وأفادت وكالة مهر للأنباء، تبدو الصين ماضية في تعزيز نفوذها، بتوسيع نطاق استخدام عملتها، ليس فقط في التعاملات التجارية، بل أيضاً أسواق الدين، في محاولة للحد من النفوذ الأميركي، وهو ما أطلقت بكين شرارته الأولى من الإمارات، الشهر الماضي، وأعلنت السعودية استعدادها للمضي قدماً في مساره.
فبنهاية مارس/ آذار، أتمت الصين أول معاملة لشراء الغاز الطبيعي المسال باليوان لدفعة قادمة من الإمارات، شملت نحو 65 ألف طن. وجاءت الخطوة الإماراتية عملياً، بعدما أعلن وزير المالية السعودي، محمد بن عبد الله الجدعان، في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ الأميركي، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن المملكة منفتحة على التجارة بعملات أخرى غير الدولار.
وجاءت الاستجابة الإماراتية والسعودية في إطار نتائج زيارة الرئيس الصيني، شين جين بينغ، للعاصمة السعودية الرياض، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ دعا آنذاك إلى أن تكون تجارة النفط مع المملكة ودول الخليج(الفارسي) باليوان.
وبينما تستعد مصر لإصدار سندات باليوان، أعلن البنك المركزي العراقي، الشهر الماضي، أنه سيسمح بتسوية تجارة الواردات مع الصين باليوان، حسبما أوردت وكالة الأنباء العراقية (واع). والعراق ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك بعد السعودية، بمتوسط يومي 4.5 ملايين برميل، يصدّر منها حوالى 3.2 ملايين برميل يومياً.
تتناسق الطوات العربية في هذا الاتجاه مع إجراءات دولية تقودها روسيا، التي أعلن رئيسها، فلاديمير بوتين، دعم استخدام اليوان في العمليات الحسابية بين موسكو ودول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، في إطار رد موسكو على العقوبات الغربية القاسية، بسبب "غزوها أوكرانيا" نهاية فبراير/ شباط من العام الماضي.
ومن أبرز التطورات التي ساهمت في تعزيز قدرة الصين على استخدام اليوان كعملة في تبادلات التجارة العالمية، إنشاء مراكز اليوان الخارجية في مدن مثل هونغ كونغ ولندن وسنغافورة، بما يسمح للشركات الأجنبية بالاحتفاظ بالأصول المقومة باليوان والاتجار بها، ويسهل عليها إجراء الأعمال التجارية مع الشركات الصينية باستخدام اليوان.
ومنذ عام 2016، أدرج صندوق النقد الدولي اليوان الصيني في سلة حقوق السحب الخاصة به، وأضافه إلى سلة عملاته الاحتياطية، إلى جانب الدولار والعملة الأوروبية الموحدة اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني، في خطوة أشارت آنذاك إلى أن اليوان أصبح عملة عالمية مهمة، ومهدت الطريق لاستخدام دولي أكبر للعملة الصينية.
ورغم أن حصة العملة الصينية في الاحتياطيات الرسمية من النقد الأجنبي حول العالم بلغت نحو 2.69% فقط بنهاية العام الماضي، وفق بيانات صندوق النقد الدولي الصادرة في وقت سابق من إبريل/ نيسان الجاري، إلا أنها تظل العملة المرشحة لمنافسة الدولار على المدى البعيد، في ضوء حجم الاقتصاد الصيني كثاني أكبر اقتصاد في العالم والطامح إلى انتزاع الصدارة من العملاق الأميركي.
وبحسب بيانات صندوق النقد، انخفضت حصة الدولار في احتياطيات النقد الأجنبي العالمية في نهاية 2022 إلى 58.36%، وهو أدنى مستوى في 27 عاماً.
وتفيد توقعات بنك الاستثمار الأميركي "مورغان ستانلي" لعام 2020 إلى أن حصة اليوان في أصول الاحتياطات الأجنبية العالمية سترتفع من 2% إلى ما بين 5% و10% بحلول عام 2030.
في الأثناء تخطت الصين نقطة فارقة في طريق تقليص اعتمادها على الدولار، إذ قفز استخدام اليوان في معاملاتها عبر الحدود متفوقاً على العملة الخضراء للمرة الأولى في مارس/ آذار الماضي، وفق بحث أجرته وحدة "بلومبيرغ إنتليجنس" نقلاً عن بيانات إدارة الدولة للنقد الأجنبي في الصين.
وارتفعت حصة العملة المحلية من المدفوعات والمبالغ المستلمة عبر الحدود إلى مستوى قياسي جديد عند 48% في نهاية الشهر الماضي من صفر تقريباً في 2010، كذلك هبطت حصة الدولار إلى 47% من 83% خلال الفترة نفسها، حسبما أظهرت الأرقام.
ويشير أستاذ الاقتصاد في معهد العلوم السياسية في باريس، ألكسندر كاتب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن الإمارات من بين موردي النفط الرئيسيين للصين، إلى جانب السعودية والعراق وإيران، لذلك فمن الطبيعي أن تتبع الاتجاه الذي بدأته الصين لشراء وارداتها من النفط والغاز باليوان.
وبالنسبة إلى شركات النفط الإماراتية، خصوصاً شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، فإن الاحتفاظ بالاحتياطي الدولاري مثير للاهتمام في هذه المرحلة، وتساعد تجارة النفط والغاز باليوان مع الصين في تحقيق هذا الهدف، حسبما يرى كاتب.
ويرجح الخبير الاقتصادي تحويل اليوان إلى دولار في الإمارات، ليغذي في النهاية سوق الصرف الأجنبي بين بنوك الدولة الخليجية والاحتياطيات الرسمية لبنكها المركزي، مشيراً إلى أنه "كلما زاد استخدام العملة الصينية على المستوى الدولي، أصبحت حيازتها ضرورية للدول الأخرى، ولا سيما تلك التي تتاجر مع الصين".
ويعد اتجاه الإمارات نحو تجارة الغاز باليوان الصيني خطوة تعزز باقي الخطوات التي أقدمت عليها دول أخرى، مثل الهند والبرازيل وإيران، لتبادل التعاملات التجارية واستكمالها، ولا سيما في مصادر الطاقة، بالعملات المحلية، خصوصاً باليوان الصيني، وهذا يعزز اتجاه السلطات الصينية لإظهار اليوان بأنه البديل الحقيقي والواقعي للدولار الأميركي، حسبما صرح الخبير في الاقتصاد السياسي، أحمد ياسين، لـ"العربي الجديد".
فالسلطات الصينية اشترت، على مرّ السنوات الماضية، وما زالت تشتري، كميات منتظمة من الذهب، ما يعكس مصداقية كبيرة لدى باقي الدول، ويعطيها رسالة مفادها أن اليوان المدعوم بالذهب أفضل من الدولار الورقي الذي تتلاعب به الولايات المتحدة كما تشاء، إذ يقوم مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) بطباعته وضخه في عجلة الاقتصاد العالمي دون اكتراث لما يسببه ذلك من أضرار اقتصادية جمة على الاقتصادات النامية والصاعدة.
ويقول ياسين إن الولايات المتحدة تحاول إشعال أزمة عسكرية بين الصين وتايوان، بهدف إضعاف الاقتصاد الصيني، مضيفاً أنه "جرى إشعال فتيل الأزمة الأوكرانية، من خلال تجاهل واشنطن المطالب الروسية بشأن عدم تأجيج الصراع، انطلاقا من قناعتها بأن إشعال الحرب في أوكرانيا سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الروسي، لكن هذا الهدف لم يُحقَّق، وهو بعيد عن التحقق في المستقبل".
ونهاية الأسبوع الماضي، نقلت بلومبيرغ عن كريس ليونغ، وهو اقتصادي في "دي بي إس بنك" قوله إن "تدويل اليوان يتسارع مع بحث الدول الأخرى عن عملة دفع بديلة لتنويع المخاطر، نظراً لأن مصداقية الاحتياطي الفيدرالي لم تعد جيدة مثلما كانت من قبل، لكننا في الوقت نفسه ما زلنا نتحدث عن طريق طويل أمامنا يتسم بهيمنة الدولار، وحصة اليوان في المدفوعات العالمية قد تظل صغيرة للأبد".
المصدر: العربي الجديد
تعليقك