٠٧‏/٠٥‏/٢٠١٨، ٤:١١ م

انتخابات لبنان تغير موازين القوى وحزب الله الرابح النهائي

انتخابات لبنان تغير موازين القوى وحزب الله الرابح النهائي

شهد لبنان امس الاحد يوما انتخابيا طويلا لاختيار برلمان جديد، لأول مرة منذ تسع سنوات، وسط إقبال لم يلب توقعات الأحزاب السياسية التي سارعت إلى شد عصب قواعدها في الساعات الأخيرة، ليستفيق اللبنانيون، اليوم الاثنين، على نتائج شبه نهائية للتصويت، من شأنها أن ترسم خريطة جديدة للتحالفات داخل البرلمان اللبناني الجديد.

الانتخابات النيابية، التي جرت للمرّة الأولى بعد تعديل النظام النسبي، من خلال ما يسمّى "الصوت التفضيلي" والتقسيم الطائفي للمقاعد الانتخابية، جاءت نتائجها بعكس ما أراد مشرعو القانون الانتخابي الجديد، لا سيما "تيار المستقبل" الذي يتزعمه رئيس الوزراء سعد الحريري، والذي تكبّد خسارة كبيرة في العاصمة بيروت، و"التيار الوطني الحر" المسيحي، الذراع السياسي للعهد الرئاسي، والذي يتزعمه وزير الخارجية جبران باسيل، زوج ابنة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي أسس "التيار البرتقالي" وقاده حتى انتخابه رئيساً للبلاد في تشرين الأول/ اكتوبر 2016.

في المقابل، فإنّ "حزب الله"، كان الرابح الأكبر في هذه الانتخابات، إلى جانب "حركة أمل"، المنضوية معه في تحالف تاريخي، بعدما ثبتت اللائحة المشتركة لهذا الثنائي مواقعها الانتخابية في الدوائر التي تشكّل معقلاً لها، وتعد خزّانها البشري، في جنوب لبنان والبقاع، وإيصال ممثلين له في العاصمة بيروت، وعدد من حلفائه في دوائر أخرى، حتى أن البعض في لبنان وصف النتيجة الانتخابية التي حققها بـ"7 أيار البرلماني"، في إشارة إلى أحداث السابع من أيار/ مايو عام 2008، حين تحرّك "حزب الله" عسكرياً ضد خصومه، لا سيما "تيار المستقبل"، في بيروت وعدد من المناطق اللبنانية.

وشارك أقل من نصف الناخبين المسجلين في لبنان في عملية الاقتراع التي جرت للمرة الأولى بموجب قانون جديد يقوم على النظام النسبي، ما دفع القوى السياسية إلى تحالفات غير تقليدية جمعت حتى بين الخصوم.

وأعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق منتصف ليل الأحد الاثنين أن "نسبة المشاركة بلغت 49.20 في المئة، مقارنة مع 54 في المئة العام 2009"، معتبراً أن "عملية الانتخاب كانت بطيئة جداً" نتيجة القانون الجديد بعد عقود اعتمد فيها لبنان النظام الأكثري.  وبلغ عدد الناخبين المسجلين الذين يحق لهم الاقتراع أكثر من 3.7 ملايين شخص. وتنافس 597 مرشحاً بينهم 86 امرأة، للوصول إلى البرلمان الموزع مناصفة بين المسيحيين والمسلمين في البلد الصغير ذي التركيبة الطائفية الهشة.

ولم يلبّ إقبال المواطنين طموحات الأحزاب السياسية، وهو ما ساهم في اهتزاز المشهد الانتخابي لدى متخلف القوى السياسية الكبرى، في ما عدا تحالف "حزب الله و"حركة أمل"، الذي تمكن من حشد ناخبيه.

وفي العموم، وبحسب النتائج شبه النهائية غير الرسمية، تراجعت حصة "تيار المستقبل" في الانتخابات الحالية، من 36 نائباً في برلمان عام 2009، إلى 20 نائباً في البرلمان الجديد. ومع ذلك، فقد احتفظ التيار الأزرق بموقعه كأكبر كتلة ممثلة للطائفة السنية في لبنان، ما يؤهل زعيمه سعد الحريري إلى تشكيل الحكومة اللبنانية مجدداً، وهو ما تجمع عليه الأطراف السياسية المختلفة في البلاد.

ومع ذلك، فإنّ الحريري سيكون أضعف في التركيبة البرلمانية، مقارنة بما كانت عليه الحال في السنوات الماضية. ولعلّ الأزمة الحقيقية التي تواجهه، تتمثل في الخسارة المدوّية التي واجهها في بيروت، حيث تفيد النتائج غير النهائية بحصوله على خمسة مقاعد من أصل 11، مقابل استحواذ ثنائي "حزب الله" و"حركة امل" على أربعة مقاعد، وبروز منافسين جدد على الساحة السنية، أمثال رجل الأعمال فؤاد مخزومي (وسطي) وعدنان طرابلسي (إسلامي).

وكذلك هي حال الحريري في الشمال، حيث برز أمامه منافسون في مدينة طرابلس، التي توزعت مقاعدها بين ثلاثة لـ"تيار المستقبل" وأربعة للائحة "العزم" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي، وواحد لفيصل كرامي، نجل رئيس الوزراء الأسبق عمر كرامي.

ولكن الحريري حقق، في العموم نتائج مقبولة في دوائر الشمال مجتمعة (عكار والمنية والضنية وطرابلس).

أما في صيدا، فلم يتمكن "تيار المستقبل" سوى من إيصال بهية الحريري، وهي عمّة سعد الحريري وشقيقة رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، إلى الندوة البرلمانية، حيث تمكن المرشح الناصري المدعوم من "حزب الله" أسامة سعد من الفوز بالمقعد الآخر.

وبرغم إعلان جبران باسيل تحقيق "انتصار" في الانتخابات الحالية، إلا أن ثمة إجماع على أن "التيار الوطني الحر" الذي يتزعمه تعرّض لانتكاسة سياسية، بحصوله على 20 مقعداً. والجدير بالذكر أن "تكتل التغيير والإصلاح"، الذراع البرلماني لـ"التيار الوطني الحر"، قد ضم 37 نائباً بعد انتخابات عام 2009، لكنّ عدد أعضائه أخذ يتضاءل بسبب الخلافات السياسية، حتى استقر على 20 نائباً، وهي النسبة ذاتها التي حصل عليها في انتخابات الأمس.

وتكمن انتكاسة "التيار البرتقالي" في عدد من المحاور السياسية، أولها أن النتيجة الانتخابية أتت دون مستوى التوقعات والحشد الانتخابي الذي مارسه طوال الأشهر الماضية، والذي استند على واقع تمثيله لـ"العهد الرئاسي"؛ وثانيها أن الكتلة البرلمانية لـ"العونيين" لا تبدو متجانسة من الناحية السياسية باعتبارها تضم شخصيات غير منتمية إلى "التيار الوطني الحر"؛ وثالثها خسارة "التيار البرتقالي" معركة رمزية في دائرة جزين (جنوب) أمام رئيس مجلس النواب نبيه بري؛ وأما رابعها، فهو خسارته عدداً من المقاعد في بعض الدوائر المهمة، وإن كان نجح في تعويض تلك الخسارة في مقاعد أخرى، بتحالفات مع "حزب الله".

ولكنّ المعضلة الأهم التي تواجه "التيار الوطني الحر" تتمثل في أنه لم يعد قادراً على احتكار التمثيل المسيحي في ظل النتائج التي حققها "حزب القوات اللبنانية" الذي تمكن من مضاعفة رصيده البرلماني، من 8 مقاعد في انتخابات العام 2009، إلى 15 أو 16 مقعداً في الانتخابات الحالية، إلى جانب "تيار المردة" الذي حقق فوزاً مهماً في دوائر الشمال المسيحية بواقع ثلاثة مقاعد، وحزب "الكتائب اللبنانية" الذي يبقى حضوره مهماً في الوسط المسيحي برغم تقلص عدد نوابه من خمسة إلى ثلاثة.

وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن حزب "القوات اللبنانية" المسيحي، بزعامة سمير جعجع، حقق نتيجة انتخابية غير مسبوقة، في العديد من الدوائر الانتخابية، بما في ذلك الدوائر التي كان يهيمن عليها "التيار الوطني الحر" مثل كسروان — جبيل، فضلاً عن نجاحه في اختراق عرين الثنائي الشيعي في دائرة بعلبك — الهرمل بمقعد واحد، علاوة على فوزه في دائرة زحلة، برغم المنافسة الحادة مع اللوائح الأخرى، ومن بينها تلك المدعومة من "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، مع العلم بأن التركيبة السياسية لكتلة "القوات" تبدو أكثر صلابة مقارنة بـ"التيار الوطني الحر" بمعيار التجانس الحزبي.

في المقابل، كرّس "حزب الله" وحركة "أمل" حضورهما السياسي في الانتخابات، بعد تمكنهما من حصد 29 مقعداً (16 مقعداً لـ"حركة أمل" و13 مقعداً لـ"حزب الله")، بينها 26 من أصل المقاعد السبعة والعشرين الخاصة بالطائفة الشيعية (لم يتمكن "حزب الله" من الفوز بالمقعد الشيعي في دائرة جبيل)، فضلاً عن نجاح عدد كبير من حلفائهما مثل لائحة فيصل كرامي ولائحة "المردة" في الشمال، وأسامة سعد في الجنوب، ولائحة عبد الرحيم مراد في البقاع الغربي — راشيا.

ومن شأن هذه النتيجة أن تسمح لـ"حزب الله" بتعزيز وضعيته السياسية في مواجهة الخصوم الداخليين والخارجيين، محصّناً بتحالف برلماني واسع يصل إلى 67 من أصل 128 نائباً، بالنظر إلى استمرار التفاهم السياسي القائم بينه وبين "التيار الوطني الحر"، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلى هذا الحزب، والذي يواجه ضغوطاً هائلة على المستوى الإقليمي والدولي، على خلفية سلاح المقاومة الذي يرفعه في مواجهة إسرائيل وانخراطه في الحرب السورية.

وعلى خط آخر، كرّس رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" زعامته الدرزية، بعد فوز اللائحة التي يدعمها، ويترأسها ابنه تيمور، بكامل المقاعد في دائرة الشوف — عاليه، باستثناء خرق وحيد للسياسي الأمير طلال إرسلان، كما تمكن من الاحتفاظ بكتلة برلمانية وازنة (8 نواب) من خلال المقاعد التي حصدها حزبه في دوائر أخرى، مثل بيروت والبقاع الغربي.

وبالرغم من كون القانون النسبي قد شكل فرصة ملائمة للقوى غير التقليدية، ولا سيما المجتمع المدني، إلا أن النتيجة العامة جاءت مخيبة، إذ لم يتمكن تحالف "كلنا وطني" الذي يضم 66 مرشحاً سوى تحقيق اختراق بنائبتين في دائرة بيروت الأولى ذات الغالبية المسيحية، هما الإعلامية بولا يعقوبيان والكاتبة جمانة حداد، في حين لم تتمكن القوى اليسارية، وأبرزها "الحزب الشيوعي اللبناني" و"حركة الشعب" (يسار- ناصري) من الفوز بأيّ من المقاعد.

أخيراً، كانت ثمة ظاهرة ملفتة للانتباه في الانتخابات الحالية وهي سقوط المرشحين المستقلين الذين كانوا يشكلون مرجعيات سياسية مهمة في العديد من الدوائر، مثل النائب بطرس حرب في البترون، والنائب السابق فارس سعيد في جبيل، والنائب نقولا فتوش ورئيس "الكتلة الشعبية" ميريم سكاف في زحلة، بينما تمكن السياسي المخضرم ميشال المر من انتزاع مقعده البرلماني مجدداً في دائرة المتن، برغم عدم دخوله في أيّ تحالف سياسي.

المصدر: سبوتنيك

رمز الخبر 1883608

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha