٠٣‏/٠٧‏/٢٠٢٥، ٦:٠٤ م

غروسي في سباق الأمم المتحدة؛ لماذا يُعدّ خيارا خطيرا لخلافة غوتيريش؟

غروسي في سباق الأمم المتحدة؛ لماذا يُعدّ خيارا خطيرا لخلافة غوتيريش؟

يطمح غروسي لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة، في حين أن أدائه المتحيز في الوكالة، وخاصةً فيما يتعلق بالبرنامج النووي السلمي الإيراني، جعله خيارًا مشكوكًا فيه، بل وخطيرًا.

وكالة مهر للأنباء، المجموعة الدولية: في الأشهر الأخيرة، تزايد الحديث في الأوساط الدبلوماسية عن اسم رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كأحد الخيارات الممكنة لخلافة أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة.

على عكس العديد من التكهنات القائمة على تحليلات وتكهنات إعلامية، نواجه سلسلة من التصريحات المباشرة والصريحة والمتكررة حول غروسي، تُظهر بوضوح أنه يُقيّم شروط دخول المنافسة السياسية على أعلى مستوى في المؤسسة الدولية.

ظهرت أول إشارة علنية لهذا التوجه في مايو من العام الماضي، خلال مقابلة مع صحيفة التلغراف البريطانية، عندما قال غروسي: "طُرح اسمي لمنصب الأمين العام، وهذا دفعني للتفكير". على الرغم من تأكيده آنذاك على تركيزه على مهمته الحالية في الوكالة، إلا أن المراقبين الدوليين اعتبروا هذه الإشارة الضمنية بمثابة خلفية لتقييم ردود الفعل.

ولكن لم يكن هذا موقفه الوحيد، فقد صرّح غروسي بصراحة أكبر في مقابلة بواشنطن في أبريل/نيسان من هذا العام: "أفكر في هذا الأمر بجدية بالغة. سيأتي الوقت لأدخل في هذا النقاش". بعد بضعة أسابيع، في يونيو/حزيران، وفي مقابلة مع وكالة تاس، لم يكتفِ بمهاجمة الضعف الهيكلي الحالي للأمم المتحدة ضمنيًا، بل صرّح أيضًا ردًا على إمكانية إطلاق حملة انتخابية: "عملي هو أفضل حملة لي". يُعبّر هذا التصريح، أكثر من أي شيء آخر، عن ثقته في أدائه الفني الدبلوماسي كنقطة انطلاق لمنصب سياسي أعلى.

بالإضافة إلى ذلك، ومن وجهة نظر مراقبين محايدين، لا يخلو سلوك غروسي الأخير من علامات الطموح الدبلوماسي. من وجهة نظر الكثيرين، يُمكن اعتبار نهجه المتحيز تجاه إيران، والذي تجاوز الموقف التقني واقترب من النبرة السياسية القاسية، جزءًا من مسعى لجذب انتباه القوى الغربية وترسيخ موقفه كخيار حاسم ينسجم مع مصالح النظام الليبرالي العالمي.

البرنامج النووي السلمي الإيراني؛ نقطة ضعف غروسي الدبلوماسية

على مدار السنوات الماضية، تبنى غروسي مرارًا وتكرارًا مواقف بشأن القضية النووية الإيرانية انحرفت بوضوح عن الحياد التقني للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومالت نحو المواقف السياسية. وبينما يتمثل الواجب الأصيل للوكالة في تقديم تقارير تقنية ودقيقة وغير متحيزة، أصبح غروسي أداة ضغط سياسي على إيران من خلال نشره العديد من التقارير بالتزامن مع اجتماعات مجلس المحافظين أو المفاوضات السياسية الحساسة. على سبيل المثال، أصبحت تقارير الوكالة في عامي 2023 و2024 بشأن ادعاء اكتشاف جزيئات اليورانيوم عالي التخصيب في إيران، قبل إثبات مصدرها علميًا، موضوعًا للتغطية الإعلامية وساهمت في تصعيد التوترات عشية قرارات مجلس محافظي الوكالة المناهضة لإيران؛ وهي العملية التي حللها المسؤولون والمحللون الإيرانيون في هذا المجال باعتبارها سلوكًا "يتماشى مع رغبات الغرب".

أصبح هذا النهج المتحيز لاحقًا منصةً لإضفاء الشرعية السياسية على الأعمال العدائية. بعد نشر أحد تقارير غروسي المثيرة للجدل في يونيو/حزيران من هذا العام حول انخفاض مستوى تعاون إيران مع الوكالة، شنّ النظام الصهيوني والولايات المتحدة، في أقل من أسبوع، هجماتٍ عدوانية على بعض المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية.

وعقب هذه الأحداث، ثارت موجةٌ من ردود الفعل في وسائل الإعلام والمنتديات الدولية تجاه غروسي والوكالة. وتحدث العديد من المراقبين عن "انهيار المصداقية الفنية للوكالة". واتهمت بعض وسائل الإعلام المستقلة، بما في ذلك "ميدل إيست آي" و"كرادل"، غروسي بتحويل الوكالة إلى "ذراع استخبارات لحلف شمال الأطلسي". وفي دول حركة عدم الانحياز، وخاصةً في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، تزايد الرأي القائل بأن غروسي، بدلًا من أن يكون مراقبًا دوليًا محايدًا، أصبح طرفًا فاعلًا في السيناريو السياسي الغربي ضد عضو رسمي في معاهدة حظر الانتشار النووي. لقد تضررت ثقة العديد من الدول بالوكالة، وعلقت إيران تعاونها الطوعي وقيّدت وصول المفتشين.

كما أصدر الرئيس الايراني مسعود بزشكيان، يوم الأربعاء الموافق 1 يوليو/تموز، وتطبيقًا للمادة 123 من دستور جمهورية إيران الإسلامية، "قانون إلزام الحكومة بتعليق التعاون مع منظمة الطاقة الذرية الدولية"، الذي أقره مجلس الشورى الإسلامي في جلسته المنعقدة بتاريخ 25/6/2025، وأقره مجلس صيانة الدستور في التاريخ نفسه، وأحاله إلى منظمة الطاقة الذرية والمجلس الأعلى للأمن القومي ووزارة الخارجية لتنفيذه.

هذا الارتياب المزدوج من إيران وجزء من العالم غير الغربي، إلى جانب دعم الولايات المتحدة ودول أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا لغروسي، خلق صورة مزدوجة له في المجتمع الدولي: فمن جهة، يسعى الغرب إلى ترسيخ دور مناصر الشفافية النووية فيه، ومن جهة أخرى، يُعتبر ممثلاً سياسياً للمصالح الغربية في نظر العديد من دول العالم.

في ظل هذه الظروف، يواجه غروسي تحدياً كبيراً في كسب دعم دول مثل الصين وروسيا وإيران والهند وجنوب أفريقيا وأعضاء مهمين آخرين في "مجموعة الـ 77" بصفتها أكبر منظمة حكومية دولية للدول النامية في الأمم المتحدة، للوصول لمنصب الأمين العام لهذه المنظمة؛ فالحياد شرط أساسي لهذا المنصب.

في نهاية المطاف، تحوّل ما كان يُفترض أن يكون نقطة انطلاق لغروسي، أي القضية النووية الإيرانية، إلى أداة لإظهار ولائه للقوى الغربية، لكن هذا الولاء جاء بثمن باهظ على مكانته العالمية. لم يفشل غروسي في الحفاظ على الدور التقليدي والمحايد للوكالة فحسب، بل أصبح أيضًا نقطة خلاف وأزمة؛ لدرجة أن بعض المحللين يقيّمون إمكانية نجاحه في المنافسة على منصب الأمين العام للأمم المتحدة بأنها ضعيفة للغاية بسبب هذه الخلفية السياسية وانعدام الثقة الواسع النطاق.

لماذا لا يضاهي غروسي غوتيريش والأمين العام للأمم المتحدة؟

للوهلة الأولى، يبدو غروسي، بتاريخه الطويل في مجال الدبلوماسية النووية، وخاصةً كمدير عام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أنه يتمتع بالصفات التي قد تجعله خيارًا مناسبًا لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة. ومع ذلك، فإن الواقع هو أن مكانة الأمم المتحدة وتوقعات المجتمع الدولي من الأمين العام تتجاوز القدرات التقنية وحتى الخبرة في مجال محدد مثل الطاقة النووية.

إن مقارنة غروسي بالأمين العام الحالي، أنطونيو غوتيريش، الذي شغل سابقًا منصب رئيس وزراء البرتغال ومفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، تُظهر أن غروسي غير مؤهل لخلافة هذا المنصب نظرًا لخبرته التنفيذية الواسعة وشرعيته الأخلاقية وحياده الشامل.

غوتيريش شخصية لعبت دورًا في الأزمات الإنسانية والحروب والهجرة وتغير المناخ والنظام العالمي متعدد الأطراف. فهو لا يتمتع بخلفية سياسية على المستوى الوطني فحسب، بل اتخذ أيضًا مواقف شاملة ووسيطة في مجال حقوق الإنسان والأزمات الاجتماعية؛ وهي سمات تجعل من الأمين العام للأمم المتحدة شخصية عابرة للأحزاب والأقاليم والقطاعات.

في المقابل، لا يفتقر غروسي إلى الخبرة التنفيذية على المستوى الحكومي أو الإنساني فحسب، بل إن أداءه في قضايا مثل إيران وكوريا الشمالية وحتى أوكرانيا أظهر أنه عرضة لألعاب القوى ويفضل الانحياز إلى كتلة معينة من الدول.

من منظور هيكل التصويت في انتخاب الأمين العام، يواجه غروسي أيضًا تحديًا خطيرًا آخر، ألا وهو عدم قبوله بين دول عدم الانحياز ودول الجنوب العالمي. فالعديد من هذه الدول، وخاصة بعد نشر التقارير الكاذبة والمثيرة للجدل مؤخرًا حول إيران وصمته بشأن الأنشطة النووية للكيان الصهيوني، تعتبر غروسي ممثلًا للمصالح الغربية. ورغم أن هذا الرأي قد يكون مفيدًا في كسب موافقة واشنطن وقادة الاتحاد الأوروبي، إلا أنه يُمثل نقطة ضعف له في عملية اختيار الأمين العام، التي تتطلب إجماعًا ضمنيًا من القوى العالمية وموافقة أغلبية الجمعية العامة.

وأخيرًا، يمكن القول إنه على الرغم من أن غروسي، بغض النظر عن مهاراته في التمثيل الدبلوماسي للغرب، دبلوماسي مُلِم بالأنظمة الدولية والمفاوضات الفنية، إلا أنه ليس بمستوى وحجم ومهمة الأمين العام للأمم المتحدة. فهذه المؤسسة تحتاج إلى شخصية ذات رصيد أخلاقي وحيادية ملحوظة وفهم عميق للتنمية المستدامة والسلام العالمي وحقوق الإنسان؛ ليس مديرًا يُسهم، بتقاريره الأحادية الجانب والمسيسة، في تصعيد التوترات العسكرية وانهيار الثقة في المؤسسات الفنية. طموح غروسي، وإن انكشف بعد تجاربه في الولايات المتحدة وأوروبا، يبدو أشبه بحلم بعيد المنال في ظل الوضع الراهن.

رمز الخبر 1960199

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha