اوراق القوة الايرانية في مباحثات فيينا
المفاوضات النووية الحالية بنسختها السابعة لا شك انها مهمة، وهي معقدة وشائكة ومتشعبة، وقد تخرج الاتفاق النووي من العناية الفائقة التي دخلها قبل سنوات، ورغم الاجواء الايجابية والتصريحات المفعمة بالأمل الا انه لا ينبغي الإغراق في منسوب التفاؤل، لا سيما أن الاميركي لطالما وعد ولم يف، ولم يلتزم بأي من عهوده، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. ومع ذلك ثمة مؤشرات إيجابية لا يمكن تجاهلها، اهمها:
1-نقل مكان انعقاد مفاوضات فيينا من فندق غراند اوتيل الى فندق كوبورغ حيث تم التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، ولهذا الامر بالطبع رمزيته ودلالاته.
2-كبير المفاوضين الايرانيين نائب وزير الخارجية علي باقري كني يرافقه وفد كبير مؤلف من 40 شخصية متخصصة وخبيرة في مجالات الاقتصاد والتجارة والمال والمصارف والحقوق والسياسة والدبلوماسية والذرة، ما يؤكد جدية الموقف الايراني ورغبة طهران في المفاوضات، وانها تريد التفاهم للعودة الى الاتفاق النووي، بالطبع هي تريد إلغاء الحصار والقرارات الظالمة ضدها، وهو الهدف الرئيس لعودتها الى فيينا، فالتفاوض من اجل التفاوض هو فخ أميركي لا تريد ايران ان تقع فيه مجددا، كما ان هذا الوفد الايراني الكبير يدحض كل ما يثيره الاعلام من شائعات عن ان ايران تريد تطيير المفاوضات، أو ترفض العودة الى الاتفاق النووي.
3- الجمهورية الاسلامية ترفض الجلوس والتفاوض المباشر مع الموفدالامريكي الى فيينا، حيث يجلس الاميركي في غرفة مجاورة وحيدا، فيما تحاور ايران مندوبي دول 4+1 بشكل مباشر في القاعة الرئيسية، كما كان الامر في جلسات التفاوض الست السابقة، ما يعني ان الاميركي ايضا رضخ مجددًا للشرط الايراني، خلافا لما يثيره بعض الاعلام ان ايران رضخت بعودتها الى المفاوضات، كما ان هذا الموقف الايراني هو درس في الكرامة والسيادة للاميركيين، وايضا للدول الخانعة والمنبطحة امام المشروع الاميركي في منطقة غرب آسيا.
4- ان إيران هي من حدد تاريخ وموعد انعقاد الجلسة السابعة من المفاوضات في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو ذكرى استشهاد العالم النووي مجيد شهرياري، وذلك لتمرير مجموعة رسائل، منها: اولاً التذكير بان ايران قدمت الشهداء في سبيل برنامجها النووي وهي ليست على استعداد للتنازل او التراجع عن حقوقها المشروعة والقانونية، ثانياً إحياء قضية اغتيال العلماء النوويين والاضاءة على جرائم الموساد الذي ثبت تورطه فيها وضرورة محاسبته، ثالثاً تذكير مندوبي الدول الغربية بأن هؤلاء الشهداء النوويين إنما سقطوا بفعل خيانة من قبل بعض مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذين سربوا المعلومات وعملوا جواسيس لصالح الموساد والمخابرات الاميركية.
5- ان الموفد الايراني يمتلك اليوم اوراق قوة اضافية قد تساهم في دفع الاميركيين والاوربيين للقبول بالعودة الى الاتفاق، واهمها انها تفاوض وهي تواصل عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء عال 60 %.
6- إظهار الاوربيين الرغبة بانجاز تفاهم ما، لهذا وقبيل انطلاق المفاوضات في فيينا أجرى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اتصالا هاتفيا مع نظيره الايراني السيد إبراهيم رئيسي استغرق ساعة ونصف، علمًا بان الاوربيين كانوا قدموا اقتراحا اولياً ووسطياً (في حال لم يتم العودة الكاملة الى الاتفاق) من مبدأ "التعليق مقابل التعليق"، أي ان تعلّق امريكا العقوبات، وفي المقابل تعلّق إيران عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة .
هل أمريكا صادقة بالعودة الى الاتفاق؟
ويتضح من خلال المعطيات ان النوايا الايرانية صادقة وواضحة وجلية، لكن يسأل او ربما يشكك البعض بالنوايا الاميركية، فهل امريكا صادقة بالعودة الى الاتفاق؟ ام انها مناورة وتكتيك جديد ومضيعة للوقت؟ وانها تريد التفاوض لاجل التفاوض، والايحاء للرأي العام العالمي ان طهران ترفض العودة الى الاتفاق، وبالتالي إحالة القضية النووية الى مجلس الامن مجددا؟
ثمة مؤشرات ومعطيات جديدة يبدو أنها السبب وراء رغبة الرئيس جو بايدن هذه المرة للعودة الى الاتفاق النووي، منها:
- كشفت استطلاعات الرأي الاخيرة في الولايات المتحدة عن تراجع شعبية بايدن والديموقراطيين، وثمة انتخابات للكونغرس ومجلس النواب بعد حوالي سنة، وبايدن بحاجة الى إنجاز ما لاستعادة شعبيته.
-أمريكا بحاجة للعودة الى الاتفاق النووي كمقدمة لبدء الحوار سواء المباشر او غير المباشر مع ايران لتريب اوضاع قواتها في المنطقة التي تنسحب منها، ولو ان هذا الانسحاب انما هو تكتيك وإعادة تموضع، ومخطىء من يظن ان امريكا تريد ترك المنطقة ونفطها وثرواتها وتتخلى عن اسرائيل وحمايتها، لكنها بحاجة الى الحوار مع ايران، اولا لتغطية انسحاباتها وحماية حلفائها كي لا يتكرر مشهد الانسحاب المذل من افغانستان، في العراق وسوريا لا سيما ان محور المقاومة اتخذ قراره بإخراج الاميركي من غرب آسيا، وبدأ بالفعل التنفيذ ( قصف قاعدة التنف الاميركية في سوريا)، واميركا تشعر بوطأة وخطورة الخروج من المنطقة تحت نار المقاومين في سوريا والعراق واليمن ودول أخرى.
-فشل الضغوط الاقتصادية القصوى على ايران والحصار وسياسة العصا الجزرة، وقد أقر المسؤولون الاميركيون غير مرة بأن الحوار وسياسة الاحتواء مع ايران هي الخيار الوحيد المتبقي بعد سقوط كافة الخيارات بما فيها الخيار العسكري، وهذا لا يعني اطلاقا ان المواجهة بين طهران وامريكا ستنتهي بعد العودة الى الاتفاق النووي، بل الصراع سيظل مستمرا انما باساليب وطرق مختلفة، ما دامت امريكا الشيطان الاكبر كما يصفها الايرانيون، وما دامت ايران يقودها رجال ثوريون وفي مقدمتهم الامام السيد علي الخامنئي.
-خشية أمريكا من تعاظم قدرات وامكانيات ايران النووية، وعدم القدرة على احتوائه، او فرملة عجلة القطار النووي الايراني الذي يسير بوتيرة متسارعة.
لماذا يخشى البعض العودة الاميركية الى الاتفاق النووي؟
ان المواقف والمؤشرات تؤكد ان واشنطن تفاوض ايران نوويًا لكن عينها على الدور الايراني في المنطقة وعلى صواريخها الدقيقة، وقلقها على امن "اسرائيل"، ولا شك ان مفاوضات فيينا النووية سواء نجحت او فشلت كسابقاتها ( مع ان نسبة نجاحها مرجحة) ستنعكس على قضايا وملفات المنطقة، وثمة من ينتظر بل ترتجف فرائضه من العودة الاميركية الى الاتفاق النووي سواء في "اسرائيل" او لبنان او العراق ودول خليجية، إلا ان الثابت والواضح وضوح الشمس في رابعة النهار، ان الجمهورية الاسلامية ومحور المقاومة هو اليوم أقوى مما مضى، ويبدو انه يتهيء الى مرحلة انتقالية، من الدفاع الى الاندفاع، على قاعدة أن افضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، لا سيما مع التراجع الملحوظ للنفوذ الاميركي في المنطقة، وتنامي اقطاب جديدة من بينها محور المقاومة.
أهم الأسماء في الوفد الايراني الجديد في مباحثات فيينا:
-علي باقري كني كبير المفاوضين ونائب وزير الخارجية.
-مهدي صفري، نائب وزير لشؤون الدبلوماسية الاقتصادية.
-علي فكري، نائب وزير للشؤون الاقتصادية والمالية والمدير العام لمنظمة الاستثمار الايرانية÷ وهو دبلوماسي سابق في الصين.
-غلام رضا بناهي، عضو في فريق التفاوض الإيراني في فيينا، عضو في المجلس التنفيذي ونائب محافظ البنك المركزي للشؤون الدولية.
-إبراهيم شيباني، رئيس اللجنة الاقتصادية للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، وكان سفيرًا في فيينا (النمسا).
-رضا نجفي، نائب وزير للشؤون القانونية والدولية، كان سفيرًا سابقًا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومديراً عاماً سابقاً للسلم والأمن الدوليين في وزارة الخارجية.
- أحمد أسد زاده، القائم بأعمال نائب وزير الشؤون الدولية والتجارة بوزارة النفط سابقاً.
الكاتب: د. محمد شمص
/انتهى/
تعليقك