١٦‏/٠٩‏/٢٠٢٥، ٢:٥٢ م

الشرق الأوسط بعد العملية الإرهابية في قطر؛ التحالف الإيراني العربي قد يعزل إسرائيل

الشرق الأوسط بعد العملية الإرهابية في قطر؛ التحالف الإيراني العربي قد يعزل إسرائيل

إذا تحول المحور الايراني والعربي تدريجيًا إلى علاقة أكثر ودية، فمن الممكن أن يتحد هذان المحوران، ونتيجة لذلك، ستصبح إسرائيل معزولة في المنطقة، وسيصعب عليها تحمل الضغوط.

وكالة مهر للأنباء: يوم الثلاثاء، شكّل الكيان الصهيوني نقطة تحول في تطورات الشرق الأوسط باستهدافه مقر قيادة حركة المقاومة الفلسطينية في الدوحة، عاصمة قطر؛ وهو عمل يعني غزوًا واضحًا لأراضي أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة؛ دولة تستضيف إحدى أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج الفارسي. يأتي هذا التطور في ظلّ ساد لسنوات الاعتقاد بأنّ إيران تُشكّل التهديد الرئيسي لأمن المنطقة ودول الخليج الفارسي العربية، إلا أنّ الهجوم الإسرائيلي المباشر على قطر غيّر المعادلة الأمنية وسلّط الضوء على دور تل أبيب كعامل رئيسي في زعزعة الاستقرار في المنطقة.

منذ نشأتها، ارتكزت السياسة الإسرائيلية على مبدأ أنّه إذا أقدم أيّ طرف أو جماعة أو دولة على أيّ عمل ضدّها، فإنّها ستردّ فورًا، وقد يصل ردّ فعلها أحيانًا إلى حدّ القتل والتصفية الجسدية للطرف الآخر. وقد كانت هذه إحدى سياسات إسرائيل الثابتة. ويعود سبب عدم اتخاذ هذا الإجراء في قطر حتى الآن تشبهه بالسياسة التي انتهجها الأمريكيون تجاه طالبان خلال الحرب؛ حيث قبلوا أيضًا مكتب طالبان في الدوحة بالتنسيق مع قطر وحدّدوا له مقرًا للمفاوضات. ويُرجّح أنّ هذا المكتب أُنشئ بالتنسيق مع الأمريكيين لمنع تصعيد التوتر وتوفير منصّة للتفاوض؛ لكنّ إسرائيل لم تلتزم بهذه القواعد والاتفاقيات حتى الآن، ويبدو أنّها لن تلتزم بها مستقبلًا. قد يكون لهذا الحدث، حسب الظروف، عواقب ونتائج إيجابية أو سلبية على علاقاتنا مع الدول العربية.

بعد الثورة، تشكلت ثلاثة محاور في الشرق الأوسط: المحور الأول، وهو المحور القديم، ليس محور إيران وإسرائيل، بل محور الصراع حول قضية احتلال فلسطين من قبل إسرائيل، والذي أجرت مصر والأردن وبعض الدول العربية وممثلون فلسطينيون اتصالات ومفاوضات مع إسرائيل على مدى فترة من الزمن من خلال اتفاقيات مثل أوسلو؛ لكن هذه المفاوضات والحروب المتنوعة لم يؤدي الى انهاء الصراع وتحوّله إلى سلام. المحور الثاني، الذي اشتدّ بعد الثورة، هو محور الصراع بين إيران وإسرائيل؛ قبل الثورة، لم يكن هذا المحور موجودًا بمعنى الصراع، وكانت للعلاقات بين إيران والجهات الفاعلة الإقليمية جوانب أخرى. استغلت إيران هذا الوضع وحصلت على تنازلات من كلا الجانبين، أي من إسرائيل والعرب على حد سواء؛ على سبيل المثال، في حالة حظر النفط بعد حرب عام ١٩٧٣، استفادت إيران من موقعها. إن الاتفاق المبرم عام 1975 بين إيران والعراق وتنازل العراق عن بعض المطالب الحدودية هي أيضا أمثلة على نتائج سياسات تلك الفترة.

حاليا وفي ظل الظروف الجديدة، لا يزال محور الصراع الإيراني الإسرائيلي قائمًا، كما أُعيد تفعيل المحور العربي. إذا تحوّل محور الصراع بين إيران والعرب، الذي تشكّل بعد الثورة ولم يكن موجودًا قبلها، تدريجيًا إلى علاقة ودية، فمن الممكن أن يتحد المحوران الإيراني والعربي، ما يُؤدي إلى عزلة إسرائيل في المنطقة، ويصعّب عليها تحمّل الضغوط. هذا يعتمد على مدى توصّل إيران والدول العربية إلى تفاهم، وإدراك الحكومات العربية أن إيران لا تُشكّل تهديدًا لها، بل إن التهديد الرئيسي لها هو الكيان الصهيوني. في مثل هذا السيناريو، سيتغيّر الوضع بشكل ملحوظ.

مع ذلك، إذا ظلّ الصراع الإيراني العربي، والصراع العربي الإسرائيلي، والصراع الإيراني الإسرائيلي متوازيين دون حلّ، فقد لا يتغيّر الوضع. فالدول العربية، حتى الدول التي تربطها علاقات دبلوماسية بإسرائيل، مثل الإمارات والبحرين والمغرب ومصر والأردن، لم تُبدِ استعدادًا لقطع علاقاتها في بعض الحالات. إذا خلصت القمم الإقليمية، كمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، إلى ضرورة قطع الدول علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، وإلى وقوف إيران والدول العربية صفًا واحدًا، فيمكن القول إن هذا الحادث قد يُسفر عن نتائج إيجابية للمصالح الوطنية الإيرانية، وكذلك للعرب والمسلمين.

لا يمكن تحقيق التعاون الإقليمي عمليًا دون تعاون دولي، لأن الخليج الفارسي منطقة استراتيجية للتجارة العالمية والطاقة، وللقوى الكبرى، بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة وروسيا والصين، وحتى اليابان، مصلحة في أمن هذه المنطقة. لذلك، لا يُمكن اتخاذ القرارات بين إيران ودول الخليج الفارسي وحدها، لأن للجهات الفاعلة الأجنبية وجودًا عسكريًا ومصالح سياسية واقتصادية واسعة في هذه المنطقة.

النقطة المهمة هي أنه يجب على العرب ألا يتصوروا أن إيران تُشكل تهديدًا لأنظمتهم، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو مصر أو المملكة العربية السعودية أو دول مجلس التعاون الخليج الفارسي. يجب التوصل إلى تفاهم على أن إيران والعرب يقبلون بعضهم البعض ولن يتخذوا أي إجراء يُضر بأمن بعضهم البعض. يجب إدارة قضايا وحوادث، مثل الهجمات على السفارات أو دور الجماعات في مختلف الدول، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالأقليات كالشيعة في البحرين والسعودية، أو العلويين في سوريا، وكذلك القضايا في لبنان والعراق، بطريقة تُزيل سوء الفهم والتصور بأن إيران تستخدم هذه الجماعات كأداة للضغط على الحكومات العربية. ولتحقيق هذا الهدف، من الضروري وجود سياسات ثنائية ومتعددة الأطراف شفافة وواضحة، حتى لا تتمكن إسرائيل والولايات المتحدة من استغلال الخلافات، وحتى لا تُصوَّر جمهورية إيران الإسلامية كعامل لتغيير النظام.

كخطوة أولى، من الضروري طمأنة الدول العربية، ليس فقط بالقول، بل بالأفعال والضمانات العملية، بأن إيران لا تُشكل تهديدًا لها، وأن التهديد الحقيقي يكمن في سياسات وأفعال النظام الإسرائيلي، وخاصةً عندما تسعى إسرائيل إلى ترسيخ سيطرتها على الضفة الغربية وتقوم بأعمال تُشكل تهديدًا للدول العربية. يجب أن نطرح هذه القضية بشفافية في المحافل الدولية والإقليمية، وأن نقف إلى جانب العرب بسياسة واضحة وبعيدًا عن سوء الفهم.

/انتهى/

رمز الخبر 1962754

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha