١٣‏/١٢‏/٢٠٢٥، ١٠:٤٨ ص

الاجتماع المشترك الثالث بين إيران والسعودية والصين؛ خطوة جديدة نحو ترسيخ اتفاق بكين

الاجتماع المشترك الثالث بين إيران والسعودية والصين؛ خطوة جديدة نحو ترسيخ اتفاق بكين

شكّل الاجتماع الثالث لنواب وزيري خارجية إيران والسعودية في طهران خطوة هامة نحو تعزيز العلاقات بعد اتفاق بكين؛ إذ أظهر الاجتماع أن طهران والرياض قد تبنّتا نهجًا عمليًا أكثر في التعاون السياسي والاقتصادي والأمني.

وكالة مهر للأنباء: عُقدت الجولة الثالثة من الاجتماع المشترك لنواب وزيري خارجية إيران والسعودية، بمشاركة الصين، في طهران في التاسع من ديسمبر/كانون الأول؛ وهو اجتماع، استكمالًا لنهج خفض التصعيد وإعادة العلاقات بعد اتفاق بكين التاريخي، أضاف أبعادًا جديدة وأعمق لعملية تطبيع العلاقات الثنائية. وأظهر هذا الاجتماع أن الحوار السياسي بين طهران والرياض قد تجاوز الإطار الأولي ودخل مرحلة منظمة وهادفة قائمة على أجندات محددة ومنفذة. ويبدو أن اختيار طهران لاستضافة الاجتماع قد يشير إلى أن عملية التطبيع لم تعد مجرد تجربة دبلوماسية، بل أصبحت إطارًا مستدامًا لإدارة العلاقات، والحد من سوء الفهم، ووضع آليات تعاون طويلة الأمد.

بعد سنوات من التنافس والتوتر، شكّل اتفاق الأول من مارس/آذار 1401 في بكين، بوساطة صينية، فصلاً جديداً في العلاقات الإيرانية السعودية. مهّدت الجولة الأولى من محادثات نواب الوزراء في بكين، والجولة الثانية في الرياض، الطريق لإحياء العلاقات القنصلية، ومراجعة التعاون الأمني، والسعي إلى إبرام اتفاقيات اقتصادية، ووضع آليات مشتركة. واليوم، يُمثّل الاجتماع الثالث في طهران الانتقال من مرحلة بناء الثقة الأولية إلى مرحلة ترسيخ العلاقات، وتوسيع التعاون، والتخطيط طويل الأجل؛ وهي رسالة واضحة مفادها أن البلدين، انطلاقاً من اتفاق بكين، يبنيان مساراً مستداماً لإدارة الخلافات وتعزيز التعاون.

كتب تخت روانجي، نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، على حسابه في موقع "إكس" الإلكتروني، تعليقاً على الاجتماع: "عُقد اليوم في طهران الاجتماع الثالث للجنة الثلاثية المشتركة بين إيران والسعودية والصين، لمتابعة اتفاق بكين. وحضر الاجتماع نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخراجي، ونائب وزير الخارجية الصيني مياو ديو. وتسعى الدول الثلاث إلى توسيع التعاون في مختلف المجالات، كما أكدت على أهمية الحوار والتعاون الإقليمي بين دول المنطقة بهدف تعزيز الأمن والاستقرار والسلام والازدهار الاقتصادي. وتدعو الدول الثلاث إلى الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان وسوريا، وتدين في الوقت نفسه هذا العدوان وانتهاك سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ووحدة أراضيها. وتؤكد الدول الثلاث عزمها على تسخير الإمكانيات الكبيرة للجنة الثلاثية المشتركة لخدمة شعوبها."

وهذه هي المرة الأولى منذ اتفاق بكين التي تستضيف فيها إيران اجتماعاً رسمياً على هذا المستوى. ومن خلال استضافة هذه الجولة، سعت طهران إلى نقل العلاقات من مستوى "إعلان المواقف" إلى مستوى "العمل والتنفيذ المجدول". خلال هذا الاجتماع، لم يقتصر تأكيد الجانبين على التنفيذ الكامل لاتفاقية بكين فحسب، بل أكدت الصين، بصفتها طرفًا ثالثًا، على دورها الفعال كميسر ومراقب وداعم، مما حوّل بنية العلاقات الجديدة بين طهران والرياض من الاعتماد على الإرادة المشتركة فقط إلى عملية متعددة الأطراف تحظى بدعم دولي موثوق.

وكانت القضايا القنصلية من أبرز محاور اجتماع طهران. وناقش الجانبان تسهيل سفر المواطنين، وزيادة عدد الرحلات الجوية المنتظمة، وتقديم الخدمات للحجاج والمعتمرين، وإزالة العقبات القنصلية. وبالنظر إلى وجود أكثر من 85 ألف حاج إيراني وأكثر من 210 آلاف معتمر إيراني في عام 2025، فإن تطوير التعاون القنصلي ليس ضرورة تنفيذية فحسب، بل هو أيضًا اختبار عملي لتقييم التعاون الثنائي.

في القطاع الأمني، ركزت المحادثات على إدارة الأزمات الإقليمية، ومنع تصعيد النزاعات، وبناء فهم مشترك للتهديدات. وتصدرت التطورات في غزة النقاشات. وأكدت طهران والرياض، بوصفهما قوتين مؤثرتين في العالم الإسلامي، على ضرورة الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي في فلسطين ولبنان وسوريا.

أما فيما يتعلق باليمن، فقد اتفق الجانبان، بالإضافة إلى الصين، على حل سياسي شامل برعاية الأمم المتحدة؛ وهو موقف ورد صراحةً في البيان الثلاثي المشترك. ويرى المحللون أن تحسين العلاقات بين طهران والرياض من شأنه أن يكون له أثر مباشر وملموس على تخفيف حدة التوتر في اليمن وتسريع وتيرة المحادثات السياسية.

وفي المجال الاقتصادي، شدد الجانبان على تفعيل اللجان المشتركة وإطلاق مشاريع محددة في مجالات الطاقة والنقل والاستثمار والتجارة. ويُعد حضور الصين في هذه العملية بالغ الأهمية، إذ يمكن لبكين، بخبرتها الناجحة في مشاريع البنية التحتية والربط الإقليمي، أن تكون ضامناً تنفيذياً وداعماً للتعاون الاقتصادي الثلاثي. تُظهر هذه المرحلة من العلاقات أن الاقتصاد قد تجاوز مرحلة المفاوضات ويتجه نحو تصميم مشاريع حقيقية وقابلة للقياس، وهو تطور من شأنه تعزيز الثقة المتبادلة.

وفي المجال الثقافي، اهتم بالتعاون الإعلامي والتبادل الثقافي وأكد الطرفان أن العديد من التوترات السابقة كانت ناجمة عن مفاهيم خاطئة في وسائل الإعلام، وأن التعاون في هذا المجال من شأنه أن يُسهم في استقرار المناخ الاجتماعي للعلاقات.

ولا يزال دور الصين محوريًا. فقد أصبح اتفاق بكين الركيزة الأساسية للعلاقات الجديدة، وتضطلع بكين، بصفتها وسيطًا محايدًا وداعمًا لعملية خفض التصعيد، بدور الضامن السياسي. وقد أظهر اجتماع طهران أن هذا الدور لم يقتصر على الحفاظ عليه فحسب، بل يتوسع أيضًا. فمن خلال إعلان استعدادها لمواصلة دعم العلاقات بين طهران والرياض، أضافت الصين أبعادًا جديدة للدبلوماسية الشرقية في المنطقة؛ وهو توجه من شأنه أن يُشكل بديلًا للأطر التقليدية ذات التوجه الغربي.

ومن أبرز سمات هذه الجولة الانتقال من المناقشات العامة إلى خارطة طريق تنفيذية؛ حيث يعمل البلدان على تحديد المؤشرات والجداول الزمنية وآليات المتابعة. سيضمن الاتفاق على عقد اجتماعات دورية على مستوى الخبراء استمرارية عملية التطبيع ويحول دون أي انقطاعات محتملة. وفي الوقت نفسه، فإن القطاع الخاص في البلدين على أتم الاستعداد للدخول في مرحلة جديدة من التعاون من شأنها أن تجعل التفاعلات الاقتصادية أكثر استدامة وتنوعًا.

وأظهر الاجتماع الثالث لنائبي وزيري خارجية إيران والمملكة العربية السعودية في طهران أن عملية تطبيع العلاقات قد دخلت مرحلة عملية ومنظمة ومنهجية. ولم يقتصر الاجتماع على تعزيز تنفيذ اتفاق بكين فحسب، بل مهد الطريق أيضًا لتوسيع التعاون القنصلي والاقتصادي والأمني والثقافي والإقليمي. وإذا ما استمر هذا المسار، فقد يُفضي إلى اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية، بل وإلى آليات تعاون مؤسسية مستدامة في المستقبل القريب، وهو تطور سيكون له آثار مباشرة على استقرار وأمن غرب آسيا.

/انتهى/

رمز الخبر 1966079

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha