وكالة مهر للأنباء- عدنان زماني : في آخر محاولة لإظهار هيبة السعودية والحفاظ على ماء وجهها المراق في كافة الجبهات -كما يرى مراقبون- جاءت قمة مجلس تعاون الخليج لتسد جانبا من هذا الخلل والاهتراء في السياسة السعودية تجاه القضايا التي تهمها وتهم الشارعين العربي والإسلامي كما يفترض، لكن وكما يؤكد مراقبون ومحللون سياسيون فإن قمة أمس الأحد 9 كانون الأول / ديسمبر كانت فاشلة بكل المعايير في تحقيق أهدافها لاسيما بعد رفض أمير قطر الحضور في المشاركة وعدم تلبية دعوة ملكها سلمان بن عبدالعزيز.
وتأتي هذه المقاطعة القطرية في ظل حصار تفرضه دول الخليج الثلاث على دولة قطر منذ الخامس من يونيو/حزيران 2017، ولم تنجح الوساطة الكويتية حتى اللحظة في جمع الفرقاء على طاولة واحدة، رغم قيامها بالوساطة بينهم، بسبب تعقيدات الأزمة.
ورغم ما قاله الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، في افتتاح قمة مجلس التعاون الخليجي التي انعقدت في الرياض أمس عن ضرورة المحافظة على كيان المجلس وتعزيز دوره، ورغم حديث أمير الكويت المفصل عن أن انعقاد هذه القمة، يمثل حرصا من الجميع على دور المجلس، وتناوله للأزمة الحالية التي يتعرض لها، وضرورة حلها داخل البيت الخليجي إلا أن الواقع يبدو مخالفا لما تحدث به الزعماء في قمتهم.
وتبدو الأزمة الحالية التي يمر بها مجلس التعاون، مختلفة كثيرا عن الأزمات التي مر بها على مدار السنوات الماضية، إذ أنها انبثقت من داخله وتثير مخاوف وجودية عليه ككيان سياسي، فمنذ قطعت ثلاث دول خليجية، السعودية والإمارات والبحرين إضافة إلى مصر، علاقاتها مع قطر وفرضت حصارا عليها منذ يونيو/ حزيران 2017، تراوح الأزمة مكانها وتبدو يوما بعد يوم في وضع أسوأ.
جذور الفشل وبداياته
وفي العودة إلى الوراء وتحديدا بعد وصول سلمان بن عبدالعزيز إلى سدة الحكم أصبح ابنه "محمد بن سلمان" ومستشاروه الشباب أصحاب كلمة الفصل والقرار الأخير في السعودية، وتبع ذلك التغيير في القيادة تغيير كبير في سياساتها الداخلية والخارجية حيث راح بن سلمان وزبانيته يفرضون حالة من الرعب والإرهاب من خلال السطوة الأمنية الباطشة والاعتقالات التعسفية للمصلحين والدعاة والمدافعين عن حقوق الإنسان، كما بدأ متهورا في تعامله مع الملفات الخارجية كالحرب العبثية ضد اليمن والتي قاربت على عامها الرابع دون تحقيق أية مكاسب وانجازات لصالح تحالفه الذي بدأ يتفكك وراح أعضاؤه يغادرون واحدا تلوا الآخر لاسيما بعد الأزمة مع قطر وانكشاف ماهية التوجهات والإيديولوجية التي يسعى لها بن سلمان وحليفه المقرب محمد بن زايد ولي عهد الإمارات.
ويبدو إن أزمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول في الثاني من أكتبر الماضي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وبداية النهاية لأفول نجم بن سلمان بعد أن بدأ وكأنه مغضوب عليه من الجميع حتى من حلفائه التقليديين سواء كانوا في أمريكا أو الغرب وحتى بعض العرب.
ويأتي هذا التململ الغربي والعربي من الشاب الأمير جليا من خلال تصريحات الزعماء والمسؤولين الغربيين ووصفهم إياه بأنه خطير ومجنون كما وصفه السناتور ليندسي جراهام بن سلمان بأنه مجنون وخطير و "كرة تحطيم". كما يمكن فهم هذا التململ من الحليف الأمريكي من خلال تصريحات فيها جانب كبير من الإهانة والتحقير للسعودية حيث قال ترامب في تجمع انتخابي في وقت سابق أنه حذر العاهل السعودي الملك سلمان من أنه لن يبقى في السلطة "لأسبوعين" دون دعم الجيش الأمريكي. وفي إهانة من هذا النوع قال السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام أمس الأحد إنه لولا الولايات المتحدة لتحدّثت السعودية الفارسية خلال أسبوع، مؤكداً أن الرياض تحتاج واشنطن أكثر من حاجة الأخيرة لها.
محطات الفشل السعودي
لكن وبالنظر إلى الملفات التي تواجهها السعودية في المنطقة والعالم نجد إن السعودية أضرت بمصالحه أكثر مما عززتها، وأعطت خصومها أكثر مما كانوا يتمنون، ففي الشأن اللبناني نجد أنها أضرت بسمعة حليفها المفترض سعد الحريري من خلال تحقيره وإذلاله بعد إرغامه على الاستقالة والضجة التي أعقبتها ضد السعودية ما أضرت بسمعتها كدولة تحترم القوانين الدولية كما أضرت بسمعة حليفها كرئيس وزراء دولة مستقلة وذات سيادة. وبالمقابل أعطت هذه السياسة الفاشلة للسعودية شعبية لحركة حزب الله وإيران كداعم لها وللبنان في استقراره حيث أصر كل من حزب الله وإيران على ضرورة إعادة رئيس وزراء لبنان إلى بلاده بعد إتهام الرياض بأنها تحتجزه قسرا وإن استقالته جاءت بالإكراه.
وإذا نظرنا إلى الشأن اليمني نجد إنها أعطت زمام الأمور فيه إلى الإمارات التي تملك صورة سيئة للغاية لدى المنظمات الدولية والرأي العام العربي والإسلامي، ويجد المتابعون إن السعودية وحليفتها الإمارات لم يحققا شيئا ملموسا على ارض الواقع في الملف اليمني سوى تشويه صورتهما المشوهة أساسا والحاق الضرر بالبنية التحتية لليمن الذي يعاني من الأمراض والفقر وعدم الاستقرار.
وفي العراق تحاول السعودية إحداث شرخ بين ما يسمى بـ "البيت الشيعي" من خلال استقطاب رموزه ودعوتهم إلى الرياض وكل ذلك بهدف مواجه الوجود الإيراني في العراق -كما ترى السعودية -والحيلولة دون وصول الشخصيات المقربة من إيران إلى سدة الحكم في العراق، لكن كل هذه الجهود لم يكتب لها النجاح وهزيمة أخرى تضاف إلى قافلة النكسات والهزائم السعودية المتكررة حيث اتفق العراقيون على تغيير رئيس الوزراء حيدر العبادي واستبداله بعادل عبدالمهدي بعد أن كانت السعودية تحاول الإبقاء على حيدر العبادي كمقرب منه وغير موال لإيران بشكل كبير.
أما العلاقة مع قطر فيبدو إنها أكبر خطأ ترتكبه السعودية بحق نفسها وحلفائها إذ إن هذه الأزمة جعلت قطر أكثر حرية في النقد واستهداف السعودية وقيادتها التي لم تكن تتطرق لهم سابقا من بعيد ولا قريب. وبعد هذه الأزمة انبرت الجزيرة والقنوات الأخرى الداعمة لقطر وحلفائها الاخوان والأتراك بالنقد والتشويه لصورة السعودية ودورها التخريبي في المنطقة بحج واهية أهمها التصدي للنفوذ الإيراني ومكافحة الفكر الاخواني المتشدد كما ترى السعودية.
وبدأت السعودية قريبا تدرك هذا الخطأ الكبير من خلال افتعال الأزمة القطرية وذلك بعد أن وجهت دعوة رسمية إلى الأمير تميم بن حمد آل ثاني للمشاركة في قمة مجلس التعاون الخليجي. لكن هل بات الوقت الآن بصالح السعودية؟ وهل تقبل قطر حاليا بمثل هذا التزلف والتودد السعودي أم إن المملكة أصبحت في موقف الضعيف وهو الذي ساقها لدعوة أمير قطر بشكل غير مباشر لحل الأزمة مع بلاده، هذه الأسئلة وغيرها سيجيب عليها المستقبل القريب وإن بدت ملامح هذا الرفض - في هذه المرحلة في الحد الأدنى - من جانب قطر واضحة وإنها لا تقبل التصالح بعد كل هذا الاستهداف لاسيما وإنها تأتي في ظل استمرار الحصار الجائر كما تسميه قطر.
وختاما لم يعد هناك كبير خلاف بين مؤيدي السعودية ومعارضيها بأن سياساتها في الوقت الراهن لا تخدم مصالحها ومشروعها - إن وجد - وإن خصومها الإقليميين والدوليين هم الأكثر استفادة مما تجري عليه السعودية من توجهات وسياسات. وقد ينتهي هذا التخبط والتعثر السياسي في السعودية بعد عزل بن سلمان عن الحكم والتخفيف من سياسة العداء تجاه دول المنطقة كإيران ولبنان وقطر واليمن والعراق وغيرها من الدول./انتهى/
تعليقك