وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: يقول مفوض شكاوى الجنود السابق في جيش الاحتـلال اللواء إسحاق بريك: "إننا أمام هزيـمة استراتيجية لم نشهدها منذ تأسيس البلاد، لا نستطيع إيقاف صـ.ـواريـخ حـزب اللــه ومـسيراته. ماذا سيحدث في حـرب إقليمية عندما لا يتم إطلاق عشرات بل آلاف الصــواريـخ والطائرات بدون طيار علينا كل يوم؟".
حين تكون المقاومة في لبنان على قلب رجل واحد، وكالبنيان المرصوص وهي هكذا دائماً، فلا خوف عليهم ولا على لبنان.
السيد نصر الله وقادة المقاومة في لبنان يقولون دائما: "نحن لسنا دعاة حرب ولكن إذا فرضت الحرب على لبنان فإن المقاومة ستقاتل بلا ضوابط وبلا قواعد وبلا أسقف".
وتيرة التهديدات ترتفع، النطاق الجغرافي للعمليات يتوسع بشكل ملحوظ، استخدام اسلحة جديدة من قبل المقاومة وتكتكيات حربية مختلفة لم يعهدها العدو من قبل، كل هذا ناقشته مراسلة وكالة مهر للأنباء، الأستاذة وردة سعد، مع الخبير بالشؤون "الاسرائيلية" الاستاذ علي حيدر، وجاء نص الحوار على النحو التالي:
التصريحات التي أطلقها المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، مثلت اوضح صورة للخلاف بين العسكريين ورئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو، نذكر منها: لا يمكن تدمير حماس! لا يمكن اطلاق الاسرى عسكريا! شعارات نتنياهو ذر للرماد في العيون!. كيف قرأتم هذه التصريحات وهل تتوقعون تفاقم هذا الصراع؟
من الطبيعي أن يؤدي الفشل في تحقيق الاهداف الى احداث انقسام بين المؤسسات وداخلها ازاء الخيار البديل. ولذلك نجد معالم هذا الانقسام في وسائل الاعلام وبين الخبراء وبين المؤسستين العسكرية والسياسية وبين القيادات السياسية. لكن الجديد في هذه المسألة هو خروج هذا الانقسام بين الجيش والحكومة الى العلن بشكل صريح ومباشر. وايضا على لسان الناطق الرسمي للجيش. وهو أمر نادراً ما يحدث في كيان العدو. ويعني ذلك ايضا، أن الهوة التي تفصل بينهم أصبحت واسعة.
ويبدو أن هدف الجيش من اخراج هذا الخلاف الى العلن هو الضغط على الحكومة، وايضا الكشف عن أن اعتباراتها في الاصرار على الاهداف غير قابلة التحقق، هو سياسية داخلية وحزبية، وايضا ايديولوجية.
بناء على ما تقدم يتوقع أن تستمر هذه الخلافات وتتفاقم أكثر فأكثر. وهي تبقى مفتوحة على أكثر من سيناريو خاصة وأنها تتفاعل مع عوامل خارجية وميدانية. والقاعدة تقول أنه كلما تعددت المتغيرات كلما ازداد واتسع نطاق الاحتمالات والسيناريوهات.
القاعدة المعروفة لتعريف الكيان، انه جيش أقيمت له دولة! لكن نتنياهو على ما يبدو لا تعجبه هذه القاعدة.. وهو يصر على تحميل الجيش مسؤولية تراجع الكيان وحالة العجز التي يظهر بها.. ما خلفية هذا التناقض بين المستويين العسكري والسياسي في دولة الكيان؟ وهل سبق ان وصل الخلاف الى هذا الحد؟
من الناحية القانونية والرسمية فإن الجيش ملزم بتنفيذ تعليمات الحكومة. فالجيش يلعب دوراً استشارياً قبل اتخاذ القرار، وتنفيذيا بعد اتخاذه. مع ذلك، فإن وزن الجيش في منظومة اتخاذ القرار تتجاوز هذه القاعدة القانونية.فالجيش يمكن أن يؤثر في اعتبارات الحكومة وقراراتها من خلال تقديراته التي يقدمها ازاء الخيارات المطروحة أمامها. ومع أن الحكومة غير ملزمة بالاخذ بها، إلا أنه كلما ارتفعت المخاطر وكان للجيش كلمته في هذا المجال، فإن الحكومة ستتحمل المسؤولية عن أي تداعيات يمكن أن تتلقاها اسرائيل في هذا المجال.
والتجارب التاريخية تؤكد أن حكومات العدو لم تتخذ قرارا بحرب كان يعارضها الجيش. والسبب بكل بساطة لأن من يحدد قدرة اسرائيل على صد المخاطر والكلفة التي يمكن أن يدفعها هو الجيش وهو تقدير مهني ولا علاقة للمستوى السياسي به.
في كل الاحوال، فإن رد نتنياهو على الجيش بأن" اسرائيل" دولة لها جيش وليس العكس، هو محاولة استغلال الصلاحيات القانونية التي تلزم الجيش بالالتزام بتعليمات الحكومة. ومن الجدير في هذا السياق، أن نقول بأن التعبير الأكثر ملاءمة في وصف "اسرائيل"، هي أنها "ثكنة عسكرية تتم فيها ممارسة حياة مدنية".
في الحروب تعمد الدول لتشكيل حكومات وحدة وطنية، وتأجيل الصراعات السياسية من اجل مصالح البلاد العليا.. لم يحصل هذا الامر في كيان الاحتلال هذه المرة، بل تفجرت الخلافات على اكثر من مستوى.. لماذا برأيكم وما مدى صدقية القول ان الكيان يمر بأزمة وجودية وما تأثير اليمين المتصلب في تعقيد الازمة؟
"في الواقع، تشكل بعد طوفان الاقصى ما يقرب من حكومة الوحدة عندما انضم أهم أحزاب المعارضة برئاسة بني غانتس وشريكه غادي ايزنكوت. ومن لم ينضم من المعارضة فقد قدم للحكومة الدعم التام في حربه، لكنه امتنع عن المشاركة كتسجيل موقف من مشاركة الاحزاب المتطرفة الحريدية والدينية الصهيونية.
لكن الذي حصل أنه بعد الفشل في تحقيق الاهداف المعلنة من الحرب (القضاء على حماس واستعادة الاسرى وألا تكون غزة مصدر تهديد لاسرائيل) برز الخلاف داخل الحكومة حول الخيار البديل وما إن كان ينبغي مواصلة الحرب أو الذهاب الى خيارات بديلة باتجاه نفس الاهداف عبر تبني المخطط الاميركي.
في نهاية المطاف أدى هذا الخلاف الى استقالة بني غانتس وايزنكوت، وانفضت المعارضة عن تأييد الحكومة. وسيزداد الخلاف عمقاً واتساعاً كلما تكرس الفشل وتعاظمت نتائجه.
في الشهر التاسع من المواجهة المستمرة والمتصاعدة بين جيش الاحتلال والمقاومة الاسلامية في لبنان، ما هي النتائج الفعلية التي نجمت عن هذا الصراع؟ وهل استطاعت المقاومة الاسلامية ان تحافظ على معادلات الردع التي فرضتها منذ العام ٢٠٠٦ ومساندة المقاومة في غزة في الوقت نفسه ؟
يمكن عرض مروحة من النتائج التي حققتها المقاومة، فهي الى جانب أنها قامت بدورها الديني والاخلاقي والقيمي في مساندة المظلومين، فقد أشغلت جزء هاما من قوات جيش الاحتلال الاسرائيلي الأمر الذي تسبب بنقصان الاعداد المطلوبة في المعركة في غزة، وبحسب رئيس مديرية الاستخبارات في الموساد حاييم تومار، فقد مكن ذلك حماس في الدفاع عن نفسها. ومنع الاستفراد بحماس وأهل غزة. وساهم في تعميق استنزاف العدو كجزء من الضغط عليه. وتحول الضغط العسكري الذي تمارسه الجبهة اللبنانية الى أحد العوامل الرئيسية التي تحضر لدى الادارة الاميركية من أجل الدفع نحو وقف الحرب. وايضا ساهم ذلك في تعزيز قوة ردع حزب الله في مواجهة جيش العدو. وايضا نقل جبهة المقاومة من المشروع الى حقيقة قائمة، والتأسيس لمعادلات جديدة. وأحبط ايضا سيناريو مفاجأة لبنان وحزب الله... وغيرها من النتائج.
خلاصة القول، في أعقاب هذه الحرب، سنكون أمام اسرائيل مختلفة كليا عما كانت عليه قبل طوفان الاقصى. وستتبلور في ضوء ذلك معادلات اقليمية جديدة لمصلحة جبهة المقاومة.
ما هي الرسائل التي بعث بها سماحة السيد نصر الله في خطابه بمناسبة تأبين الشهيد القائد طالب عبد الله "أبو طالب" ورفاقه؟ ولماذا اعتبر البعض ما قاله الامين العام من اخطر واهم خطاباته في فترة الحرب لمساندة غزة؟
يصح وصف الخطاب الاخير لسماحة السيد في تأبين الشهيد القائد "ابو طالب" بخطاب الردع الاستراتيجي. فهو اوضح للاسرائيلي ومعه الاميركي أن أي حرب ستشنها اسرائيل ستُقابل بحرب بلا ضوابط أو سقوف. وسيكون لذلك تداعيات كبرى على المنطقة. ومن أهم ما يميزه توقيته مع اقتراب اسرائيل من محطة مفصلية سيكون عليها اتخاذ قرارات محددة، نتيجة انتهاء معركة رفح. وانتهاء النسق القتالي القائم والانتقال الى المرحلة ج، أو المرحلة الثالثة. التي تعني استمرار العمليات الموضعية التي لا تتطلب المزيد من الحشد العسكري قرب غزة.
بالموازاة، سيكون على اسرائيل التوجه شمالا من أجل فك الارتباط عن غزة، وايضا من أجل محاولة فرض الشروط الاسرائيلية على لبنان بخصوص جنوب الليطاني. في هذه المحطة بالذات كانت رسائل حزب الله المتنوعة ومن ضمنها مواقف أمين عام حزب الله، لتبدد أية أوهام لدى العدو بأن حزب الله يمكن أن يتردد في الرد على عمق الكيان بما يتناسب مع أي اعتداءات. وايضا كي يؤكد لهم أن القدرات الدقيقة المتوفرة لديه، تستند ايضا الى معلومات استخبارية دقيقة تحدد الاهداف التي تريد استهدافها بدقة.
/انتهى/
تعليقك