١٧‏/١٢‏/٢٠٢٥، ٢:١٦ م

الصين ترى ضرورة تحرك إيران وجيرانها نحو آلية أمنية لتحقيق الاستقرار في الخليج الفارسي

الصين ترى ضرورة تحرك إيران وجيرانها نحو آلية أمنية لتحقيق الاستقرار في الخليج الفارسي

تُذكّرنا رؤية بكين للشرق الأوسط بأن استقرار الخليج الفارسي يتطلب في نهاية المطاف تعاون إيران مع جيرانها والتحرك نحو ترتيبات أمنية أقل توتراً. بعبارة أخرى، بينما تبقى الولايات المتحدة وإيران خصمين استراتيجيين، فإن الاستقرار الإقليمي يعتمد على التفاعل البراغماتي، لا المواجهة العسكرية.

وكالة مهر للأنباء: يكتب موقع "الأهرام أونلاين" الإخباري التحليلي في تقرير بعنوان "الصين والشرق الأوسط: تحولات هادئة، عواقب وخيمة" بقلم أحمد قنديل، الباحث والكاتب والمحلل المصري البارز في مجال السياسة الدولية وعلاقات الشرق الأوسط مع القوى الكبرى: لعقود، اتسم الشرق الأوسط بالحرب والتدخل الأجنبي وظل التنافس الدائم بين القوى العظمى. من وجود القوات الأمريكية في بغداد إلى الغارات الجوية الروسية في سوريا، ومن المستوطنات الإسرائيلية إلى محور المقاومة بقيادة إيران، لطالما بدت المنطقة وكأنها رقعة شطرنج للقوى الخارجية.

مع ذلك، يشير مؤتمر عُقد مؤخرًا في بكين إلى أن الشرق الأوسط قد يدخل مرحلة أكثر هدوءًا وتعقيدًا، مرحلةٌ يتزايد فيها تأثير النفوذ الاقتصادي والتكنولوجيا والدبلوماسية البراغماتية في تشكيل النتائج، بينما يتراجع دور التفوق العسكري التقليدي إلى مرتبة ثانوية. وقد جمع مؤتمر نوفمبر 2025، الذي حمل عنوان "الصين والشرق الأوسط: يدًا بيد من أجل السلام والتنمية الإقليميين"، خبراء من الصين ومصر والولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وإيران والمملكة العربية السعودية. وترأس المؤتمر البروفيسور "وو بينغ بينغ" من جامعة بكين، وعُقد بالتزامن مع مؤتمر "فهم الصين 2025" الأوسع نطاقًا.

وكان أبرز ما لفت الانتباه هو النظرة البراغماتية الصينية للشرق الأوسط؛ فالمنطقة، كما يُصوَّر غالبًا، لا تنزلق إلى الفوضى، بل تمر بعملية إعادة تنظيم استراتيجي. وترى بكين أن المشهد لا يتحدد بحروب بالوكالة أو صراعات أيديولوجية، بل بصراعات محلية، وتغيرات في موازين القوى الإقليمية، وصعود تدريجي للنفوذ الاقتصادي. يكمن جوهر هذه الرؤية في إدراك أن الهيمنة الأمريكية لم تعد مطلقة. فبينما لا تزال واشنطن تمتلك أصولاً عسكرية كبيرة، ولديها أكثر من 40 ألف جندي متمركزين في المنطقة، فإن قدرتها على إحداث التغيير تتضاءل.

تنشأ الأزمات، من اليمن إلى لبنان وسوريا والسودان وليبيا وغزة، بشكل متزايد من ديناميات داخلية، وصراعات هوية، وصراعات على السلطة المحلية، وتنافسات إقليمية، بدلاً من كونها نتاج مخططات استراتيجية لعواصم بعيدة. في هذا السياق الجديد، لم يعد الفاعلون الإقليميون سلبيين، بل أصبحوا مهندسين فاعلين لأزماتهم، وربما لحلولها.

إن فهم الصين لمدى التدخل الأمريكي دقيق ومتعدد الأوجه. لا تزال واشنطن تعتمد على وكلاء، وخاصة إسرائيل، لحماية مصالحها، لكن حتى هذا النهج يواجه قيوداً، تتفاقم بفعل التوتر بين الأولويات الاستراتيجية الأمريكية والسياسة الداخلية الإسرائيلية. يُنظر إلى إيران على أنها تحدٍ مزدوج، استراتيجي وأيديولوجي. مع ذلك، تُشير بكين إلى أن استقرار الخليج الفارسي يتطلب في نهاية المطاف من إيران الانخراط مع جيرانها والتحرك نحو ترتيبات أمنية أقل توتراً. بعبارة أخرى، بينما تبقى الولايات المتحدة وإيران خصمين استراتيجيين، فإن الاستقرار الإقليمي يعتمد على الانخراط العملي لا المواجهة العسكرية.

يُراقب المحللون الصينيون طموحات إسرائيل وتحركاتها عن كثب. غالباً ما يُوصف الصراع في غزة بأنه كارثة إنسانية تكشف الفجوة المتزايدة بين أهداف أمريكا المعلنة والواقع على الأرض. يُنظر إلى التوسعات الإقليمية الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس وأجزاء من سوريا على أنها محاولة لترسيخ النفوذ وسط تحولات إقليمية ديناميكية، لا سيما في ظل إمكانية التعاون التركي الإيراني. في الوقت نفسه، تُنظر إلى مبادرات التطبيع التي تقودها الولايات المتحدة، مثل اتفاقيات أبراهام، بعين الشك؛ فاستمرار الصراع والسياسات الإسرائيلية المتشددة يجعلان التقدم على المدى القصير أمراً مستبعداً.

ولعلّ أبرز ما في الأمر هو تركيز الصين على التحول الاقتصادي في الخليج الفارسي. فالسعودية والإمارات وقطر لا تكتفي بتنويع اقتصاداتها فحسب، بل تُعيد تعريف أدوارها الإقليمية. تُعيد مبادرات الذكاء الاصطناعي، وممرات التجارة التي تربط الهند بأوروبا، ومشاريع البنية التحتية الاستراتيجية، تشكيل الجغرافيا الاقتصادية للمنطقة. ومن وجهة نظر بكين، تُعدّ هذه التطورات فرصًا لا تهديدات. بإمكان دول الخليج الفارسي الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من الصين والولايات المتحدة، ما يُقلل اعتمادها على المظلة العسكرية الأمريكية، ويُعمّق في الوقت نفسه الروابط التجارية والتكنولوجية مع الصين. للصين وجود اقتصادي، لا عسكري. فمن خلال مبادرة الحزام والطريق واتفاقيات تجارية ضخمة، أصبحت بكين أكبر مستورد للنفط والغاز في الشرق الأوسط. ويقارب إجمالي التجارة الثنائية بين الصين والمنطقة 500 مليار دولار، أي ثلاثة أضعاف إجمالي التجارة مع الولايات المتحدة، بينما لا تزال مبيعات الأسلحة الصينية ضئيلة. ويؤكد المحللون الصينيون أن التنافس بين الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط اقتصادي وتكنولوجي، وليس عسكريًا، ويركز على الطاقة والخدمات اللوجستية والابتكار، لا على الدبابات أو الطائرات المقاتلة.

يفتح هذا النهج الذي يتبعه الخبراء الصينيون تجاه المنطقة الباب أمام تعاون غير تقليدي. فكل من بكين وواشنطن مهتمتان باستقرار أسواق الطاقة وتجنب الصراعات واسعة النطاق. في المقابل، تستطيع دول المنطقة الحفاظ على علاقات متوازنة مع كلتا القوتين. يدخل الشرق الأوسط مرحلةً يطغى فيها النفوذ الاقتصادي على التفوق العسكري، وتتزايد فيها المنافسة الاستراتيجية عبر التجارة والتكنولوجيا والاستثمار. من المرجح أن يركز دور الصين على شراكات التنمية والابتكار، لا على القوة العسكرية؛ وهذا يمثل فرصةً غير مسبوقة لتحقيق التكامل والاستقرار والنمو في المنطقة. في الوقت نفسه، تسعى بكين إلى تعظيم نفوذها دون صراع سياسي أو عسكري. ولأول مرة منذ عقود، تعتقد بكين أن الشرق الأوسط يمكن أن يصبح ساحةً للتقارب بدلاً من المواجهة الإقليمية، وأن تُرسَم خارطة الطريق لا بالعنف بل بلغة المصالح المشتركة. من قلب بكين، يتبلور شرق أوسط جديد ببطء: شرق الأوسط يتسم بالبراغماتية والابتكار الاقتصادي والدبلوماسية المرنة. ترى الصين في المنطقة ساحةً للفرص، بينما تعتبرها الولايات المتحدة منطقةً ذات أهمية استراتيجية. في ظل هذا الواقع الجديد، قد يتمكن الشرق الأوسط أخيرًا من التحرر من دوامات الصراع التي لا تنتهي، ورسم مسارٍ يستبدل فيه التنمية والتعاون والانخراط العملي الحرب والتنافس. بالنسبة لصناع السياسات والمحللين والمواطنين، يُعد هذا تحولًا جديرًا بالفهم، وربما جديرًا بالاستثمار.

/انتهى/

رمز الخبر 1966291

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha