وكالة مهر للأنباء: أصبحت الانتخابات العراقية موضوعاً ساخناً في وسائل الإعلام الإقليمية والدولية قبل إجرائها وبعدها. ومن بين التحليلات المنشورة، سُجِّلت محاولة الولايات المتحدة التأثير على هذه الانتخابات بهدف تقليص العلاقات بين طهران وبغداد.
أشار موقع " Eurasia Review"، في مقالٍ له حول الانتخابات العراقية، إلى أنه قبل الانتخابات، كانت الكتل السياسية العراقية قلقة بشأن انخفاض نسبة المشاركة ونتائج هذه الجولة الانتخابية، وكتب: "على عكس جميع التوقعات، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية لعام 2025 56.11%، وهو ما فاجأ الجميع، رغم إصرار مقتدى الصدر على مقاطعة الانتخابات". فاز الصدر، الذي يتمتع بقاعدة جماهيرية واسعة ومتينة، بأكبر عدد من المقاعد في انتخابات 2021 بـ 73 مقعدًا. ومع ذلك، نظرًا لعجزه عن تشكيل "حكومة أغلبية وطنية"، انسحب فصيله من البرلمان وتعهد بمقاطعة العملية السياسية.
وتابع الكاتب تحليله لأسباب تحقيق هذه النتيجة في الانتخابات العراقية، مشيرًا إلى أن عدة عوامل لعبت دورًا في هذه النتيجة: أولًا، مع رحيل الصدر، قررت مختلف مكونات "الإطار التنسيقي" المشاركة في الانتخابات بشكل منفصل، مما استقطب شريحة أوسع من الناخبين.
ثانيًا، مع ابتعاد السوداني عن "الإطار التنسيقي" الذي رشحه لرئاسة الوزراء في عام 2022 وتشكيله ائتلافًا مستقلًا للفوز بولاية ثانية، دخلت شخصيات نافذة مثل نوري المالكي، زعيم "ائتلاف دولة القانون"، وهادي العامري، زعيم منظمة بدر، الساحة السياسية، وجذبت انتباه الناخبين مجددًا.
ثالثًا، دقت الفظائع المروعة التي ارتُكبت في سوريا منذ سقوط نظام الأسد، وخاصةً ضد الأقليتين العلوية والدرزية، إلى جانب التهديدات الطائفية العلنية ضد شيعة العراق، ناقوس الخطر في المنطقة الشيعية.
رابعًا، لم يُثر فشل القادة السنة والأكراد في الاستجابة لدعوة الصدر لتحويل مقاطعة الانتخابات إلى أداة لمكافحة الفساد تساؤلات حول فعالية المقاطعة فحسب، بل سمح أيضًا لقادة إطار التنسيق بتصويرها كأداة لتثبيط عزيمة بعض الناخبين.
خامسًا، عمل مارك صوايا، مبعوث ترامب إلى العراق، المُعيّن في 19 أكتوبر/تشرين الأول، بلا كلل ليس فقط لثني الناخبين الشيعة عن دعم الكتل الموالية لإيران، بل أيضًا للتأثير بشكل صارخ على تشكيل الحكومة المقبلة. وقد وجّه مرارًا وتكرارًا تهديدات مبطنة بفرض عقوبات مُعوِّقة.
بينما أشاد صوايا بالسوداني "لقيادته البلاد في الاتجاه الصحيح"، أكد أن الولايات المتحدة تتوقع من الحكومة العراقية الجديدة تحرير البلاد مما وصفه بـ"التدخل الأجنبي المدمر، بما في ذلك التدخل الإيراني". وعكست كلماته أولويات ترامب الرئيسية: إنهاء اعتماد العراق على الطاقة الإيرانية وفصل الاقتصاد العراقي عن إيران.
يبدو أن هذه التهديدات جاءت بنتائج عكسية، إذ اعتبرها الناخبون العراقيون تدخلاً سافراً في سيادة البلاد.
من وجهة نظر ترامب، لا يمكن تحقيق أي من أهداف سياسته في العراق دون كبح "النفوذ الإيراني"، وهو نفوذ لطالما ارتبط بقوات الحشد الشعبي، وهي ائتلاف حكومي من قوى شيعية في الغالب، شُكّل رداً على فتوى أصدرها آية الله العظمى السيستاني عام ٢٠١٤ لمواجهة داعش. وليس من المستغرب أن ينصب تركيز ترامب الأساسي على الضغط على الحكومة العراقية لإضعاف قوات الحشد الشعبي.
استغل ترامب قمة "سلام غزة" في شرم الشيخ في 13 أكتوبر/تشرين الأول لإيصال رسالة حادة إلى بغداد عبر السوداني: "العراق يمتلك كميات هائلة من النفط، ولا يدري ما يفعله به"، واصفًا إياه بـ"المشكلة الكبرى".
بدأ ترامب ولايته الثانية برحلة إلى السعودية وقطر والإمارات في 13 مايو/أيار، تحدث خلالها عن "جني 5 تريليونات دولار"، وفي الدوحة، أعلن أن "على إيران أن تشكر أمير قطر بجدية، فهناك آخرون يريدون منا ضرب إيران بقوة، على عكس قطر". ويضيف الكاتب أن بعض دول مجلس التعاون الخليج الفارسي ربما كانت تشير إلى قطر.
كتب كاتب هذا التقرير، مشيرًا إلى أن الحد من نفوذ قوات الحشد الشعبي هو مشروع مشترك بين الولايات المتحدة وبعض الدول العربية في المنطقة: "على الرغم من مشاركتها في هجمات ضد إسرائيل، لم تُستهدف قوات الحشد الشعبي حتى الآن". الحقيقة هي أن ترامب يشعر بقلق بالغ إزاء عدم استقرار العراق والقفزة غير المنضبطة في أسعار النفط، ولذلك امتنع عن مهاجمة قوات الحشد الشعبي.
استمرارًا لحملة ترامب لزيادة الضغط على قوات الحشد الشعبي، أجبر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الحكومة والبرلمان العراقيين على التخلي عن مشروع قانون "هيئة الحشد الشعبي" الجديد، بحجة أن إقرار مثل هذا القانون من شأنه أن يعزز نفوذ إيران. في أكتوبر/تشرين الأول 2025، ذكّر روبيو السوداني مجددًا بأن "نزع سلاح القوات المدعومة من إيران أمرٌ مُلح".
مع انتهاء التصويت، بدأت المفاوضات السياسية بين الكتل. ورغم أن ائتلاف السوداني تصدّر الانتخابات بـ 46 مقعدًا، إلا أنه لا يزال بعيدًا عن الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة بسرعة أو ضمان جولة ثانية. وقد أظهرت التجربة في السنوات الأخيرة أن عدد المقاعد أو مستوى المشاركة لا يُحددان رئيس الوزراء.
في نظام تقاسم السلطة العراقي، تُوزّع المناصب على أسس طائفية وعرقية: يُعيّن الشيعة رئيس الوزراء، ويُعيّن السنة رئيس البرلمان، ويُعيّن الأكراد الرئيس. والجزء الأصعب هو انتخاب الرئيس، الذي يحتاج إلى 220 صوتًا، ثم دعوة مرشح الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة.
ويُحلل الكاتب أن فرص السوداني في الفوز بولاية ثانية، في ظل الظروف الراهنة، ضئيلة، قائلاً: "إلا إذا استطاع إقناع ترامب بأن مصالح أمريكا تُخدم بشكل أفضل باتباع نهج أكثر مرونة من نهج المواجهة، بدلًا من تحييد الانتخابات العراقية بجرّ بغداد إلى المحور الأمريكي وإبعادها عن طهران. هذا السيناريو بعيد المنال نوعًا ما".
وبناءً على ذلك، لم يكن أمام السوداني خيار سوى العودة إلى إطار التنسيق المُعلن في 18 أكتوبر/تشرين الأول، مما يزيد بشكل كبير من احتمال انهيار ائتلافه المُكوّن من سبعة أحزاب وغير المُتماسك.
/انتهى/
تعليقك