٢٩‏/٠٩‏/٢٠٢٥، ٩:٣٩ ص

خطة دونالد ترامب الجديدة لغزة، أبعادها وتداعياتها

خطة دونالد ترامب الجديدة لغزة، أبعادها وتداعياتها

 أثارت خطة دونالد ترامب للسلام في غزة،جدلًا واسعًا على الصعيدين الدولي والإسرائيلي. تهدف الخطة إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة من خلال اقتراح خطوات ملموسة لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وإعادة إعمار المنطقة. إلا أن الخطة أحدثت انقسامًا حادا في إسرائيل.

وكالة مهر للأنباء:في 28 سبتمبر/أيلول 2025، أثارت خطة دونالد ترامب للسلام في غزة، والمكونة من 21 بندًا، جدلًا واسعًا على الصعيدين الدولي والإسرائيلي. تهدف الخطة إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة من خلال اقتراح خطوات ملموسة لوقف إطلاق النار، وإطلاق سراح الأسرى، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وإعادة إعمار المنطقة. إلا أن الخطة أحدثت انقسامًا حادا في إسرائيل، وأثارت تساؤلات حول جدواها وعواقبها على المدى الطويل.

تفاصيل خطة ترامب لغزة

وفقًا لتقارير من مصادر موثوقة، مثل شبكة CNN وصحيفة واشنطن بوست، تستند خطة ترامب إلى 21 بندًا رئيسيًا تهدف إلى إحلال سلام دائم في غزة. وتتمثل العناصر الرئيسية للخطة فيما يلي:

1. وقف فوري لإطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى: تبدأ الخطة بوقف فوري لجميع العمليات العسكرية، مع بقاء خطوط الصراع ثابتة على وضعها الحالي. وفي غضون 48 ساعة من توقيع الاتفاق، يجب على حماس إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء (ما يُقدر بـ 20 سجينًا) وجثث أكثر من 20 سجينًا يُعتقد أنهم في عداد الموتى. في المقابل، ستفرج إسرائيل عن 250 سجينًا فلسطينيًا محكومًا عليهم بالسجن المؤبد و1700 آخرين محتجزين بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

2. الانسحاب التدريجي للقوات الإسرائيلية: تتضمن الخطة انسحابًا تدريجيًا للقوات الإسرائيلية من غزة، يؤدي في النهاية إلى انسحاب كامل. إلا أن عدم وجود جدول زمني واضح لهذا الانسحاب خلق حالة من عدم اليقين في تنفيذه.

3. نزع سلاح حماس وإبعادها عن دورها في حكم غزة: تؤكد الخطة على نزع سلاح حماس العسكري وتدعو إلى تدمير أسلحتها. سيُمنح أعضاء حماس الذين ينضمون إلى عملية السلام عفوًا، وسيُسمح لمن يرغبون في مغادرة غزة بالمغادرة إلى دول أخرى.

4. إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية: تم اقتراح خطة تُسمى "خطة ترامب للتنمية" لإعادة إعمار غزة على مدى خمس سنوات، على أن تُنفذ تحت إشراف تحالف دولي. تشمل الخطة إعادة بناء البنية التحتية الحيوية (المياه والكهرباء والصرف الصحي) والمستشفيات والمخابز، بالإضافة إلى إزالة الأنقاض.

٥. الحكومة الانتقالية: تقترح الخطة إنشاء مؤسسة دولية مؤقتة تحت إشراف الولايات المتحدة وبالتعاون مع شركاء عرب ودوليين. وستكون لجنة فلسطينية مسؤولة عن إدارة الشؤون اليومية في غزة، وفي نهاية المطاف، يمكن تسليم الإدارة إلى السلطة الفلسطينية، رهناً بإجراء إصلاحات داخلية داخل المنظمة.

٦. قوة الأمن الدولية: سيتم نشر قوة متعددة الجنسيات للحفاظ على النظام في غزة خلال الفترة الانتقالية، بينما سيتم تدريب قوة أمن فلسطينية على الإدارة المستقبلية.

عملية تنفيذ الخطة

يتطلب تنفيذ خطة ترامب تنسيقاً معقداً بين أطراف متعددة، بما في ذلك إسرائيل وحماس والدول العربية والمجتمع الدولي. الخطوات الرئيسية لتنفيذ الخطة هي:

وقف إطلاق النار الأولي وتبادل الأسرى: الخطوة الأولى هي الوقف الفوري للأعمال العدائية والإفراج عن الأسرى خلال أول ٤٨ ساعة. هذه المرحلة، نظراً لحساسيتها العالية، تعتمد على بناء الثقة بين الطرفين. مع ذلك، صرّحت حماس بأنها لم تتلقَّ بعد أي مقترحات جديدة من الوسطاء، وأن المحادثات مُعلّقة منذ الهجوم الإسرائيلي الفاشل على فريق حماس التفاوضي في الدوحة في 9 سبتمبر/أيلول.

الانسحاب العسكري الإسرائيلي: يُعدّ الانسحاب التدريجي للقوات الإسرائيلية من غزة أحد أكثر أجزاء الخطة تحديًا. وقد أكّد نتنياهو ووزراءه اليمينيون، مثل إيتامار بن جيفر وبتسلئيل سموتريتش، مرارًا وتكرارًا على استمرار العمليات العسكرية حتى "التدمير الكامل لحماس". يُشكّل هذا الموقف عقباتٍ خطيرة أمام تنفيذ هذا البند.

تشكيل مؤسسات الحكم المؤقت: يتطلب إنشاء مؤسسة دولية ولجنة فلسطينية لإدارة غزة موافقة الدول العربية والدولية. وقد أيّدت مصر وقطر ودول عربية أخرى الخطة، لكن إسرائيل تُعارض أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة.

إعادة إعمار غزة: ستتطلب إعادة إعمار غزة موارد مالية ضخمة وتعاونًا دوليًا. ومن المُرجّح أن تُوفّر دول الخليج الفارسي الجزء الأكبر من التكاليف، لكن تفاصيل كيفية تمويل العملية وإدارتها لا تزال غير واضحة.

الرقابة الأمنية: يُعدّ نشر قوة أمنية دولية لمنع نشوب صراعات جديدة وتدريب القوات الفلسطينية جزءًا أساسيًا من الخطة. يجب أن تكون هذه القوة محايدة وتتجنب التدخل المباشر من قِبل أطراف النزاع.

دور توني بلير المُحتمل في إدارة غزة

من الجوانب المُثيرة للجدل في الخطة اقتراح رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير كرئيس مُحتمل لهيئة انتقالية دولية لإدارة غزة. ووفقًا لمجلة الإيكونوميست، يُعِدّ بلير خطة لإنشاء مؤسسة تُسمى "السلطة الانتقالية الدولية لغزة" (GITTA) لتكون بمثابة "أعلى سلطة سياسية وقانونية" في غزة لمدة خمس سنوات، بتفويض من الأمم المتحدة. وستضمّ المؤسسة أمانة عامة تضمّ ما يصل إلى 25 شخصًا ومجلسًا من سبعة أعضاء للإشراف على إدارة المنطقة. ولكن لماذا توني بلير؟

الدعم الدولي: تحظى خطة بلير بدعم قادة الخليج الفارسي، وجاريد كوشنر (صهر ترامب)، ودونالد ترامب نفسه. في 23 سبتمبر، طرح ترامب الفكرة على قادة تركيا وباكستان وإندونيسيا وخمس دول عربية، وتحدث عن إمكانية إنهاء الحرب فورًا.

الخلفية الإقليمية: يتمتع بلير بخبرة واسعة في الشرق الأوسط، بما في ذلك دوره كممثل للجنة الرباعية (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة) لخطة السلام الفلسطينية بين عامي 2007 و2015. ومع ذلك، تعرضت هذه الخلفية لانتقادات، حيث غزت إسرائيل غزة أربع مرات خلال هذه الفترة وشددت قبضتها على الأراضي الفلسطينية.

خطة بلير مستوحاة من نماذج دولية مثل مراقبة انتقال السلطة في تيمور الشرقية وكوسوفو. سيكون مقر الهيئة في البداية في العريش، مصر، بالقرب من الحدود الجنوبية لغزة، وستدخل غزة بقوة متعددة الجنسيات بمجرد استقرار الوضع.

هناك أيضًا تحديات:

عدم الشعبية بين الفلسطينيين: سجل بلير، وخاصة دوره في غزو العراق عام 2003، جعله غير محبوب بين الفلسطينيين. يرى العديد من الفلسطينيين خطته محاولةً لتكرار الهيمنة الأجنبية على غزة، على غرار وعد بلفور عام ١٩١٧.

التنافس مع السلطة الفلسطينية: يحظى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بدعم عربي لإدارة غزة، ومن المرجح أن يعارض تدخل بلير. وقد سبق لعباس أن شنّ حملةً صارمةً على منافسيه المحليين الذين طُرحت أسماؤهم لإدارة غزة.

خطة دونالد ترامب الجديدة لغزة، أبعادها وتداعياتها

ردود الفعل والتحديات على الخطة

رد الفعل الإسرائيلي: قوبلت خطة ترامب بردود فعل متباينة في إسرائيل. أظهر استطلاع رأي أجرته صحيفة معاريف أن ٥٣٪ من سكان إسرائيل و٤١٪ من ناخبي الائتلاف الحاكم يؤيدون الخطة. ومع ذلك، يعارضها بشدة وزراء يمينيون في حكومة نتنياهو، مثل إيتامار بن غير وبيتسالئيل سموتريتش، وهددوا بإسقاط الحكومة إذا انتهت الحرب قبل "تدمير حماس". في المقابل، أيد بعض المسؤولين، مثل وزير الخارجية جدعون ساعر وزعيم حزب "ديغل هاتوراه" موشيه غافني، إنهاء الحرب واتفاقية إطلاق سراح الأسرى. أعلن زعيم المعارضة يائير لابيد أيضًا أنه سيوفر لنتنياهو "شبكة أمان" لدفع الصفقة إلى الأمام إذا عارضها اليمينيون.

ردود الفعل الفلسطينية: صرّحت حماس بأنها لم تتلقَّ أي مقترحات جديدة، وأن المحادثات متوقفة منذ أن هاجمت إسرائيل فريقها التفاوضي في الدوحة. وأكدت الحركة استعدادها للنظر في المقترحات بإيجابية، لكنها تريد وقفًا كاملاً للأعمال العدائية، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وإعادة إعمار غزة. كما تواجه السلطة الفلسطينية تحديات بسبب القيود الإسرائيلية وعدم رغبة تل أبيب في تسليم إدارة غزة للحركة.

ردود الفعل الدولية: أيدت دول عربية، مثل مصر وقطر والمملكة العربية السعودية، خطة ترامب. وشدد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي على ضرورة وقف الحرب ومنع نزوح الفلسطينيين، وأعلن استعداد مصر للتعاون مع الخطة. ومع ذلك، قد يعارض المجتمع الدولي، وخاصة دول مثل بريطانيا وفرنسا، اللتين اعترفتا مؤخرًا بالدولة الفلسطينية، بعض بنود الخطة، وخاصة عدم وجود دعم صريح لقيام دولة فلسطينية. التحديات المقبلة

1. المعارضة السياسية في إسرائيل: يتعرض نتنياهو لضغوط شديدة من وزراء اليمين في حكومته الذين يرفضون أي اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية. كما يواجه اتهامات بالفساد وطلبات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، مما قد يؤثر على قراراته.

2. انعدام الشفافية في المفاوضات مع حماس: لم يتضح بعد ما إذا كانت الخطة قد عُرضت على حماس. وقد أدى توقف المفاوضات عقب الهجوم الإسرائيلي على الدوحة إلى صعوبة التوصل إلى اتفاق.

3. غموض في تفاصيل التنفيذ: أعاق عدم وجود جدول زمني واضح لانسحاب إسرائيل، ونقل السلطة إلى السلطة الفلسطينية، وإعادة إعمار غزة تنفيذ الخطة.

4. المشاكل المالية واللوجستية: ستتطلب إعادة إعمار غزة موارد مالية ضخمة، من المرجح أن توفرها دول الخليج الفارسي، لكن إدارة هذه العملية ومنع إساءة استخدام الموارد يمثلان تحديًا كبيرًا.

الخلاصة

خلال حرب غزة، طُرحت مقترحاتٌ مختلفةٌ لمستقبل غزة من قِبَل أطرافٍ مختلفة. في فبراير، اقترح دونالد ترامب خطةً يبدو الآن أنها أُجِّلت. دعت الخطة إلى "ملكية أمريكية طويلة الأمد" لغزة، واصفًا إياها بـ"ريفييرا الشرق الأوسط". تضمنت الفكرة تهجيرًا قسريًا للفلسطينيين في المنطقة، وهو ما يُخالف القانون الدولي. وقد صرّحت الولايات المتحدة وإسرائيل بأن التهجير سيكون "طوعيًا". في مارس، رفضت الولايات المتحدة وإسرائيل خطةً عربيةً لإعادة إعمار غزة بعد الحرب، كانت ستسمح لـ 2.1 مليون فلسطيني يعيشون في المنطقة بالبقاء. رحّبت السلطة الفلسطينية وحماس بالخطة العربية، التي دعت إلى إدارة مؤقتة لغزة من قِبَل لجنة من الخبراء المستقلين ونشر قوات حفظ سلام دولية. في يوليو، اقترح مؤتمر دولي بقيادة فرنسا والمملكة العربية السعودية في نيويورك تشكيل "لجنة تنفيذية انتقالية" لغزة، تعمل تحت إشراف السلطة الفلسطينية. ولم تحضر الولايات المتحدة وإسرائيل المؤتمر. أيدت أغلبية الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان نيويورك في قرار صدر في وقت سابق من هذا الشهر. تواجه خطة دونالد ترامب المكونة من 21 نقطة لإنهاء حرب غزة، على الرغم من الدعم الدولي الواسع ودعم قطاعات من المجتمع الإسرائيلي، العديد من العقبات السياسية والعسكرية واللوجستية. سيواجه دور توني بلير المحتمل كرئيس لهيئة انتقالية، على الرغم من كونه فكرة مبتكرة، مقاومة بسبب خلفيته وتعقيدات السياسة الإقليمية. سيعتمد نجاح الخطة على قدرة الأطراف على بناء الثقة والتنسيق الدولي والتغلب على الخلافات الداخلية. في النهاية، لن تكون خطط ترامب، لأنها مقترحة بناءً على المصالح الإسرائيلية، في مصلحة الشعب الفلسطيني، مما قد يحول دون تنفيذها.

بقلم: محمد رضا مرادي، رئيس التحرير للقسم الدولي لوكالة مهر للأنباء

رمز الخبر 1963213

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha