وكالة مهر للأنباء، المجموعة الدولية: قُتل ما لا يقل عن 12 شخصًا وأُصيب العشرات في هجوم مسلح استهدف احتفالًا دينيًا يهوديًا (حانوكا) على شاطئ بانداي في سيدني بأستراليا اليوم الاحد. وتُظهر الصور المنشورة رجلين مسلحين يطلقان النار على حشد من الحاضرين في الاحتفال؛ ووفقًا للسلطات الأسترالية، فقد أُلقي القبض على شخصين حتى الآن، وقُتل أحدهما بنيران مباشرة من الشرطة.
وأدانت دول عديدة، من بينها إيران، الحادث الدامي واستهداف المدنيين. لم يُعلن رسميًا بعد عن السبب الرئيسي لهذا الحادث العنيف، لكن مسؤولي الكيان الإسرائيلي سارعوا إلى إدانة الحادث ووصفوه بأنه "معاداة للسامية"، وزعموا أنهم سبق أن حذروا الحكومة الأسترالية من تزايد الحركات "المعادية للسامية" في أستراليا.
على الرغم من أن مأساة الإبادة الجماعية التي تعرض لها شعب غزة، وأعمال الكيان الصهيوني العدوانية ضد دول المنطقة، قد زادت بشكل كبير من كراهية الرأي العام العالمي لهذا الكيان، وبالتالي لليهود، إلا أن التمعن في الأمر يثير تساؤلات جدية حول الأهداف الكامنة وراء هذا الحادث، وهي تساؤلات لا يمكن تجاهلها؛ مثل: ما هو هدف الجاني الرئيسي أو الجناة الرئيسيين لهذا الحادث؟ ومن الذي قد يستغل مثل هذا الحادث؟ هل هذا العمل مجرد عمل عشوائي أم عملية مُخطط لها بأهداف محددة ستتضح دوافعها مع مرور الوقت؟
في مقابلة مع وكالة مهر، يعتقد علي رضا كبيري، الخبير في شؤون غرب آسيا، أن دراسة الأنماط التاريخية وأداء أجهزة الأمن الإسرائيلية يمكن أن توفر رؤية واضحة لدوافع هذا الحادث وعواقبه المحتملة. فيما يلي نص المقابلة:
ما مدى احتمال أن يكون الهجوم على الشعائر الدينية اليهودية في سيدني من تدبير إسرائيل نفسها؟
لتقييم احتمالية تورط إسرائيل في الهجوم على الاحتفال الديني اليهودي في سيدني، لا بد من النظر في التاريخ الموثق لعملياتها الاستخباراتية. تُعد إسرائيل من بين الجهات الدولية القليلة التي لديها سجل رسمي بتنفيذ عمليات أمنية واستخباراتية على أراضي دول ثالثة، وقد كُشفت هذه العمليات أو تأكدت لاحقًا في عدة حالات. ومن الأمثلة الكلاسيكية على ذلك "قضية لافون" عام 1954، وهي عملية حاولت فيها أجهزة الأمن الإسرائيلية إلصاق الهجمات بجماعات أخرى عبر قصف أهداف يهودية وغربية في مصر بهدف الإضرار بعلاقات مصر مع الغرب. وقد تأكدت هذه القضية رسميًا في إسرائيل لاحقًا، مما أظهر أن استخدام عمليات "العلم الزائف"، حتى مع تعريض حياة اليهود للخطر، له تاريخ في نهج النظام الأمني للكيان الصهيوني.
وفي الآونة الأخيرة، أظهر اغتيال محمود المبحوح في دبي عام 2010 قدرة الموساد على تنفيذ عمليات معقدة في دول آمنة تحت رقابة أمنية مشددة، دون مراعاة الحساسيات السياسية والأمنية. لذا، من حيث القدرة التشغيلية والسوابق التاريخية، فإن تطبيق سيناريو أمني مُحكم في دولة مثل أستراليا ليس مستحيلاً ولا خارجاً عن النموذج السلوكي الإسرائيلي. هذا الاحتمال معقول تحليلياً، لا سيما في ظل أزمة الشرعية الدولية الحادة التي تواجهها إسرائيل.
في ظلّ كراهية الصهاينة وإسرائيل في الرأي العام العالمي، هل يُمكن تفسير هذه العملية على أنها نوع من "عملية التشويه" التي تقوم بها أجهزة الأمن الإسرائيلية؟
في ظلّ كراهية الصهاينة والسياسات الإسرائيلية في الرأي العام العالمي، يُمكن اعتبار هذا الحادث، على وجه الخصوص، نوعًا من التشويه المُدبّر. لطالما استخدمت إسرائيل "أمن اليهود في العالم" كأداة سياسية وإعلامية. فبعد كل موجة من الانتقادات الواسعة النطاق ضد هذا النظام، يزداد تركيز وسائل الإعلام بشكل ملحوظ على "معاداة السامية، وانعدام الأمن اليهودي، وضرورة دعم إسرائيل". على سبيل المثال، بعد حرب غزة عام 2014 وتزايد الضغوط على حقوق الإنسان، شنت إسرائيل ومؤسسات مُقرّبة منها حملة واسعة النطاق حول "تزايد الهجمات على اليهود في أوروبا"، بهدف تحويل موقع الضحية من الفلسطينيين إلى اليهود.
في هذا السياق، يُؤدي حادث إطلاق النار في حفل ديني يهودي في سيدني الوظيفة النفسية والإعلامية نفسها تمامًا، ألا وهي إحداث صدمة عاطفية، واستعادة التعاطف في الرأي العام الغربي، وتخفيف الضغط السياسي على إسرائيل. هذا النمط ليس وليد الصدفة، بل هو جزء من عقيدة الحرب السردية المعروفة، والتي تتمتع إسرائيل بخبرة طويلة فيها. لذا، فإنّ اعتبار إسرائيل ضحية في هذه الحادثة ليس مجرد افتراض ضعيف، بل تحليل قائم على نمط سلوكي متكرر.
ذكرتم عدة حالات أثناء إجابتكم على الأسئلة السابقة. هل كانت هناك أمثلة أخرى مشابهة لحادثة اليوم من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل في الماضي؟
هناك أمثلة موثقة مشابهة من جانب إسرائيل والولايات المتحدة في التاريخ الحديث. فبالإضافة إلى "حادثة لافون"، يُعدّ الهجوم الإسرائيلي على السفينة الأمريكية "يو إس إس ليبرتي" عام 1967 من الحالات المثيرة للجدل التي قيّمها العديد من المحللين على أنها محاولة متعمدة لجرّ الولايات المتحدة إلى حرب ضد مصر، على الرغم من أن الرواية الرسمية تُشير إلى خلاف ذلك.
أما فيما يتعلق بالولايات المتحدة، فتُظهر الوثائق الرسمية المنشورة أن خطة "عملية نورث وودز" صُممت في ستينيات القرن الماضي لتنفيذ هجمات وهمية ضد مواطنين أمريكيين ونسبها إلى كوبا؛ وهي خطة، وإن لم تُنفذ، تُظهر المنطق الأمني الذي يحكم مثل هذه القرارات.
كذلك، تُعدّ قصة شهادة "نيرة" الكاذبة والمفبركة عام 1990 بشأن مذبحة الأطفال في الكويت، والتي تبيّن لاحقًا زيفها، مثالًا واضحًا على استخدام الولايات المتحدة للروايات العاطفية والمزيفة لتغيير الرأي العام وتبرير الحرب. تُظهر هذه الأمثلة أن استخدام الأحداث أو الروايات الملفقة لتوجيه الرأي العام ليس استثناءً، بل هو جزء من تاريخ السياسة الأمنية للقوى العظمى. بل إن البعض لا يزال يعتقد أن "هجوم 11 سبتمبر 2001" على الولايات المتحدة كان عمليةً مفبركةً أيضًا، وأن قوات الأمن الأمريكية هي من دبرتها.
وختامًا، عند الجمع بين هذه الأدلة التاريخية، والمنطق السياسي، والتاريخ العملياتي، وحاجة إسرائيل المُلحة لتغيير مناخ الرأي العام العالمي، يصبح تحليل تورط أجهزة الأمن الإسرائيلية في حادثة سيدني أكثر مصداقية. من منظور إعلامي ونفسي، يُمكن فهم هذه الحادثة تمامًا في ضوء استراتيجية تصوير الضحية وإعادة بناء صورة إسرائيل، وهي تتوافق مع أنماط معروفة من الماضي.
تعليقك