وكالة مهر للانباء: كشفت حرب غزة وما رافقها من مجازر وحشية لا إنسانية ارتكبها الكيان الصهيوني القاتل للأطفال والمجرم، عن الوجه الدموي الحقيقي لهذه الغدّة السرطانية ذات الجذور الاستعمارية البريطانية في منطقة غرب آسيا؛ ذلك الوجه الذي حاول حكّام هذا الكيان الإجرامي إخفاءه لعقود طويلة. غير أنّ دماء الأطفال والنساء الفلسطينيين المظلومين عرّت طبيعته العنصرية والأبارتهايدية أمام الرأي العام العالمي، وأسقطت مشروع «المظلومية» الصهيوني، إلى الحدّ الذي عجز فيه حتى الداعمون الأوروبيون لهذا الكيان غير الشرعي عن تبرير جرائمه أمام مجتمعاتهم.
وكان الصهاينة يعتقدون، وفق أوهامهم، أنّهم حسموا ساحة المواجهة عبر التصفية الجسدية لخصومهم وإبعاد الخطر عن أنفسهم، غير أنّهم سرعان ما أدركوا أنّ الصورة البغيضة التي تشكّلت عنهم في العالم باتت أخطر عليهم بكثير من المجاهدين الفلسطينيين واللبنانيين. ومن هنا، شرعوا في السعي المحموم إلى تلميع صورتهم المشوّهة عالميًا.
ويُظهر التاريخ أنّ «الإيذاء الذاتي» شكّل إحدى الأدوات التي لجأ إليها الصهاينة مرارًا لتحقيق أهدافهم. وتُعدّ تفجيرات عام 1950 في العراق، التي استهدفت الجالية اليهودية وأسفرت عن هجرة أعداد كبيرة من يهود العراق إلى الأراضي المحتلة، نموذجًا واضحًا على ذلك. وينبغي التنبيه إلى أنّ الحركة الصهيونية، ولا سيّما حزب الليكود المتطرّف، لا تتردّد في التضحية حتى بالذين جمعتهم تحت مسمّى «دولة اليهود»، إذا كان ذلك يخدم أهدافها السياسية.
وانطلاقًا من هذا السياق، يمكن قراءة عملية الاغتيال التي وقعت خلال احتفال وطني لليهود في أستراليا ضمن إطار الاغتيالات الموجّهة التي ينفّذها جهاز الموساد، وبوصفها شكلًا من أشكال «الإيذاء الذاتي» الهادف إلى تحقيق غايات أكبر بالنسبة للصهاينة. كما أنّ ردّ الفعل المتسرّع لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، حين سارع في أول تصريح له إلى ربط حادثة سيدني بالسياسة الخارجية للحكومة الأسترالية، واعتبارها نتيجة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، قد زاد من غموض الحادثة وعزّز الشكوك حول تورّط الصهاينة في هذا العمل الدموي.
وبناءً على هذه القرائن والمؤشّرات، يمكن تحليل حادثة سيدني في إطار عمليات التضليل الصهيونية؛ إذ إنّ مثل هذه الاغتيالات العشوائية لا تحقّق أي مكسب حقيقي لقوى المقاومة، ولا تسهم في دعم مسارها أو تعزيز أهدافها الاستراتيجية.
إنّ مخطّطي غرف التفكير في جهاز الموساد، كما أخطأوا في حساباتهم في ما يتعلّق بإيران ثم قطر، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فقد وقعوا هذه المرّة أيضًا في خطأ استراتيجي جسيم، لن تكون نتائجه سوى المزيد من الخسارة والفشل.
"بقلم: محمد كاظم كاظمي، محلل في الشؤون السياسية و الدولية"
/انتهى/
تعليقك