتب ايرانية للزواج المؤقت في مدينة حلب، الأمر الذي أثار حفيظة هذه المدينة والعديد من رواد التواصل الاجتماعي من سوريا وخارجها، أما بشأن مدينة "مشهد" استخدم الخبر نفسه مع تغيير بعض الاحداثيات تحت عنوان "بيوت زواج مؤقت للعراقيين"، بالطبع يمكن لهذه الظاهرة أن تسجل حضورها في مختلف المجتمعات إلا أن رفض الأكثرية القاطعة لها يعكس قيم المجتمع وتمسكه بعاداته وتقاليده وشرائعه الاسلامية.
من يقرأ الخبرين بشكل واضح وسليم ويشاهد ردات فعل بعض المتطرفين التي أثارتهم أحقاد جاهلية يدرك جيداً أن العدو يعزف على وتر حساس بغية إثارة النزاعات بين الطرفين، كما نذكر في هذا السياق أن فيديو لجريمة شنيعة تصور مقتل عدة فتيات في منزلهم تم تناقله بتسميات مختلفة فالبعض يؤكد أن هذ الفيديو يعود لأحداث الحرب في سوريا، بينما تم تداوله في العراق على أنه انتقام لشرف العراق من منزل يقدم خدمات جنسية لزوار ايرانيين.
يبدو ان هذا النوع من التهم المتبادلة يؤثر في الشارع الاسلامي أكثر من غيره لوجود خلفية اخلاقية شرعية تضبط المجتمع مما يجعل مثل أخبار أكثر أهمية لدى شعوب المنطقة من حرائق "هور العظيم" على الحدود الايرانية العراقية والتي استمرت لأسابيع لم يتمكن من خلالها البلدين من اطفاء الحريق.
نضيف إلى ما سبق أن المشاكل الاقتصادية في كلا البلدين جعل بعض المسؤلين يحملون الطرف الآخر تقصيرهم في العديد من القضايا الاقتصادية، فنرى أن فقدان بعض البضائع في الأسواق نتيجة احتكارها من قبل التجار يأتي في سياق خبري سيء يحمل عنوان سياح دول الجوار ينهبون السوق.
علاقات استراتيجية وأمن مشترك بين ايران وجيرانها العرب
ما يثار من مسائل خلافية بين ايران وجيرانها العرب هي خطة مدروسة، تلعب فيها شعوب المنطقة دور الأداة والضحيةلا يمكن اختصار الخط الزمني للعلاقات الايرانية العراقية في العصر الحديث ببعض اتفاقيات تجارية وسياحية وتعليمية بل أن الأمر يفوق كل ذلك فهناك قواسم أهم من كل هذه الملفات إلا وهي القواسم الأمنية والدفاعية، فمحاربة الإرهاب في العراق كان أولوية لايران منذ ظهور تنظيم "داعش" الارهابي انتهاءاً بتوقيع اتفاقية تعاون دفاعي وعسكري عام 2017 بين البلدين.
الأمر الذي ينطبق على سوريا أيضاً، فالتعاون الايراني السوري في مكافحة الإرهاب هو ثمرة التحالف الاقليمي ضد أعداء المنطقة، وما يثار من مسائل خلافية بين ايران وجيرانها العرب هي خطة مدروسة، تكون فيها شعوب المنطقة الأداة والضحية. فضعف جسور التواصل الثقافي وتفضيل بعض التيارات مصالح الفئوية على مصلحة المنطقة يساهم في انقسام شاقولي في المنطقة، يضعفها ويجعل منها ساحة لأفكار مستوردة لا تصلح لتعزيز الامن والاستقرار.
بالطبع هناك تقصير حكومي من الجانبين ما يحتاج إلى متابعة جادة لتحسين مستوى العلاقات، لكن استغلال نقاط الضعف من قبل الأعداء في الخارج وفئات ضيقة المصالح في داخل البلدين، هو السبب الرئيسي في هذا النزاع المفتعل الأخير بين الشعوب، يعززه دور الاعلام المغرض في لعب دور حقيقي لبناء جسور المودة بين الشعوب. /انتهى/
تعليقك