وكالة مهر للأنباء- قسم الشؤون الدولية : في أعقاب إعادة ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا، أعلن القادة العسكريون والخبراء في مجال الدراسات الاستراتيجية عن مفهوم "الحرب الهجينة" الجديد. في هذه المرحلة الجديدة من الحروب الحديثة، تهدف الدول إلى تحقيق أهدافها ضد المنافسين والأعداء باستخدام مجموعة متنوعة من الأساليب التقليدية، والتكتيك، والحرب النفسية، والتشكيلات غير المنتظمة، والأعمال الإرهابية، والقوة العشوائية الناجمة عن الأفعال الإجرامية. واحدة من الأدوات الفعالة في هذا النوع الجديد من الحروب هي استخدام "السلاح الإعلامي"، وبالتحديد "العمليات النفسية".
أثناء الصراع بين محور المقاومة والاحتلال الصهيوني، كانت وكالات الإعلام الغربية تحت تأثير ونفوذ اللوبي اليهودي، حيث كانت تقوم بالتغطية الإعلامية لصالح تل أبيب، محاولين تنفيذ ثنائية "الهمجية" و"التمدن" وفقًا لمعايير نتنياهو. في أحدث جولة من العمليات النفسية ضد جبهة المقاومة، يحاول كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين في إسرائيل من خلال مقابلات مع وسائل الإعلام المختلفة، إظهار سيطرتهم المعلوماتية على "المنطقة الرمادية" وكشف تفاصيل إجراءاتهم للجمهور. يبدو أن هذه السياسة تهدف إلى إظهار القوة المعلوماتية للاحتلال الصهيوني أمام الدول المجاورة، وخاصة أعضاء محور المقاومة.
مقابلة نتنياهو مع وول ستريت جورنال
في 20 ديسمبر 2024، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" مقابلة مع بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، الذي ادعى فيها "الانتصار على محور المقاومة". في بداية المقابلة، حاولت الصحيفة أن تصور موضوع محاكمات نتنياهو في سياق الصراع بين محور المقاومة والاحتلال الإسرائيلي على أنه أمر غير مناسب.
في المقابلة، بدأ نتنياهو بشرح الوضع الأمني في "السابع من أكتوبر" والهجوم الذي شنته حماس. وادعى أن هذه المعركة كانت أسوأ من حرب "يوم كيبور" وأن هدفه كان تغيير النظام في الشرق الأوسط. وأشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أن إدارة بايدن طلبت منه عدم شن هجوم على حزب الله. كما تحدث عن الخلاف مع أمريكا بشأن الهجوم البري على غزة، حيث كانت أمريكا تسعى إلى "تقليم أظافر حماس" بينما كانت إسرائيل ترغب في "استئصال" حماس. كما أشار إلى بعض القضايا الخلافية مثل نهاية الحرب في غزة ووجود القوات الصهيونية في محور فيلادلفيا.
وفيما يخص بداية الحرب في لبنان، ادعى نتنياهو أنه لم يكن هناك خيار لتجاهل حزب الله في الجبهة الشمالية، ولذلك قرر الهجوم على الحزب في أكتوبر، أي قبل انتخابات نوفمبر الأمريكية. وأضاف أن حسن نصر الله كقائد عسكري لم يكن يقود الحرب فحسب، بل كان يقود محور المقاومة بأسره، ولذلك كان يجب استهدافه. كما ادعى أن إسرائيل قد استهدفت أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية في 26 أكتوبر وهاجمت مصنعًا لإنتاج الصواريخ ذات الوقود الصلب في إيران.
وفي نهاية المقابلة، أشار نتنياهو إلى سقوط بشار الأسد، مدعيًا أن إسرائيل دمرت المنشآت العسكرية السورية "حتى لا تقع هذه الأدوات في أيدي الجماعات الجهادية (الإرهابية)". وطرح هذه الادعاءات رغم أن أحمد الشرع قد وصف التغيير السياسي في سوريا كحدث يصب في مصلحة أمن إسرائيل ويمنع نشوب حرب. يبدو أن الهدف من هذه المقابلة هو أن نتنياهو يحاول تسويق رواية لانتصار مزعوم في المعركة التي استمرت 15 يومًا مع إيران.
قصة "أجهزة البيجر" في برنامج "ستين دقيقة"
أعلنت شبكة سي. بي. إس الأمريكية يوم الخميس 19 ديسمبر أنه من المقرر أن تجري ليسلي ستال مقابلة مع اثنين من العملاء السابقين لجهاز الموساد، تحت الأسماء المستعارة "مايكل" و"جابرييل"، حول عملية "البيجر" في برنامج "60 دقيقة" يوم الأحد الساعة 19:30. خلال المقابلة، من المتوقع أن يتحدث عملاء الموساد بشكل سري ومع تغيير في أصواتهم عن تفاصيل العملية، التي وقعت في السابع عشر والثامن عشر من سبتمبر، حيث تم الكشف عن تفاصيل العملية وأسرارها، وأدى الهجوم الإرهابي إلى استشهاد ما لا يقل عن 30 شخصًا وإصابة 3 آلاف آخرين.
في هذه المقابلة التي استمرت 18 دقيقة، زعم عملاء الموساد أنهم كانوا يسيطرون على جميع مراحل عملية "بيجرها" منذ لحظة طلب شراء الأسلحة، وصولًا إلى تصميم العملية وتنفيذها ونطاقها. ويأتي هذا الادعاء في وقت كانت فيه عملية سبتمبر 2024 قد أسفرت عن استشهاد طفلين على الأقل. وعلى الرغم من محاولات الموساد لإظهار صورة "القوة" و"الأخلاق" في هذه المقابلة، إلا أنه عندما سأل المذيع العميل الصهيوني إذا كانوا يخشون إدانة أخلاقية، أجاب العميل بالإجابة "لا".
من النقاط المهمة الأخرى في المقابلة كان سؤال المذيعة حول الادعاء بهزيمة كاملة لحزب الله. في الأسابيع الأخيرة، زعمت وسائل الإعلام والمراكز الفكرية العبرية، بالإضافة إلى نتنياهو، أن هناك تغييرًا في المعادلات الجيوسياسية على الجبهة الشمالية. اللافت في الأمر هو أن الشخص الذي أجاب على هذا السؤال قد "رفض" هذه الادعاءات بشكل كامل.
استهداف موقع صاروخي إيراني في سوريا!
ادعى صحيفة "جيروزاليم بوست" في 28 ديسمبر أنها هاجمت موقعًا صاروخيًا إيرانيًا في سوريا! وتزعم الصحيفة العبرية أن القوات الخاصة الإسرائيلية هبطت بالقرب من مدينة مصياف في سبتمبر الماضي ودمرت الموقع الصاروخي الإيراني الواقع في الأراضي السورية. وقد تم طرح هذا الادعاء سابقًا من قبل موقع "أكسيوس" في 12 سبتمبر. ويدعي كاتب التقرير أنه بعد سقوط نظام الأسد وزيادة الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، أصبحت القوانين المتعلقة بـ"الرقابة" و"سرية الأخبار" أكثر مرونة.
وفقًا للمعلومات المنشورة من قبل مركز الأبحاث "ألمّا"، فإن الصهاينة قد احتلوا الآن أجزاء من مرتفعات الجولان، وجبل الشيخ، ومحافظة القنيطرة في سوريا. بمعنى آخر، تمركزت دبابات وآليات الجيش الصهيوني في موقع يبعد 20 كيلومترًا عن العاصمة السورية دمشق. كما قامت إسرائيل في أكثر من 500 هجوم على أهداف استراتيجية في عمق الأراضي السورية، مستهدفة القوات الجوية والبحرية، والمواقع الصاروخية، وأنظمة الدفاع الجوي، والثكنات الحيوية للجيش السوري باستخدام أكثر من 1800 قنبلة.
الرواية الزائفة بشأن اغتيال الشهيد هنية
في سياق عمليات الحرب النفسية التي تديرها حكومة نتنياهو، قامت شبكة "12" الإسرائيلية بنشر تقرير مفبرك حول تفاصيل اغتيال الشهيد إسماعيل هنية. وزعمت الشبكة أن أساس عملية الاغتيال كان من خلال التسلل إلى الأجهزة الأمنية في البلد لاستهداف مكان إقامة رئيس المكتب السياسي الراحل لحركة حماس، وتفخيخ غرفته. وأفادت التقارير بأن العملية كانت مخططًا لها في البداية أن تحدث خلال مراسم جنازة الشهيد رئيسي، ولكن نتنياهو قرر إلغائها وتأجيلها إلى وقت لاحق.
في وقت سابق، كانت الروايات التي نشرتها مصادر داخلية وخارجية تشير إلى وجود هجوم باستخدام قذائف قرب مقر إقامة الشهيد هنية، إلا أن الإسرائيليين حاولوا من خلال هذه الرواية الزائفة أن يظهروا قوة "التسلل" الخاصة بهم، في محاولة للسيطرة على "حرب الروايات".
ويعتقد المحللون أنه يجب أن لا تمر اعترافات كبار المسؤولين الإسرائيليين مثل نتنياهو وكاتس حول استهداف قادة المقاومة من دون رد. إذ بإمكان الأجهزة الأمنية في البلاد أن تعمل بناءً على منطق "حرب الظلال" وتوجيه ضربات مشابهة للعدو في "المنطقة الرمادية". وفي الوقت نفسه، ينبغي على طهران نشر رد فعل إعلامي مناسب لهذه العمليات عبر وسائل الإعلام، لكي تتحول إلى "مرجع إعلامي" في مواجهة الحملة الدعائية للعدو.
خلاصة القول
إن السرد الزائف الذي ينشره الكيان الصهيوني حول أحداث مهمة مثل اغتيال الشهيدين نصرالله وهنية، الهجوم على الموقع الصاروخي الإيراني في سوريا، وأخيرًا عملية "البيجر"، يعكس سعيًا من جانب هذا النظام للتأثير على إدراك السياسيين، القادة العسكريين، وعموم الناس في المنطقة. في هذا السياق الإعلامي، تسعى الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية إلى عرض قدراتها ونفوذها داخل بنية المقاومة، من خلال الكشف عن تفاصيل مزعومة تظهر سيطرتها الكاملة.
وفي هذه الحملة من "السرد الزائف"، يطرح السؤال الأساسي: إذا كانت الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية مثل الموساد، آمان، والشاباك تتمتع بكل هذا النفوذ والسيطرة على الأمور الأمنية، فكيف لم تتمكن من التنبؤ بتخطيط كتائب عز الدين القسام لعمليات "طوفان الأقصى" على مدار ثماني سنوات؟ ما يظهر بوضوح في هذه الحرب النفسية هو أن اليهود يسعون دائمًا إلى التأثير على النظام الإدراكي لأعدائهم، بهدف وضعهم في موقف ضعف وهزيمة.
لمواجهة هذه المؤامرة، يجب على الجهات المعنية بالإعلام أن تتخذ موقفًا فاعلًا من خلال تفسير العمليات النفسية التي يستخدمها العدو، والعمل على تقديم رواية صحيحة وموثوقة للوقائع لتكون مرجعًا في مواجهة هذه الحملات الإعلامية.
/انتهى/
تعليقك