وكالة مهر للأنباء ـ يعتبر حسين نصر فيلسوفا إسلامي معاصرا يعمل بروفسورا في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة جورج واشنطن، وهو فيلسوف إيراني بارز، ولديه العديد من المؤلفات والمقالات . اشتهر سيد حسين نصر في مجال مقارنة الأديان والصوفية وفلسفة العلم والميتافيزيا وفلسفته تتضمن نقد ورفض شديد للحداثة وتأثيرها السلبي على روح الإنسان .
وُلِدَ حسين نصر في 7 أبريل 1933 في العاصمة الإيرانية طهران لعائلة تنحدر من سلالة أطباء و رجال دين معروفين. كان والده ولي الله نصر طبيبًا معروفًا، وأديبًا وباحثًا، ومن أبرز الذين صاغوا نظام التعليم الجديد في إيران. ينتهي نسب حسين نصر إلی النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) ولذلك يقدّم حسين نصر كلمة «سيّد» قبل اسمه؛وهو لقب تبجيل، يؤشر للانتماء إلی هذا النسب الشريف، المتداول في المجتمع الإيراني. كان جدّه أحمد نصر طبيبًا للملك الايراني مظفر الدين شاه وقد مَنَحَهُ الملك لقب نصرالأطبّاء تقديرًا لخدماته وشكرًا لمجهوداته؛ وَمِن هُنا يأتي اسم عائلة حسين نصر. أمّا والدته فهي حفيدة الشيخ فضل الله النوري الذي أعدم سنة 1906 أيام الثورة الدستورية، والمعروف بشهید المشروطة .
عندما أتمّ حسين نصر دراسته الابتدائية في مدرسة قريبة من منزله في طهران، قرر والده أن يرسله إلی الولايات المتحدة ليستكمل دراسته هناك. فودع حسين نصر والديه ورحل من وطنه إلی نيويورك وهو ابن اثني عشر سنة. أتمّ نصر دراسته الثانوية في مدرسة بيدي في نيوجرسي؛ ثُمَّ حصل علی البكالوريوس في الفيزياء من جامعة إم.آی.تي وعلی الماجيستر في الجيولوجيا والجغرافية الفيزيائية من جامعة هارفارد. وفي العام 1958، حصل علی درجة الدكتوراة في الفلسفة وتاريخ العلوم أيضًا من جامعة هارفارد؛ لكنّه كان يبحث عن شیء آخر، كما جاء في سيرته الذاتية: "ذات مرة، جاء الأستاذ بيرتراند راسل إلی جامعتنا وقال لنا أنَّ الفيزياء لا تتحدث عن حقائق الأشياء ولا عن ماهياتها. فَصَدّقتُ قوله وعرفتُ يقينًا أنَّ الفيزياء لَيسَت ضالتي. فأتممتُ دراساتي في مجال الفيزياء لكن قلبي بقي مع الحكمة الإلهية والإسلامية."
فيما يخص نظرته للدين والطبيعة فإنه يعتقد أن البشر في تاريخه الطويل تعايش مع الطبيعة فاستخدمها لمصالحه ولم يحاول تدميرها واستنفاد طاقاتها وثرواتها فالطبيعة کانت تمثل له مخلوق الهي قدمها الله للبشر فکان ينظر لها نظرة قدسية وکان يعتبر نفسه جزءا من هذه الطبيعة التي يعيش فيها ومعها ولکن العلم الحديث جعل من الطبيعة کائنا ميتا منفصلا عن البشر فحاول تسخيرها والهيمنة الکاملة عليها واستخراج کل ثرواتها بل تدميرها وفناءها کما نشاهد الآن انقراض عدد کبير من اصناف الحيوانات والنباتات وحرق وقلع مساحات کبيرة من الغابات وغير ذلک مما سبب أزمات بيئية خطيرة علی الحياة البشرية فهناک - إذن - حاجة ماسة لرؤية دينية تجاه الطبيعة للحفاظ عليها بوصفها امانة من الله بايدينا.
و يقصد السيد حسين نصر من التراث کل المکونات التي تجذرت من الوحي المحمدي وانتشرت عبر التاريخ والحضارة الإسلامية فالوحي عندما بدأ بالهبوط من السماء لم يتوقف بل استمر بعد النبي محمد عبر تجلياته وتطبيقاته في الحياة البشرية من فن وفلسفة وعرفان ولاهوت وغير ذلک فالوحي هو کائن حي متصل بالسماء وينبوع للحاجة الروحية للإنسان في کل العصور, ويمكن تشبيهه بشجرة جذورها ممتدة في اعماق الأرض وفروعها وغصونها واوراقها تتجه شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. القرآن والسنة - بوصفهما وصفتان متکاملتان للوحي الإسلامي - يشکلان مصدراً غنياً ومتنوعاً لمجموعة واسعة من الافکار والتقاليد والطقوس والفنون التي ظهرت في امتداد الحضارة الإسلامية.
فالوحي لا يشکل وصفة محددة ضيقة للحياة تفرض علينا طريقة واحدة لممارسة الحياة الفردية والاجتماعية بل هو مصدر شامل يحدد الاتجاهات الرئيسية للحياة ويتناسب مع مجموعة متنوعة من الممارسات الدينية المعمول بها في أنحاء العالم الإسلامي من المحيط الأطلسي الی جنوب شرق آسيا فمثلا الحجاب القرآني يشمل التقاليد المختلفة في هذه البلدان ولا يعني نوع خاص من الملبس يجب أن يطبق علی جميع النساء في کل الثقافات المتنوعة الإسلامية والغاء کل الخصوصيات الثقافية للشعوب الإسلامية.
هذه النظرة الشمولية للوحي ليس معناها الحکم بصحة کل النظريات والافکار والرؤی التي ظهرت في تاريخ الحضارة الإسلامية بل التاکيد علی الاصل الوحياني للتراث وضرورة نقد التراث علی أساس بنيته الداخلية خلافا لما يفعله الحداثويون من نقد علماني للتراث والوحي.
وأما رأی حسين نصر في العصر الحاضر «جاهلية جديدة، يجب أن تحطّم فيها أصنام المدارس الباطلة»؛ وظهرت لديه مراجعات نقدية موسعة تتخلص في: أن الحداثة تتوكأ علی المشاهدة والاختبار والتجريب؛ كما انّها لا تعير أهمية إلا للعقل الأداتي الجزئي الاستدلالي، الذي لا شأن له سوی الاستدلال طبق قواعد المنطق الصوري. الأهلية الوحيدة لهذا العقل هي أن يصبّ القضايا المتأتية عن المشاهدة والاختبار والتجربة الحسية الظاهرية في قوالب الاستدلالات المنطقية المنتجة، ويقدم نتائج جديدة. تتخذ الحداثة فيما يتصل بوجود الله، موقف الإنكار أو اللاادرية علی الأقل. مركزية الإنسان، بمعنی أن خدمة الإنسان تمثل الهدف الأول والوحيد للحداثة ويحتل الإنسان مكانة الله. ونتيجة الحداثة تفشّت النزعة الفردية، أي أنّ كل همّها يتجسد في صيانة حقوق الفرد وضمان استقلاله. لا يكف حسين نصر علی التنديد بالحداثة الغربية وهجاء مكاسبها. الإلحاح علی أن الشرق هو رمز النور والعقل والمعنوية؛ والغرب مثال الظلام والانحطاط والمادية، وأن الإنسان الحديث صنع لنفسه عالمًا خاصًا بيده، هو عالم نسيان الله، والتمرد علی الله، وتفريغ المعرفة من مضمونها المقدس، وتغييب الله مقابل التشديد علی مركزية الإنسان، وطغيان النزعة الفردية، وانهيار هوية العائلة، والتضحية بمسؤولية الإنسان حيال الله لصالح حقوق الإنسان، وتدمير الطبيعة. وخلص نصر إلی أن خير العالم الجديد عَرَضي، وشرّه ذاتي؛ أمّا خير عالم الماضي فهو ذاتي، وشرّه عرضي. /انتهى/
تعليقك