١٩‏/٠١‏/٢٠٢١، ٧:٠٨ م

باحث كويتي لـ"مهر"؛

نشتري تومان ؟

نشتري تومان ؟

قال الباحث في الشأن السياسي، محمد صالح، ان العودة إلى الإتفاق النووي الإيراني هو سلاح ذو حدين بالنسبة للأمريكان، لأن تدفق هذا الحجم من الأموال على إيران سيجعلها أكثر قوة مما هي عليه الآن، ولن يستطيع الأمريكان إيقاف التطور الإيراني في جميع الأحوال.

وكالة مهر للأنباء - محمد صالح: بعد أن يقسم الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن اليمين الدستورية، سيكون أمامه ملفات مبعثرة تحتاج إلى ترتيب أوراقها، وعادةً تكون أول 100 يوم من بعد قسم الرئيس عبارة عن تحدي وسباق مع الزمن لتطبيق الوعود الإنتخابية، ورسم ملامح السياسة الخارجية، وهي المؤثرة في العالم شئنا أم أبينا، وهو الواقع الذي نعيشه، ونرفع الشعارات لرفضه ولكنها حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية مازالت اللاعب السياسي الأكثر تأثيراً.

ان عودة الحزب الديمقراطي للرئاسة تعني عودة النظام الإقتصادي الأممي الذي لم يجيد ترامب التعامل معه، وان المهمة الأولى للإدارة الأمريكية هي تحسين صورتها في العالم، وتهذيب الخطاب السياسي، والأخذ بعين الإعتبار مصالح الحلفاء ومن ضمنهم دول الإتحاد الأوروبي الذي أصبح مهدّداً بالتفكك بسبب سياسة ترامب، وإرتفاع النعرة القومية العنصرية والتي ساهمت بإرتفاع شعبية التيارات اليمينية في أوروبا، مما يعني إحتمالية تغير الأحزاب الحاكمة وإحضار أهدافها بالشأن الداخلي، وساهم ذلك في إتّساع نفوذ روسيا والصين في العالم. 

المهمة الأولى للإدارة الأمريكية هي تحسين صورتها في العالم، وتهذيب الخطاب السياسي، والأخذ بعين الإعتبار مصالح الحلفاء ومن ضمنهم دول الإتحاد الأوروبي الذي أصبح مهدّداً بالتفكك بسبب سياسة ترامب

ولتحسين صورة الإدارة الأمريكية فهي مُلزمة بإعادة ترميم بنيوية الأحزاب السياسية التي تتوافق مع أهدافها، ونشر الثقافة النيوليبرالية في المجتمعات الأوروبية على وجه الخصوص، ويحتاج ذلك إلى خطة إقتصادية تعيد قوة أوروبا لمواجهة النفوذ الروسي الصيني. الإدارة الأمريكية تعود اليوم إلى الحزب الديمقراطي المتحالف مع كبرى الشركات العالمية والتي تمثل القوة الناعمة، ولكنها أكثر شراسة من القوة التقليدية ومن خلال توجيه اللإستثمارات إلى إقتصاديات أوروبا تستطيع الأحزاب الليبرالية إعادة توازنها في الداخل الأوروبي، وهي مهمة تحتاج إلى الوقت لإصلاح ما أفسده ترامب من وجهة نظر الحزب الديمقراطي، وهي خطة ذات مسارين:

مسارها الأول؛ إقتصاد أوروبا على المستوى الداخلي، والمسار الثاني؛ فتح الفرص للعمل في الخارج، ولذلك يجب إعادة النظر في سياسة العقوبات الأمريكية التي أضرّت بأعمال الشركات الأوروبية، والهدف منها دعم الأحزاب الأوروبية، وتفكيك المعسكر الشرقي الذي يتكون من تحالف روسيا والصين وإيران وبعض التفاهمات مع تركيا، والتي تجيد المناورة السياسية، ولكنها خسرت إنتخابات مهمة وهي بلدية إسطنبول، وهنا نشير إلى سياسة ترامب الذي تعمّد إقصاء أردوغان، وحارب الليرة التركية حتى تدعم مصالح شركات أوروبا. 

يجب العودة إلى الإتفاق النووي الإيراني، وهو ما يمكن قراءته من خلال المرشحين للمناصب في الإدارة الأمريكية، والسبب أن الإتفاق النووي الإيراني فتح فرص إستثمارية للشركات الأوروبية داخل إيران، وربط مصالح إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية من شأنه أن يضعف نمو الصين ويضعف نفوذ روسيا. "المصالح تتصالح" وكيف يمكن ذلك بعد حماقة ترامب في تنفيذ عملية إغتيال الشهيد قاسم سليماني والشهيد أبو مهدي المهندس. وهي متغيرات مؤثرة في المشهد الإقليمي، حيث أعادت القوة للروح الثورية في الشعب الإيراني، وكأنها خدمة غير مباشرة للنظام الإيراني، حيث جعلت الشعب يلتف بقوة حول النظام، وهي حماقة تتكرر مثلما حصل في الحرب العراقية الإيرانية والتي جعلت الشعب يلتف حول الثورة الإيرانية. 

العالم في عام 2021 مختلف عن العالم في عام 2009 عندما حكم الحزب الديمقراطي، ومن أهم المتغيرات أن الإقتصاد الصيني أصبح واقع فرض نفسه وتقلص الفارق عن الإقتصاد الأمريكي من 10 تريليون دولار إلى 7 تريليون دولار، ويحتل المركز الثاني عالميا وبفارق كبير عن بقية دول العالم وبنسبة نمو عالية مع إستمرار تدفق الإبتكار التكنولوجي الصيني، وتطور المهارة الصناعية، وهو تهديد للشركات الأمريكية بالإضافة إلى أن روسيا إستطاعت إعادة جدولة قروضها وخاصة القروض الضخمة، وهي نتيجة إدارة بوتين خلال 20 عام، وتحقيق بعض الإصلاحات الإقتصادية التي يمكن أن نرى هذا التعافي الإقتصادي الجزئي من خلال توسع النفوذ الروسي خاصة بعد مشاركتهم في حرب سوريا عام 2015، وتمكنت من فرض قوتها في المنطقة، وتسويق أسلحة روسية عالية التقنية مما أدى إلى نمو صفحاتها العسكرية. 

وأصبحت روسيا تمتلك مشروعها الأممي الجديد الذي يسمى ( أوراسيا ويمكن أن يصبح آفروأوراسيا )، ويعتمد على نظرية "النوماخيا"، التي تستحضر تاريخ الشعوب وتعيد إستقلالية الدول لإضعاف العولمة الإقتصادية الليبرالية، وهو مشروع ضخم يعيد التوازن في العالم، ويفرض التعددية القطبية، ويضعف تدويل الدولار، وهي أكثر خطورة من الحروب على الشركات الأمريكية، وهذا المشروع الأوراسي يلاقي القبول عالمياً، ويحترم تاريخ الشعوب، ويضع بعين الإعتبار المكانة المقدسة للأديان، وهو توظيف يخدم مصالح روسيا وإعادة بناءها من جديد، ويحتاج إلى وقت طويل حتى تتمكن روسيا من المنافسة إقتصاديا، لأنها خسرت الكثير من تفكك الإتحاد السوفييتي.

الإنتخابات الرئاسية الإيرانية على الأبواب موعدها شهر يونيو وحتى كتابة هذا المقال يعتبر التيار الأصولي المحافظ أكثر قربا للرئاسة من التيار الإصالحي المعتدل، والذي يعتبر المفضل للإدارة الأمريكية في التعامل مع النظام الإيراني، ويتطلب ذلك العودة إلى الإتفاق النووي الإيراني حتى يستفيد التيار الإصلاحي المعتدل من الوقت ويعزز موقفه في وقت المناورات العسكرية التي يتباهى بها أنصار التيار الأصولي المحافظ، وهذه الخطوة مرتبطة بمصالح عدة كما أسلفنا؛ دعم الشركات الأوروبية، وتعزيز التيارات الليبرالية مقابل التيارات اليمينية، وتخفيف النعرة القومية العنصرية، وإضعاف النمو الصيني، وإضعاف النفوذ الروسي، وتفكيك تحالف المعسكر الشرقي، وربط مصالح إيران مع الإدارة الأمريكية المحافظة على حظوظ التيار الإصلاحي المعتدل في إنتخابات رئاسة الجمهورية على المدى الإستراتيجي.

العودة إلى الإتفاق النووي الإيراني، وهو سلاح ذو حدين بالنسبة للأمريكان، لأن تدفق هذا الحجم من الأموال على إيران سيجعلها أكثر قوة مما هي عليه الآن، ولن يستطيع الأمريكان إيقاف التطور الإيراني في جميع الأحوال

بالنسبة للإدارة الأمريكية يعتبر إعتماد إيران على النفط أفضل من تطور صناعتها، ويمكن قراءة ذلك في شعارات السيد القائد ( الإقتصاد المقاوم – نهضة الإنتاج – إزدهار الإنتاج – عدم الإعتماد على النفط )، وهي ليست مجرد شعارات، إنما واقع عملي يطبق فعلياً، ويمكن قراءة ذلك بشكل أكثر وضوحاً في مشروع القانون الذي قدمه أكثر من 60 مشرع في مجلس الشورى الإسلامي والذي تمت تسميته خطة الرد الإيراني على إغتيال الشهيد قاسم سليماني، وهو قانون يتضمن توجهات إقتصادية واعية من الشعب الإيراني، وتشريع هذا القانون لن يكون في صالح الإدارة الأمريكية، ولذلك كبح جماح التطور الإيراني يمكن أن يتم في العودة إلى الإتفاق النووي الإيراني، وهو سلاح ذو حدين بالنسبة للأمريكان، لأن تدفق هذا الحجم من الأموال على إيران سيجعلها أكثر قوة مما هي عليه الآن، ولن يستطيع الأمريكان إيقاف التطور الإيراني في جميع الأحوال، ولكن يمكنهم كسب الوقت وتخفيف سرعته. 

فقط التومان الإيراني من المنطقي أن ترتفع قيمته، وهو إجابة على عنوان المقال، ولكن بالنسبة إلى الحكومة الإيرانية فيمكنها الإستفادة من القيمة المنخفضة للتومان في حال عودة حصتها في تصدير النفط إلى أكثر من 2 مليون برميل يومياً، وبيع نفطها بالدولار الأمريكي والإستفادة من الفارق الكبير في سعر صرف التومان وهو أحد الحلول لتقليص العجز في الموازنة السنوية، ولذلك إرتفاع التومان ليس بالضرورة أن يكون كبيرا كما يتمناه الكثيرون، التفاهم على المصالح الإستراتيجية بين إيران والإدارة الأمريكية ممكن أن يساهم في إزاحة نتنياهو من المشهد السياسي، ويساهم كذلك في تغيير بعض الأنظمة العربية المطبعة مع الكيان الصهيوني المحتل وتنفيذ بعض المطالب الإيرانية في تمكين نفوذها في العراق وإعادة إعمار سوريا واليمن وتحرير الجولان السوري المحتل والأيام القادمة حبلى بالتطورات الإقتصادية والسياسية.

/انتهى/

رمز الخبر 1911146

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha