وكالة مهر للأنباء، نجاح محمد علي: لقد فاجأ التغيير المفاجئ في لهجة ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لترامب إلى الشرق الأوسط، الكثيرين. هو الذي كان يتحدث حتى وقت قريب عن "ضرورة ممارسة أقصى قدر من الضغط" على إيران، يتحدث الآن عن "بناء الثقة" و"إزالة سوء الفهم". وقد تجلى التناقض الواضح في سياسات إدارة ترامب هذه المرة في القضية الإيرانية. سياسة بدأت بتهديد الحرب، لكنها تطورت الآن إلى محاولات التفاوض وإرسال الرسائل الدبلوماسية. ولكن من أين يأتي هذا التغيير المفاجئ في الموقف؟ هل توصلت إدارة ترامب إلى أن سياسة الضغط الأقصى ضد إيران فشلت؟ أم أن هذه مجرد تكتيك لكسب الوقت؟
وفي مقابلة تلفزيونية، أعلن ويتكوف أن ترامب أرسل رسالة إلى طهران، اقترح فيها عليهما التحدث "باحترام متبادل". إنها جملة تتناقض بشكل صارخ مع النبرة التهديدية التي أطلقها مايك والتز، مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، والذي قال الأسبوع الماضي: "إن إدارة ترامب تسعى إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل...". ويشير هذان الموقفان المتناقضان تماما إلى فجوة عميقة في استراتيجية إدارة ترامب. ولكن هذه ليست المرة الأولى التي تكون فيها سياسات البيت الأبيض تجاه إيران مربكة ومتناقضة.
عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي خلال فترة ولايته الأولى، وعد بجلب إيران إلى طاولة المفاوضات بطريقة أكثر صرامة. ولكن ما حدث كان العكس تماما؛ ولم تستسلم إيران فحسب، بل إنها وسعت أنشطتها النووية وعززت نفوذها الإقليمي. خلال تلك الفترة، أكد البيت الأبيض مراراً وتكراراً أن أي مفاوضات مع إيران لن تتم إلا إذا تخلت طهران تماماً عن برنامجها النووي. والآن في عام 2025، ورغم كل التهديدات والعقوبات، فإن الولايات المتحدة لا تسعى إلى المفاوضات فحسب، بل إنها وافقت ضمناً في رسالة أرسلها ترامب إلى إيران على تخفيف العقوبات الأولية.
ويُعتقد أن هذا التغيير في الموقف يعود إلى الظروف الداخلية في الولايات المتحدة. ويحتاج ترامب، الذي يواجه مشاكل اقتصادية إلى تقديم سياسته الخارجية باعتبارها ناجحة. إن الدخول في صراع عسكري مع إيران قد يكون مكلفا للغاية بالنسبة له، لذا فهو يتطلع إلى التفاوض على اتفاق مؤقت على الأقل باعتباره فوزا لنفسه. لكن إيران، التي لديها خبرة في التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة في قضية الاتفاق النووي، لم تعد تنخدع بسهولة بوعود البيت الأبيض.
في رد غير مباشر على رسالة ترامب، أعلن سماحة القائد أن سياسة التهديد والترهيب ضد إيران غير فعالة. وأكدت طهران مراراً أنها لا تقبل المفاوضات تحت الضغط، وأن أي حوار يجب أن يقوم على الاحترام المتبادل. ويشير هذا الموقف إلى أن مقترح ترامب، على الأقل في هذه المرحلة، لن يلقى ترحيباً من جانب إيران.
لكن التغيير في لهجة ترامب يحمل رسالة واضحة: إن سياسات البيت الأبيض ضد إيران فشلت. ولا يقتصر هذا الفشل على مجال الدبلوماسية فحسب؛ بل إن علاماتها واضحة في ميدان العمل أيضاً. وفي السنوات الأخيرة، بذلت الولايات المتحدة جهوداً كبيرة لعزل إيران اقتصادياً وسياسياً، لكن إيران لم تصبح معزولة فحسب، بل وسعت علاقاتها أيضاً مع روسيا والصين، وحتى بعض الدول العربية. وهذا واقع مرير بالنسبة لترامب، الذي اضطر إلى التحول من موقف القوة إلى موقف أكثر ليونة.
ولكن هل يعني هذا التغيير في الموقف تراجعا حقيقيا؟ يعتقد كثيرون أن ترامب يواصل اتباع سياسة العصا والجزرة. من ناحية، يتحدث عن المفاوضات بلهجة دبلوماسية، ومن ناحية أخرى، يهدد بـ"العمل العسكري". وقد تم اتباع هذه السياسة المزدوجة عدة مرات في إدارته. عندما أرسل ترامب رسالة سلام إلى كوريا الشمالية، فإنه في الوقت نفسه زاد من ضغوط العقوبات.
وبالإضافة إلى ذلك، كانت هناك خلافات قوية داخل أمريكا نفسها بشأن هذه القضية. ويعارض الجمهوريون المتشددون مثل ليندسي غراهام أي مفاوضات مع إيران، معتقدين أنها ستكون بمثابة انتكاسة خطيرة. في المقابل، يعتقد بعض الساسة الأميركيين الآخرين أن استمرار سياسة الضغط الأقصى لن يؤدي إلا إلى دفع إيران نحو إجراءات أكثر عدوانية، وأن الدبلوماسية يجب أن تُمنح فرصة.
وفي هذه الحالة، يبقى أن نرى ما إذا كان ترامب يسعى حقا إلى اتفاق جديد أم أنه يحاول فقط الضغط على إيران. وقد أظهرت التجربة في السنوات الأخيرة أن ترامب غالبا ما يعدل سياساته بناء على مصالحه الشخصية قصيرة الأجل، ويولي اهتماما أقل للاستراتيجيات طويلة الأجل. إذا استطاع ترامب أن ينهي الأزمة الإيرانية لصالحه من خلال استعراض دبلوماسي، فإنه سيفعل ذلك بلا شك، حتى لو اضطر إلى التراجع مؤقتاً عن مواقفه السابقة.
ولكن إيران لم تعد هي الطرف الذي كان على استعداد لإبرام اتفاق بأي ثمن في عام 2015. وتسعى طهران، من خلال التعلم من الماضي، إلى أن تكون لها اليد العليا في أي مفاوضات محتملة، وأن تظل بمنأى عن الخداع الدبلوماسي الأميركي. وبالتالي، فإن ما يحدث الآن هو مناورة تكتيكية أكثر منه تحولا استراتيجيا من جانب واشنطن، ومن غير المرجح أن يؤدي إلى النتائج التي يرغب فيها ترامب.
/انتهى/
تعليقك