وكالة مهر للأنباء_ القسم الدولي: لازالت أبصار العالمين، متوجّهة نحو فلسطين، تلك الأرض المقدّسة المُباركة من الله وبدماء شهدائها على مر التاريخ، فكم من شهيدٍ ارتقى فيها وكم من طاهرٍ عاش فيها.
وتأبى فلسطين إلا أن تُعلّم العالم معنى الثبات والإيمان، فرغم مجازر الاحتلال وآخرهم استهداف مشفى "المعمداني" بغزة، وارتقاء قرابة ال500 شخص، إلى أن أهلها لازالوا يعلّمون البشرية معنى الثبات والايمان.
جريمة يندى لها الجبين، وتُنبئ عن وحشية هذا الكيان، ونفاق النظام العالمي الحالي، الذي يساند الظالم ويرى بمنظاره الخاص مايريد أن يراه، ويتجاهل ما هو أهلٌ للرؤيا.
ولأهمية ما يجري في تلك الأرض المباركة، وللخوض أكثر في هذا المنعطف التاريخي والتحدي الكبير الواقع على كاهل الأمة العربية والإسلامية، أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، الأستاذة وردة سعد، حواراً صجفيأً مع الباحث في الشؤون السياسية الدكتور وسيم بزٌي العاملي، وجاء نص الحوار على الشكل التالي:
عملية "طوفان الاقصى" البطولية التاريخية والتي لم يشهد مثلها الصراع العربي الاسرائيلي تشهد براكين من الاضاليل والأكاذيب التي تبثها قنوات الغرب لتشويه أحقية هذه المعركة في العالم ولقلب الحقائق عند الرأي العام الأوروبي والغربي كيف تقرأون إعلاميا ما يحصل مع طوفان الاقصى؟
في ظل هذا المستوى من الجريمة التي يباد من خلالها شعب بأكمله، بظل ضوء اخضر اميركي مفتوح وبظل اعلام غربي من أميركا الى أوروبا الغربية ممنوع ان يرى المشهدين ليقيم ويتم اسر هذا الرأي العام على شاشات متآمرة لوضع المشهد فقط بنمطية واحدة، تمنع العين الاخرى ان ترى وان يكون هناك توازن لدى المتابع من الظالم ومن المظلوم، ولان هذا الضوء الاخضر قائم على معادلة عنصرية عبر عنها بلينكن في زيارته الى كيان العدو على انه آت كيهودي، لكن واضح ان مشهد جباية الدم والجريمة والحصار الخانق وقطع الماء والهواء عن قطاع غزة قد وصل الى الان الى مأزق بداية ضرب الصورة الأحادية، التظاهرات التي بدأت تحصل في أميركا وبعض دول اوروبا الغربية، عدم القدرة على الاستمرار بمنع الصورة الاخرى للجريمة التي ترتكب واضح انها بدأت تتسلل رويدا رويدا الى ثنايا الاعلام الغربي والاوروبي، الصورة الاخرى التي تثبت بالدليل من هو القاتل ومن هو المقتول، يمكن القول انه اليوم بدأت السياسة تدخل رويدا رويدا الى مسار العملية الجارية، طبعا مع ثبات المقاومة الفلسطينية على قدراتها، استمرارها بإطلاق الصواريخ، استمرار التحكم والسيطرة بإدارة المعركة العسكرية،توزيع الجرعات الصاروخية تبعا لضرورة الميدان وطبيعة الرد على جرائم العدو،خطوات نوعية غير مسبوقة كمثل اطلاق صاروخ "عياش250" على صفد منذ يومين، استمرار وجود المقاومة بشكل او بآخر في غلاف غزة اما بكمائن لا تزال موجودة من الاساس، واما بدخول عناصر جديدة من كتائب القسام وسرايا القدس وغيرها واحداث مشاغلات داخل غلاف غزة تفرض على العدو الاستمرار بحذره بهذا الاطار، وايضا قواعد اشتباك لا زالت تفرض نفسها على مسرح العمليات بقوة، تقول المقاومة الفلسطينية من خلالها انها حاضرة لمقارعة العدو.
حكي الكثير عن عملية التوغل البري لغزة من قبل العدو الصهيوني ووضعت الكثير من المواقيت لبدء الغزو البري ومن ثم يتم التراجع تحت حجج متنوعة رغم التحذيرات الاميركية للكيان المؤقت بعدم الدخول في هذه المغامرة مرافقا ذلك خوف كبير عند الصهاينة من هذه العملية، السؤال الذي يطرح هل سيغامر العدو ويفتح النار عليه وماذا سيكون بانتظاره من رد لمحور المقاومة؟ وماذا عن الحركة الدبلوماسية النشطة جدا التي تشهدها المنطقة؟
الحديث عن عملية برية يبدو انها لا زالت بعيدة بالنسبة لجيش العدو ومعوقات عديدة تعيق البدء بهذه العملية حتى الان، رغم التدمير المنهجي الجاري، تبريرات العدو التي يطلقها كسبب لتأخيرات هذه العملية اولها حديثه عن العملية الجوية التمهيدية لم تنته مفاعيلها بعد، تغير حالة الطقس وقدوم الامطار المفاجىء يعيق البدء بهذه العملية، استمرار وجود خلايا مقاومة داخل غلاف غزة هو العنصر الثالث الذي يدعيه العدو، موضوع الأسرى بدأ يلقي بثقله على الداخل بحيث هناك تظاهرات بدأت تتحرك، واضطر نتنياهو لاستقبال وفد من أهالي الأسرى رغم تطبيق جيش العدو لقانون "هنيبعل" الذي يبيح للجيش قتل هؤلاء الأسرى حتى لا يكونوا وسيلة ابتزاز علما ان العمل بقانون هنيبعل اوقفه غادي ايزكوت عندما كان رئيس اركان في عام 2016، عدم نجاح العدو بدفع اهل القطاع للهجرة من الشمال فالوسط باتجاه الجنوب ضمن عملية ترحيل منهجي لتأهيل مسرح العمليات لقوات الابرار البري لكي تتدخل، عدم تجاوب المصريين مع الضغوط الاميركية بفتح معبر رفح لأحداث بداية ترانسفير لاهالي القطاع من جنوب غزة بإتجاه رفح ف مصر، هذه الاسباب كلها مع بدء مسار سياسي خجول اعتبارا من اليوم، هذا الامر يتجلى بقوة بالحركة المؤثرة التي قام بها الوزير الإيراني حسين عبد اللهيان بديبلوماسية نشطة ما بين لبنان وسوريا والعراق وصولا الى الدوحة والشراكة القطرية- الإيرانية المهمة بعملية نقل الرسائل باتجاه الولايات المتحدة او غيرها، والقطريون لهم دور اساسي، عودة بلينكن مكوكيا من الرياض باتجاه كيان العدو الصهيوني، الاعلان عن فتح معبر رفح لمدة 6 ساعات ولو ان هذا الامر متعلق بإيصال المساعدات من جهة او بإخراج بعض الرعايا الغربيين، بدء الحديث الهامس بموضوع صفقة ما مع حركة حماس تتعلق على الاقل بداية بالاجانب من اصحاب الجنسيتين من بين الأسرى ضمن مقايضة أولية قد تفتح افق بالسياسة، علما ان الايرانيين نقلوا للمبعوث الأممي للسلام للامين العام للأمم المتحدة برسالة من خلال لقاء حصل بينه وبين عبد اللهيان في بيروت، تولى "وينلسون" نقلها الى "تساحي هنغبي" رئيس مجلس الامن القومي لكيان العدو وهذا ايضا كان جزء من رسالة التهديد التي نقلها محور المقاومة بمحاولة لافهام الجميع ان كل التهويل الذي جرى بهذا الاطار لن يمنع المحور من الاستمرار بتقدير الموقف لحظة بلحظة وساعة بساعة، بظل مجموعة من الخطوط الحمراء التي وضعت وتم مناقشتها في اللقاء الطويل بين سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ووزير خارجية إيران وقوى الفصائل الفلسطينية التي شاركت بجزء اساسي من هذا الاجتماع في اطار التواصل والتشاور الحاصل، والساعات القادمة كفيلة ببدء تظهير مآلات المشهد على ضوء هذه التطورات.
بعد هذه المحرقة التي حصلت بالأمس هل ان ردود الافعال من بيانات وادانات تكفي سيما ان العدو الصهيوني مباشرة اتهم المقاومة الفلسطينية بأنها هي من اطلقت الصاروخ على المستشفى؟ وماذا عن زيارة بايدن ودعمه الصريح والواضح للكيان واعطائه الضوء الاخضر لمزيد من الضربات على غزة ، فهل دخلنا كمحور او بالأحرى كحزب الله في هذه المعركة؟
حقيقة المجزرة التي ارتكبت بالمستشفى المعمداني فوق اي مصطلح لغوي او تعبير او جملة او مقابلة او موقف، كل هذا لا يكفي للاحاطة بهذا الفعل الهمجي الذي يضرب بالصميم اي معنى من معاني الانسانية واي معنى من معاني القانون الدولي وغيره.
صحيح انه كان هناك ردود افعال أولية في ليلة ما بعد المجزرة في بيروت باتجاه عوكر وعمان وفي الضفة الغربية، وايضا في اليوم التالي تحركت المشاعر اكثر وكان هناك تظاهرات في العالمين العربي والإسلامي، ولأول مرة كسر المحظور الغربي الذي يريد ان يعزل شعوب الغرب عن ادراك ولو جزء بسيط من الحقيقة، وبدأت تتسلل رويدا رويدا الى اعلام الغرب وساحاته ومجتمعاته مشهدية الحقيقة التي لا تجعل القاتل مقتولا والمقتول قاتل، ورغم الجهد الهائل الذي بذلته المؤسسة الصهيونية بقيادة أميركا على مستوى العالم لحجب صورة الجريمة المرتكبة في قطاع غزة، نحن نراهن جميعا على ان ما جرى في اليوم الثاني والثالث للمجزرة يجب ان يساهم بخلق ديناميات تحدث انعطافة في مسار رد الفعل على الجريمة سواء على المستوى السياسي او الاخلاقي او الانساني والأهم على مستوى دينامية ربط بين كل الساحات العالمية وصولا الى الامم المتحدة المغيبة فعليا عن هذه الجريمة بقرار اميركا، وكانت اطلالة السيد غوتيرش مؤخرا خجولة وواضح انها ما كانت لتكون لولا الفضيحة التي أظهرتها هذه المحرقة في المستشفى وفرضت على غوتيرش ان يحاول ان يبقي ماء وجهه والمؤسسة التي يقودها، اما عن الاميركي بزيارة الرئيس بايدن قد كرس عملياً الضوء الاخضر المعطى منذ اللحظة الاولى، والذي رسم معالم المواجهة ووضع أميركا بموقع القائد لهذه العملية والتي استحضرت كل ادواتها الممكنة والمتاحة لمنع كيان العدو من الانهيار، وللتثبيت ان الولاية 53 من مجموع الولايات المتحدة الاميركية هي كيان العدو، والتي أعطت بالدليل القاطع من خلال هلعها وركضها واستنفار امكاناتها ان هذا الولد الصغير فعلا قاصر عن أدارة شؤونه. نحن في محور المقاومة مواجهتنا مع أميركا هي مباشرة سواء وضعت نفسها بمقدمة الدفاع عن العدو او ابقت نفسها في مكانها الطبيعي الى جانبه، لان المعركة بالأساس منذ ان فرضت علينا كشعوب وكدول وكمحور مقاومة هي مع الاميركيين، لذلك منظومة النيران اليوم التي وصلت الى قاعدة التنف بالمسيرات وإلى حقل كونيكو في شمال شرق سوريا، والتي وصلت الى قاعدة حرير وقاعدة عين الاسد في العراق، والتي يفترض ان نشاهد لها ارهاصات وضربات جديدة في الساعات والأيام القادمة، كلها تثبت ان ساحة المواجهة واحدة، وان العدو واحد ولن ترعبنا "أيزنهاور" او "جبرالد فورد" او حتى سفينة التحكم والسيطرة التي أعلنت أميركا اليوم عن ارسالها الى منطقتنا، لكن الاهم من كل ذلك ان تنجح شعوب المنطقة برفع مستوى التحدي ليكون على مستوى الجريمة، ردود الافعال حتى الان مع تقديرنا لكل من نزل وضحى وبذل وصرخ ووقف واعترض وتحدى لكن حجم الجريمة اكبر بكثير من ان يدركه رد فعل او تضامن او تظاهر، الشعوب العربية والإسلامية امام لحظة تاريخية قد تكون الاضخم منذ النكبة منذ خمس وسبعين عاما، وقد تكون حتى اكبر امتحان حضاري لقدرة العرب والمسلمين على إثبات حضورهم وتأثيرهم في معادلة هذا الكون الظالم... على هذا الاساس، المواجهة فتحت بأشكال متعددة صحيح ان عناصر المواجهة لم تنتظم حتى الان في سياق واحد وبلحظة واحدة وبدينامية مرتبطة، هذا سيفرضه الميدان، وتطور المعركة والقرار الكبير الذي يفترض ان يطور ادوات المواجهة وأدوات الصراع.
شدد السيد هاشم صفي الدين في كلمته اليوم على دور أميركا بدعم العدو في المعركة بغزة متوقفا عند موقف الرئيس بايدن من التحقيق بمذبحة مستشفى المعمداني حيث أوقف التحقيق وألقى الاتهام على حركة حماس ما تعليقكم على ما حصل؟
مغادرة بايدن مع تثبيت الضوء الاخضر لتثبيت الجريمة المرتكبة هو إثبات اضافي بأن المعركة طويلة، وبأن مسيرة القتل لن تتوقف، لا أجندة سياسية ولا عسكرية للعدو حتى الان غير القتل.
ما يجري في جنوب لبنان هو عمليا جبهة مفتوحة بكل المعاني العسكرية لكن لا زال لهذه الجبهة قواعدها حتى الان، هذا مرتبط بالتقييم اليومي لما يجري في فلسطين، الأكيد ايضا ان اهل الارض في الجنوب يقدمون فلذات اكبادهم بظل ارادة صلبة وواقع منتظم للمقاومة تفرضه كل يوم على العدو منذ ان اندلع " طوفان الاقصى" وأملنا دائما كبير بهؤلاء الرجال، الرجال الذين يعرف العالم بأسهم وقدراتهم وامكاناتهم، لكن ما يعرفه العالم قد يكون قليل امام ما سيظهر اذا قدر للميدان ان يفتح على مداه الاوسع، صرخة سماحة السيد هاشم صفي الدين رفضا للمجزرة المرتكبة هي في اطار انتظام المواقف التي اطلقها سماحته مرتين حتى الان، مرة ببداية المعركة عندما اعلن اننا لسنا على الحياد ومرة اخرى بالامس عندما اعلن اننا في الموقع الطبيعي المواجه لأميركا واسرائيل، وان الأمريكيين خَبِرونا جيدا منذ بدأنا انطلاقتنا حينما كانت بوارجهم تقصف بيروت عام83 وغدا لناظره قريب.
/انتهى/
تعليقك