وكالة مهر للأنباء_ عبادة عزّت أمين: من حكمة الله تعالى أنه يسمح للأماكن يوم القيامة أن تشهد على أعمال أصحابها، كما يسمح للجوارح أيضاً، ومثلما أن هنالك أماكن ستخبر المولى عزّ وجلّ عن إجرام أصحابها _كتلك التي شهدت وتشهد إفساد وعلوّ بني إسرائيل في الأرض_ هنالك أخرى ستفتخر أن فلاناً وفلانة مرّوا فوقها وجاهدوا فيها وسقوها من طيب دمائهم الزكيّة، و هذا حال مخيم جنين الصامد ومن مرّ عليه وفيه صمد، فبالأمس أبطاله يذودون عنه ضد اجتياح المُعتدي، وترتقي حينها أرواح المجاهدين إلى جوار خالقها، أمثال قائد سرايا القدس في المخيم حينها "محمود طوالبة" والقائد "أبا جندل" وغيرهم ممن باع نفسه لله "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله"، ومابخل المخيم يوما بأفلاذ أكباده لسان حاله: "لن أنضب حتّى أبلُغَ نصري أو أُدمَّر دونه".
وعلى أبواب المخيم وعلى مرآى من العالم كله ومسمع، اغتالت قوات المُحتل الصهيوني الصحفية في قناة الجزيرة "شيرين أبو عاقلة"، أثناء تغطيتها للأحداث هناك، خبرٌ ألهب قلوب الجميع قهراً وحرقة، في مشهدٍ يعيدنا إلى انتفاضة الأقصى، ويلقي على مسامعنا صوت والد الدرّة ومن شهدوا الواقعة "مات الولد مات الولد"، ويعرض لنا مدى خوف المعتدي وتجبّره، ويضيف مسماراً آخراً إلى نعش زواله الحتمي القريب.
" أبو عاقلة" مسيرة حافلة بالجد والعمل
هي شيرين نصري أنطون أبو عاقلة (وُلدت في 3 يناير 1971 في القدس– قُتلت في 11 مايو 2022 في جنين) صحافية فلسطينية، عملت مراسلةً إخبارية لشبكة الجزيرة الإعلامية بين عامي 1997 و 2022.
ولدت في 3 يناير 1971 في القدس لأسرة مسيحية يعود أصلها إلى مدينة بيت لحم، تخرجت من مدرسة راهبات الوردية في بيت حنينا في القدس. درست في البداية الهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن، ثم انتقلت إلى تخصص الصحافة المكتوبة، وحصلت على درجة البكالوريوس من جامعة اليرموك في الأردن.
عادت بعد التخرج إلى فلسطين وعملت في عدة مواقع مثل: "وكالة الأونروا، وإذاعة صوت فلسطين، وقناة عمان الفضائية، ثم مؤسسة مفتاح وإذاعة مونت كارلو"
ولاحقًا انتقلت للعمل في عام 1997 مع قناة الجزيرة الفضائية، وعملت "أبو عاقلة" في تغطية أحداث الكفاح ضد الكيان الصهيوني حتى وفاتها برصاص جيش الاحتلال 11 مايو 2022، ويشار إلى أن شيرين أبوعاقلة من الرعيل الأول من المراسلين الميدانيين لقناة الجزيرة.
غطت شيرين أحداث الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، واجتياح مخيم جنين وطولكرم عام 2002، والغارات والعمليات العسكرية الصهيونية المختلفة التي تعرض لها قطاع غزة.
وكانت أول صحفية عربية يسمح لها بالدخول إلى سجن عسقلان في عام 2005، حيث أجرت مقابلات مع الأسرى الفلسطينيين الذين صدرت بحقهم أحكام طويلة بالسجن.
وتروي أبوعاقلة في هذا الصدد أن من أكثر اللحظات التي أثرت فيها هي زيارة سجن عسقلان والاطلاع على أوضاع أسرى فلسطينيين بعضهم قضى أكثر من 20 عاما خلف القضبان، حيث نقلت عبر الجزيرة معاناتهم لذويهم وللعالم.
وفي تاريخ 11 مايو 2022، أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن إصابتها بعيار ناري بالرأس وأنها وضعها حرج للغاية خلال تغطيتها لاقتحام جيش الاحتلال لمخيم جنين. لاحقًا بعد دقائق، أعلنت وزارة الصحة أنها توفيت نظرًا لوضعها الحرج في قسم الطوارئ بمستشفى ابن سينا التخصصي بمدينة جنين.
"أبو عاقلة" تعلّق على أحداث اجتياح الضفة ومخيم جنين عام 2002
تروي "أبو عاقلة" جانب من أحداث اجتياح الضفة الغربية ومخيم جنين عام 2002حيث قالت: "لن أنسى أبداً حجم الدمار ولا الشعور بأن الموت كان احياناً على مسافة قريبة، لم نكن نرى بيوتنا، كنا نحمل الكاميرات ونتنقّل عبر الحواجز العسكرية والطرق الوعرة، كنا نبيتُ في مستشفيات أو عند أناسٍ لم نعرفهم، ورغم الخطر كنا نصر على مواصلة العمل. كان ذلك خلال عام 2002 حين تعرّضت الضفّة الغربية لاجتياحٍ لم تعهده منذ احتلال عام 1967. في اللحظات الصعبة تغلّبتُ على الخوف فقد اخترت الصِحافةَ لكي أكون قريبةً من الإنسان. ليس سهلاً ربما أن أغير الواقع، لكنني على الأقل كنتُ قادرةً على إيصال ذلك الصوت إلى العالم، أنا شيرين أبو عاقلة".
كفّت "شيرين أبو عاقلة" ووفّت وعملت بصدقٍ واجتهدت وجاهدت بما أوتيت من قوّة واستطاعت، وأبت إلا أن تختم مسيرتها على مشارف مخيم الصمود _الذي تعرفه ويعرفها_ لتكون شاهدة إضافية على إرهاب هذا الكيان الزائل وظلمه وتعاليه على قوانين الأرض وتعاليم الله.
/انتهى/
تعليقك