وكالة مهر للأنباء: تعكس قضية الصحفي السعودي المخطوف جمال خاشقجي تخبط الديوان السعودي في قراراته، وانتهاكه لكل المعايير الدولية وحقوق الانسان التي تصبح تارةً أداة للسعودية في تدخلها في شؤون الدول الأخرى وتارةً تمزقه وتنهي علاقاتها مع دول أخرى احتجاجاً عليه.
ارتكبت جريمة خطف الصحفي خاشجقي بعد أيام من إهانة كبيرة وجهها الرئيس الامريكي دونالد ترامب إلى السعودية، رد عليها ولي العهد السعودي بابتسامات وتصريحات غير مدروسة، تنم عن ضعف هذه الدولة وعدم تمتعها بأقل ما يمكن من الاستقلالية.
فالسعودية التي قطعت علاقتها مع كندا الشهر الماضي بحجة تصريح اعتيادي صدر عن الخارجية الكندية، ادعت حينها أنها لا تسمح لأي دولة التدخل بشؤونها وحاولت أن تظهر نفسها كدولة مستقلة إلا إن واقع القصة كان مختلف جداً فالسعودية وما أثارته من بلبلة ما هو إلا خضوع للموقف الامريكي تجاه كندا وتنفيذ لأوامر البيت الأبيض الذي يتبع سياسيات اقتصادية معادية مع العديد من الدول.
السعودية أصبحت بشكل واضح أداة لامريكا في المنطقةالسعودية أصبحت بشكل واضح أداة للولايات المتحدة في المنطقة، وعزز هذا الأمر وصول ولي العهد قليل الخبرة محمد بن سلمان إلى السلطة ومنافسته بقية شخصيات البلاط السعودي على إرضاء امريكا، يمكن لمن يقرأ المشهد السعودي فهم طبيعة هذه المنافسة فالديوان السعودي ومن فيه لم يأتوا إلى السلطة بطريقة منتخبة بل تم توليتهم عنوةً على الشعب، وبالتالي لن يصمدوا إلا بمساعدة الغرب ومتزعم الامبريالية امريكا.
السنوات الأخيرة في السعودية تعكس التخبط بين أمراء العائلة الحاكمة الأمر الذي لن ينتهي بسلام، حيث يرجح البعض نشوب حرب أهلية فيما بين متقاسمي السلطة، ففي البداية بدأت السعودية بتدمير جيرانها من سوريا إلى العراق إلى اليمن وعدوانها على المدنيين، ثم إطاحة ولي العهد السابق وتصفيات لبعض الأمراء وحملة اعتقالات للمسؤولين السابقين داخل وخارج السعودية، ومصادرة الرأي العام فكل من ينطق بغير ما يريد محمد بن سلمان يتم اعتقاله، وكما قال المخطوف الأخير خاشقجي في تصريح لقناة بي بي سي واصفاً أوضاع المملكة "يكفي أن تنتقد على العشاء شيء ما ليتم اعتقالك".
هناك عدة ملاحظات في قضية خطف الصحفي خاشقجي ومصيره المجهول فربما هذه القصة ليست سوى فبركة إعلامية جيدة لإزاحة الرأي العام السعودي عن فشل السعودية داخلياً في جميع المجالات، وترهيب الشعب أكثر وأكثر من اعتراض أي أمر يصدره الديوان، فالسعودية لم ترض باستخدام قاتل مأجور لتنفيذ مآربها بل أصرت على حبك مكيدة تستجر فيها صحفي "واشنطن بوست" إلى قنصليتها لاعتقاله في البداية طبعاً ثم تصفية حسابها مع القلم الذي عارضها في الفترة الأخيرة، فالصحفي المخطوف كان يقول: "أنا خرجت من السعودية لكي أكون كاتبا حرا. لا أريد أن يقف أحد فوق كتفي ويراقب ما يكتب. أو أن يتصل بي ويأمرني بأن أقول ما يريد ! ".
السعودية مملكة اللاقانون لازالت تعيش قرونها الوسطى بمفردها بالطبع أهم ملاحظة يمكن الإشارة إليها إن السعودية مملكة قمعية على الاطلاق لا يمكن لها أن تقيم محاكمة علنية واحدة تقدم فيها اتهاماتها لأحد أبناء الشعب بشكل قانوني، فالسعودية مملكة اللاقانون لازالت تعيش قرونها الوسطى بمفردها تعتقل من تشاء وتقتل من تشاء.
الرياض اشترت الرأي العام الدولي بأموالها ونفطها ولا تعيره أدنى اهتمامما يمكن ايضاً ملاحظته في هذه القضية هو عدم اكتراث السعودية للرأي العام الدولي وتجاهلها له بكل صلافة، وهذا الأمر ليس جديداً على هذه الدولة التي تقتل يومياً الأطفال وتدمر بيوتهم وتحرمهم من حق الحياة في اليمن، والعالم يصمت أمامها ولا يحرك ساكنا، فالرياض اشترت الرأي العام الدولي بأموالها ونفطها ولا تعيره أدنى اهتمام.
هذه الجريمة المدانة دولياً تعكس القمع اليومي الذي يتعرض له الشعب السعودي في بلاده وخارج بلاده، فيد الغدر تصل إليك أينما كنت يكفي أن تعادي الحاكم الديكتاتور في الرياض ليسفك دمك وتهدد عائلتك. فنظام الحكم السعودي قائم على التطرف، فحسب رأي الصحفي خاشقجي: "من الصعب على المملكة العربية السعودية أن تتبرأ من الوهابية، فهي الأساس التي قامت عليه المملكة، لكن بإمكانها أن تستبدلها بالإسلام الوسطي. وكثير ما يقول المسؤول السعودي أن الوهابية ما هي إلا الإسلام في جوهره وهكذا. هذه العبارات جيدة ولكن يجب ألا تتوقع أن يخرج مسؤول من السعودية ويتبرأ من الوهابية فهذا جزء من تاريخ المملكة، وجزء من تأسيسها ولكن الإسلام فيه السعة والاعتدال".
تتوهم السعودية أنها المستفيد الأكبر من تصفية الصحفي خاشقجي فهي ترهب معارضة الداخل وتشتت انتباه الرأي العام عن فشلها في كافة الأصعدة وعن الإهانة التي وجهها لها ترامب مؤخراً، إلا إن بعض المصادر التي تنقل أسرار الحكم تتحدث عن قلق يعيشه بقية آل سعود ـ حيث نقل المغرد السعودي الشهير مجتهد : "يتداولون أمراء آل سعود بينهم أن هذا "المراهق الأرعن" بهذا التصرف بقتل جمال في القنصلية سيقضي على حكمهم برعونته بعد أن فرق شملهم وشل قدرتهم على التعامل مع التحديات".
التحقيقات التركية مستمرة والسلطات في أنقرة متحفظة على المعلومات وهناك تخوف مؤسسات حقوق الانسان من تآمر بين الحكومات لإخفاء جريمة نكراء لكن هل ينتظر العالم نتائج قطعية في هذا الملف أم يضاف اسم السعودي خاشجقي إلى قائمة مخطوفين مجهولي المصير. /انتهى/
تعليقك