تشکل الطائفية في لبنان المعضلة الأساسية والعبء المترسخ منذ أن تم التوقيع على إتفاقية "سايكس بيكو" التي أدت إلى تقسيم، إذ يزداد تأثيرها السلبي على الدولة والمجتمع اللبنانی، مع تزايد الازمات الداخلية والصراعات الاقليمية والدولية.
تعدد الاديان والطوائف في لبنان ليس هو المشكلة، بل المشكلة تكمن في النظام الطائفي، في نظام ادارة المجتمع والدولة على اساس طائفي، مما يتيح إستخدام الدين والطائفة في التجاذبات والصراعات الطبقية السياسية لقوى داخلية وخارجية ذات مصالح خاصة بها ومتعارضة.
في هذا السياق أجرت وكالة مهر للأنباء حوارا مع الباحثة لإجتماعية والأستاذة في كلية الحقوق والعلوم السياسية وأيضا كلية العلوم الإجتماعية في الجامعة اللبنانية وإخصائية في شؤون الفساد الدكتورة "لور أبي خليل"، فيما يلي نص الحوار:
س: ما هي عدد الطوائف في لبنان وكيف تتموضع جغرافياً؟
ج: هناك 18 طائفة في لبنان. تم اضافة طائفة أخرى أخيرا وهي طائفة الاقباط، إذ أصبحت ضمن قائمة الطوائف في لبنان بشكل رسمي.
الموارنة يتواجدون في جبل لبنان وقسم من الشمال وبعض المناطق في الجنوب وبالنسبة لبيروت أنهم يتواجدون في منطقة الأشرفية، وهناك بالجبل يتواجد المنتمون لطائفة الدروز، الشيعة يتموضعون في جنوب لبنان وبعض المناطق من بيروت، بينما السنة يتواجدون في شمال لبنان بمنطقة طرابلس وعكار وفي بيروت ومنطقة صيدا بجنوب لبنان، والبقاع في لبنان يتواجد به كل من الشيعة والسنة والمسيحيين.
س: كيف تتطورت الطوائف في لبنان منذ نهاية الاحتلال العثماني إلى اليوم؟
ج: الطائفية لقد ظهرت في لبنان منذ تكوين الكيان العثماني وتجذرت عند مجيء الإنتداب الفرنسي، وكانت إتفاقية "سايسبيكو" التي جاءت بتقسيم المنطقة هي العمود الفقري في تجذر الطائفية في لبنان، إذ أدت إلى محاصصة السلطة اللبنانية بين ثلاث الطوائف، الطائفة المارونية والطائفة السنية والطائفة الشيعية.
نستطيع القول بأن معظم الأحزاب في لبنان هي أحزاب طائفية، إلا حزبان وهما الحزب "الشيوعي" وحزب "السوري القومي الإجتماعي". حضور هذين الحزبين ليس ملحوظا بشكل واضح لأنه غير محصور بمنطقة واحدة، بل أنهم متوزعون في كافة المناطق اللبنانية.
س: ما هو تأثير الطائفية على المشهد السياسي في لبنان وخارجه؟
ج: الطائفية في لبنان أدت إلى تقسيم لبنان مناطقيا بحسب الطوائف وادخلت مفهوم الفساد الذي إستشرى في المؤسسات الحكومية وكانت لهذا تداعيات على الحياة السياسية في لبنان.
تمارس الطوائف والأحزاب الطائفية وزعماء الطوائف في النظام اللبناني، السلطة على الجهاز الإداري والجهاز التربوي والجهاز القضائي والجهاز الأمني، مما أدى الى تفشي الفساد في الأجهزة والدولة اللبنانية سواء في الإدارات والمؤسسات والقضاء.
كما ان الطائفية في لبنان أثرت على الدول المجاورة عبر العلاقات. فأصبحوا زعماء الطوائف مرتهنين للدول الأجنبية، وذلك لأنهم يحتاجون لحماية دولة إقليمية أو غير إقليمية. في سبيل المثال بالنسبة للطائفة المسيحية فإن زعمائها يشعرون أنهم ينتمون إما لأمريكا وأما لفرنسا، وزعماء السنة يعتبرون أنهم ينتمون للمملكة العربية السعودية، وأن هناك عدة إحتمالات تتحدث عن ان الطائفة الشيعية هي طائفة تابعة لإيران والسبب في هذا الإرتماء هو أن هذه الطوائف تشعر بأن تلك الجهات تشكل حاضنة طبيعية بالنسبة لها.
ولهذا السبب نستطيع القول بأن الطائفية هي السبب في عدم إستطاعة الكيان اللبناني في تحقيق إستقلاليته، لدرجة أن المواطن اللبناني لا يستطيع يمارس حقه في الدخول الى الوظيفة العامة دون أن ينتمي إلى طائفة محددة. وذلك ما يؤدي إلى الإعتراف بأن مفهوم السيادة الوطنية غير موجود في لبنان.
س: هل كانت الطائفية هي السبب الأقوى في الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت نحو 15 عاماً؟
ج: وجود الطائفية والأحزاب المنتمية للطوائف مهد الطريق لإشتعال فتيل الحرب الاهلية في لبنان، وهناك حروب مستمرة متجذرة بسبب وجود الطائفية المتأصلة بالأحزاب والمناطق اللبنانية.
س: هل يخدم نظام المحاصصة الطائفية بلبنان؟
ج: بالطبع أن نظام المحاصصة يخدم الطائفية في لبنان، لأن كل حصة ترى من حقها أن توظف و ترى أن من حقها أن تتمثل في السلطة، وهنا ينتفي معيار الكفائة والجدارة في الوصول الى المراكز السياسية او في المشاركة في الإدارات العامة، وهذا الأمر يعيق التننمية الإجتماعية.
س: هل تعتقد ان الاجيال الجديدة في لبنان والتي تقوم بالحراك مقتنعة بهذا التوزيع السياسي الطائفي في لبنان؟
ج: الشباب الذين يقومون بالحراك هم غير راضين على التوزيع الطائفي في لبنان، وهذه المسألة تشكل محور الشعارات التي يهتفون بها عند نزولهم بالشارع.
المشكلة بهذا الحراك هو إننا لا نرى مشروع واضح لهؤلاء الشباب ولا نظرة إستراتيجية واضحة. انهم متواجدون بشعارات تهتف ب"كلا للفساد وكلا للإرهاب وكلا للطائفية"، فتجذب المواطن اللبناني، لكنها تفتقد لجدوى إستراتيجية لوضع خطة لنهوض المجتمع اللبناني، كما أن وسائل الإعلام تحدثت عن إرتهان هؤلاء الشباب إلى جهات أجنبية سيما أمريكا وإلى جمعيات أجنبية، تمول حراك هؤلاء الشباب.
الجدير بالذكر ان هذا الشيء لا يمكن تعميمه على الجميع من يشارك بالحراك، بل هناك بعض الشباب والأكادميين بالفعل يريدون إحداث تغيير جذري بالمجتمع اللبناني، لكن الحديث يشمل المنظمون لهذا الحراك بشكل عام.
س: ما مستقبل لبنان مع استمرار المحاصصة السياسية الطائفية؟
ج: الحرب الدائرة في سوريا بنيت على أسس الطائفية على غرار الحرب التي اشتعلت منذ عام 1975 بلبنان وأدت إلى تمزق النسيج المجتمع اللبناني. لبنان لازال لحد الآن يعاني هذا التفكك الإجتماعي الخطر الذي نجم عن الحرب الأهلية التي دامت لأكثر من 15 عاما واودت بمؤسسات لبنان وحداثته الإجتماعية وكادت أن تضع لبنان في زمرة الدول الفاشلة، التي سقطت بسبب الطائفية، التي هي الأساس تدمير المجتمع وتفكيكيه.
انتقلت عدوى الطائفية من المجتمع اللبناني إلى المجتمع السوري، وأصبحت هي المحرك الأساسي في شن الحرب في سوريا. حتى الشعارات التي شكلت المحفز والمشجع لدى الشباب والأشخاص الطائفيين، كانت ذي صبغة طائفية ولعبت دورا هداما دون ان تساعد بتاتا لبناء دولة.
واؤكد أن اسرائيل هي الراغبة الأساسية لإبقاء القوى في لبنان طائفية مقسمة، لأن الوحدة الإجتماعية تشكل خطرا كبيرا على إسرائيل. من مصلحة الكيان الصهيوني ودورها أن تعمق الشرخ في المجتمع اللبناني وذلك لايحصل إلا من خلال الزج بالتعصبات الطائفية السياسية والغير سياسية.
إنني أرى ان الهاجس الأكبر الذي يؤرق الكيان الصهيوني هو كيفية زرع ثقافة هدامة في المجتمع اللبناني، من خلالها يشد هذا المجتمع أعصابه لإنتمائه الطائفي وليس لإنتمائه الوطني والقومي.
وهنا اريد أن اشير الى أن الطائفية في لبنان تحولت إلى المذهبية، ولذلك اصبح اللبناني متعصبا لمذهبه وليس لطائفته، وهذا يشكل خطرا كبيرا في تطور المجتمع اللبناني وتماسكه الإجتماعي وفي التنمية./انتهى/
أجرت الحوار: مريم معمارزاده
تعليقك