٠٥‏/٠٩‏/٢٠٢٠، ٣:١٠ م

كاتب ومحلل السياسي:

لبنان؛ زواج بالاكراه

لبنان؛ زواج بالاكراه

يرى الكاتب والمحلل السياسي والخبير بالشأن اللبناني الدكتور "حسين علي حمية" ان فرنسا تسعى للعودة إلى الشرق مجدداً من النافذة اللبنانية لتؤمّن الامن اللازم للكيان الصهيوني، ولتنزع سلاح المقاومة، ولتفرض سيطرتها على المنطقة.

افادت وكالة مهر للأنباء-عبدالله مغامس: في ظل الاحداث المتوالية على الجمهورية اللبنانية التي وقعت بعد انفجار مرفأ بيروت الدولي، وسعي الحكومة الفرنسية الى استغلال الوضع اللبناني الراهن لصالها لاحقيّتها بلبنان على حدّ تعبيرها، وتحذير الرئيس الفرنسي ماكرون لبعض الدول التي تسعى لاستغلال الوضع اللبناني لتحقيق مطامعها، ومطالبة الرئيس الفرنسي ماكرون جميع الدول الأوروبية "بإعادة دورها ومكانتها" في منطقة البحر المتوسط، وتأكيد الرئيس الفرنسي على انه من الخطأ أن يترك الاتحاد الأوروبي الشرق المتوسط كوليمة سهلة المنال في أيدي الطامعين به.
فهناك بعض المحللين السياسين يرون بان ما تقوم به فرنسا ما هو الا محاولة لاعادة الانتداب الفرنسي ولكن بصورة مختلفة، نظراً لمحدودية قدرتها العسكرية والاقتصادية.

ويرى الكاتب والمحلّل السياسي الدكتور "حسين علي حسني حمية" الخبير في الشأن اللبناني ان مئة عام مضت على ولادة لبنان الکبیر بلمسات فرنسية تتزامن مع عودة فرنسية وازنة من بوابة ميناء بيروت، الذي استقبل منذ مئة عام أول كتيبة فرنسية بقيادة الجنرال "دو بيباب"، حيث كانت مهمتها إعلان الإنتداب الفرنسي على البلاد الشامية، وتشكيل كيانات جغرافية جديدة قسّمت هذه البلاد إلى دويلات تخدم مصالحها في المنطقة، خاصةً وأنها كانت تعرف هذه المجتمعات جيداً وقد درستها مطوّلاً من خلال تواجدها تحت مظلّة حماية الكاثوليك في الشرق منذ 1860 م.

* فرنسا ترسم الحدود كيفما تشاء

فرنسا تبحث عن منفذ لها في الشرق الاوسط وتسعى ليكون لبنان بوابتها الشرقية، ففرنسا لم تحافظ في ذلك الوقت على مصالح لبنان انما كان هدفها اقامت توازناً بيم مصالحها ومصالح الحركة الصهيونية.

وقال المحلّل السياسي: "فرنسا صنعت لبنان الذي تريد وأوهمت الكنيسة المارونية أنها تقدّم هذا الكيان الموسّع تحت إسم "لبنان الكبير" هدية للكنيسة لتصنع به ما تريد، كان لبنان هذا أكبر من أحلام الكنيسة التي لم تكن تريد السفوح الغربية لسلسلة جبال لبنان الشرقية، ولا المناطق جنوب الليطاني، فهذه المناطق خطر على الدموغرافيا التي أرادوها، ولكن كان لفرنسا رأي آخر فهي تبحث عن منفذ لها في الشرق، فوقفت بوجه مطالب بريطانيا ومطالب الحركة الصهيونية ومشاريعها المقدّمة من خلال "حاييم" و"ايزمن" ومشروع "خط دوفيل" عام 1919 م، ولكن سريعاً ما تبّنت فرنسا هواجس الحركة الصهيونية التي أقنعتها بالتنازل عن أجزاء كانت من حصة لبنان بين "طبريا" و"الحولة"، ثم اشترت الحركة الصهيونية سهل "الحولة" ضمن صفقات تجارية مع المالكين من آل سرسق وسلام وبيهم وغيرها من العائلات البيروتية خاصة الأرثوذكسية منها ولم تتوقف فسحبت التنازلات، وسرعان ما جرى تعديل للحدود عام 1920م، ثم وبعد إعلان لبنان الكبير وبعد حصول الناس على بطاقات الهوية اللبنانية، جرى تعديل عام 1923 م تنازل الفرنسيون عن القرى السبع بسكانها للحركة الصهيونية وضاعت الهوية اليافعة قبل النضوج".

واكّد الخبير بالشأن اللبناني ان الحركة الصهيونية في ذلك الوقت اثبتت تفوّقها في إدارة المفاوضات وصناعة التنازلات وهكذا استولت على اللّجنة العليا للإستحواذ على الملكية العقارية بأعضائها "حاييم" و"ايزمان" و"موشي شاريت" و"إلياهو ساسون" و"هربرت صامويل"، فتارة يفاوضون السكان وتارة الفرنسيين بشخص السيد "روبير دو كيه" وهو متخصّص بشؤون العرب وتقاليدهم، وقد أصبح في ما بعد ذلك مديراً للمخابرات الفرنسية في الشرق.

* فرنسا أقامت توازناً بين مصالحها ومصالح الحركة الصهيونية في المنطقة

وقال الدكتور "حسين حمية": "لم تحافظ فرنسا على مصالح لبنان إنما أقامت توازناً بين مصالحها ومصالح الحركة الصهيونية لكنها ظلّت في نظر الكنيسة المارونية البطل الخارق والأم الحنون التي فرضت الزواج بالإكراه على سكان السهل والساحل والشمال والجنوب مع الكيان الهجين، وفرضت على هذه الأطراف ان تكون روافد مهمّتها تلبية رغبات جبل لبنان الإقتصادية والزراعية دون أن يكون لها حق المواطنة الكاملة، وهكذا تراجعت مدن الجنوب والبقاع والشمال من صدارة البلاد الشامية لتصبح ملحقات عديمة القيمة تعمل في خدمة كيان طائفي ينظر إلى نفسه ككيان منفرد من ناحية الإنتماء والدموغرافية، فلا هو عربي ولا تربطه بقضايا المسلمين أواصر نسب".

وتابع الكاتب السياسي: "سقط الإنتداب الفرنسي بعد أن كشف كل عوراته، فسئمه حتى من كان من اعوانه والمطبّلين له، ولكن بقيت موروثاته الطائفية والثقافية على قبحها تتجلى حروباً وصدامات أهلية ونظماً اقتصادية ريعية هشّة، ولغة فرنكوفونية يتغنى بها الشارع اللبناني، ويعتبرها مقياس الثقافة الأوحد، وكل من لا يتقنها هو من بقايا البداوة التي لا يجب أن تحظى بحقوق المواطنة الكاملة مثلهم".

* فرنسا تحاول استغلال الوضع الراهن

الحصار الذي فرضتة الدول الاوروبية والولايات المتحدة على لبنان كان هدفه جعل لبنان وليمة سهلة يتقاسمونها فيما بينهم بكل اريحية.

واستطرد الدكتور حسين بالقول: "سقطت فرنسا ومشاريعها في المنطقة، وبرزت الهيمنة الأمريكية كبديل لها وانتقل لبنان من كيان رمادي الهوية الى بلد يتقاسمه مجموعة مقاومة عربية وطنية تبّنت كل القضايا المحقّة، ومجموعة يمينية ترى في الكيان الغاصب سنداً لها، وفي الهيمنة الأمريكية مظلّتها التي لا تخرج عن إطاعتها، فقد أظهر الفريق الأول تقدّماً قوياً جعل من اليمين اللبناني اكثر إنعزالاً، وأقل تأثيراً، ومع توالي الإنتصارات على مختلف الجبهات بدأ الأمريكي يتدخّل بشكل متزايد في الشأن الداخلي اللبناني، فوصل إلى حد الوقاحة الدبلوماسية، حيث تجلّت وقاحته بالحصار الإقتصادي الذي فرض، وأزمة الدولار، ممّا جعل الشارع اللبناني يتخبّط مجدّداً، ويبحث عن حاضنة إقتصاية تقيه شر العوز والجوع، وامام تخاذل العرب والأمريكيين وتعفّفهم عن المساعدة في مقابل تقدّم محور الممانعة وإبداء إستعداده الكامل للمساعدة، كان لا بدّ من حركة دبلوماسية تكسر رتابة المشهد وتخلق منفذاً جديداً للازمة يكسر أحادية المنفذ الممانع أو الايراني".

 فرنسا تسعى للعودة إلى الشرق مجدداً من النافذة اللبنانية لتؤمّن الامن اللازم للكيان الصهيوني، ولتنزع سلاح المقاومة، ولتفرض سيطرتها على المنطقة.وتابع قائلاً: "هكذا جاء الفرنسي في ذكرى مئوية لبنان الاولى على جواد المخلص ليقطف ثمرتين الاولى أن يعود إلى الشرق مجدداً من النافذة اللبنانية بعد تزايد الصراع على الطاقة خصوصاً غاز لبنان الموعود وبهذا يكون قد سجّل نقاط في كباشه مع الامريكي المتحكم بالطاقة والثروات في الشرق، والثانية يمنع سقوط لبنان على ذوقهم في الحضن الإيراني بالكامل مما سيجعل الكيان الغاصب أمام مواجهة من نوع جديد، واعتمد الفرنسي لتحقيق أهدافه على دبلوماسيته الناعمة على عكس الدبلوماسية الامريكية الفجّة، وذلك من أجل إمتصاص نقمة الشارع والنفخ في جسد اليمين اللبناني وتعزيز الدعوة للحياد (وجه آخر لنزع السلاح المقاوم)".

ونوّه الدكتور الى ان الفرنسي يعود اليوم بأحلامه الإستعمارية ليحافظ على وجود وديمومة وجه وثقافة كيان صنعه هو منذ مئة عام وأراده رمادياً مسلوب الإرادة لا دور له سوى أن يكون بوابة الغرب ومركز مشاريعه في الشرق، ولكنّ لبنان إنقلب إلى رأس حربة للدفاع عن وجود الأمة العربية والإسلامية وصخرة تتكسّر عندها كل مشاريع الإستعمار، عاد الفرنسي ليكمل ما لم يستطع الامريكي صنعه عاد ليقول لنا أن المقاوم غير إرهابي وهو مكوّن أساسي في سياسة الوطن، ولكن سلاحه إرهابي ويجب أن يرفع من يده ويلتزم الحياد، نعم هو يريد لبنان الضعيف والخانع مجدّداً، ولكن لم يعرف أن البلد الذي تركه قد شرب دم الشهداء طويلاً حتى أصبحت سنابل قمحه مقاومة، وأشجار أرزه ممانعة لا يمكن ان تنحني بعد أن أدمنت طعم النصر والكرامة.

/انتهى/

رمز الخبر 1907308

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha