٢٤‏/١٢‏/٢٠٢٣، ٩:٠٠ ص

تقرير خاص لمهر؛

روسيا وتكرار تصرف خطير بشأن الجزر الإيرانية الثلاث

روسيا وتكرار تصرف خطير بشأن الجزر الإيرانية الثلاث

الموقف الروسي المرافق للمزاعم الإماراتية بشأن الجزر الإيرانية الثلاث تعرضت لانتقادات حادة لدى الرأي العام الإيراني، وهناك آراء مختلفة حول أسباب هذا التصرف المخطئ.

وكالة مهر للأنبا- الخبير السياسي، سید رضی عمادی: انعقد الاجتماع السادس لمنتدى التعاون بين الدول العربية وروسيا يوم 20 نوفمبر برئاسة وزير خارجية مغرب، ناصر بوريطة، كما حضر هذا الاجتماع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى جانب وزراء خارجية عدد من الدول العربية، حيث في البيان الختامي للاجتماع تم التطرق إلى الجزر الإيرانية الثلاث، وزعم البيان أن الحلول والمبادرات السلمية الهادفة إلى حل ما يسمى بالصراع بين إيران والإمارات يتم دعمها من خلال المفاوضات الثنائية أو محكمة العدل الدولية، استنادا إلى القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة. والسؤال المهم هو انه لماذا دعمت روسيا مرة أخرى مزاعم الإمارات بشأن الجزر الإيرانية الثلاث؟

الجزر الثلاث إيرانية بحتة

جزر طنب الصغرى والكبرى وبوموسى هي ثلاث جزر تشير الوثائق التاريخية إلى أن لها هوية إيرانية بالكامل، حيث ان بو موسي هي جزيرة مأهولة بالسكان وتبلغ مساحتها حوالي 12 كيلومترا مربعا. وتبلغ مساحة طنب الكبرى 11 كيلومتراً مربعاً، وطنب الصغرى 2 كيلومتراً مربعاً. هناك العديد من الوثائق التاريخية والثقافية حول انتماء الجزر الثلاث إلى إيران، ومن الناحية الثقافية ايضا، فإن كلمة طنب هي كلمة فارسية من اللهجات المحلية لجنوب إيران. وسبب هذه التسمية هو أن البحارة المحليين عندما اقتربوا من هذه الجزر رأوها على شكل تلة وسط الماء، ولهذا السبب أطلقوا لقب طنب على الجزيرتين.

لذلك فان جذور مزاعم الإمارات حول ملكية الجزر الإيرانية تعود إلى التصرفات البريطانية في أوائل القرن العشرين، حيث انه في عام 1903، احتلت الحكومة البريطانية جزيرتي بوموسى وطنب الكبرى، وفي عام 1908 احتلت طنب الصغرى أيضًا. فالحكومة الإيرانية احتجت عليه عدة مرات بعد احتلال هذه الجزر، وفي النهاية في نوفمبر 1971، استعادت إيران سيادتها على الجزر بشكل مطلق ومؤكد دون أي شروط، وقبلت بريطانيا هذه السيادة. وقد ورد ذكر هذا الموضوع و سيادة إيران على الجزر الثلاث في عدة وثائق تاريخية مثل تقارير "السير جون مالكوم" و"الكابتن هاين" و"الكابتن جورج بارنز بروكس"، حيث ذكرت جميع هذه الوثائق مراراً وتكراراً بأن ملكية هذه الجزر الثلاث تعود لإيران. بالإضافة إلى ذلك، في خريطة الأميرالية البريطانية عام 1863، وخريطة البحرية البريطانية عام 1881، وخريطة إيران التي أعدتها وزارة الحرب البريطانية عام 1886، تم تلوين هذه الجزر بلون الأراضي الإيرانية.

مزاعم الإمارات ومواقف روسيا الأخيرة

في السنوات الأخيرة، زعمت دولة الإمارات مرارا ملكيتها للجزر الإيرانية الثلاث، وطالب وزراء خارجية الدول العربية وروسيا يوم 20 نوفمبر، في البيان الختامي لإجتماعهم في المغرب بطرح قضية الجزر الثلاث في الخليج الفارسي في محكمة العدل الدولية. وينص البيان على ترحيب الأطراف بالحلول والمبادرات السلمية لحل النزاع حول ملكية الجزر الثلاث.

الموضوع المهم أنه عندما استعادت إيران هذه الجزر من بريطانيا، لم تكن هناك دولة اسمها الإمارات في جغرافيا العالم، وتم تأسيسها بعد عامين من استعادة إيران لهذه الجزر من الاستعمار البريطاني، ولذلك، فإن موقف روسيا المرافق للمزاعم الإماراتية تعرض لانتقادات شديدة من قبل الرأي العام الإيراني، ويعتبرونه متعارضا مع تقدم العلاقات الثنائية بين طهران وموسكو. وفي يوليو من هذا العام أيضا أظهرت روسيا دعهمها لـ "الجهود السلمية للتوصل إلى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث من خلال المفاوضات الثنائية" في بيان اجتماع الدول الأعضاء لمجلس التعاون للخليج الفارسي.

أسباب موقف روسيا من مرافقة الإمارات بشأن الجزر الثلاث:

أولاً؛ يواجه الروس، خاصة بعد الحرب في أوكرانيا، ضغوطا اقتصادية من جهة، والاستراتيجية الأميركية والأوروبية لعزل موسكو من جهة أخرى، ولذلك فإن روسيا من ناحية تتخذ خطوات لزيادة العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية التي تعد من الدول الرأسمالية، ومن ناحية أخرى تحاول أن تثبت من خلال حضور الاجتماعات المشتركة مع الدول العربية أن استراتيجية أمريكا وأوروبا لقد فشل في عزل روسيا. حيث تقول آنا بورتشوسكايا، الخبيرة البارزة في الشؤون الروسية في مركز واشنطن للأبحاث في الشرق الأدنى في هذا الصدد: "الشرق الأوسط يعتبر شريانًا اقتصاديًا حيويًا لروسيا بعد حرب أوكرانيا... إن الشرق الأوسط هو الذي جعل الاقتصاد الروسي يعاني بشكل أقل من العقوبات الغربية."

وثانيًا؛ ترتبط معظم الدول العربية بعلاقات وثيقة مع أمريكا، ولكنها حاولت، خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة، خلق التوازن في سياستها الخارجية وتعزيز علاقاتها مع القوى الأخرى مثل الصين وروسيا في نفس الوقت بالتزامن مع استمرار علاقاتها مع أمريكا، ولذلك، فإن موسكو، المتفهمة لهذا النهج الذي تتبعه الدول العربية، تحاول تعزيز العلاقات مع هذه الدول.

ضرورة التحرك الجاد من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه الموقف الروسي

الحقيقة أن موقف روسيا من الاصطفاف مع الإمارات بشأن الجزر الإيرانية الثلاث يشكل تجاوزاً للخطوط الحمراء للجمهورية الإسلامية الإيرانية فيما يتعلق بالسيادة وسلامة الأراضي. ومع ذلك، وعلى الرغم من الانتقادات اللفظية التي وجهتها سلطات الجمهورية الإسلامية الإيرانية لموقف روسيا هذا، لم تتخذ الحكومة الإيرانية أي إجراء عملي لمواجهة هذا الموقف من موسكو... لا شك أن للعلاقات بين إيران وروسيا خصوم في داخل البلدين وكذلك خارجهما، ولكن لاينبغي لإيران وحدها أن تشعر بالقلق إزاء هذه القضية، بل ينبغي لروسيا أيضا أن تشعر بقلق جدي إزاء الجهود المبذولة لإعاقة أو تعطيل العلاقات بين موسكو وطهران، وهو أمر لانلمسه حاليا في سلوك المسؤولين في الكرملين.

أدوات الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمواجهة المواقف التي لا تتوافق مع مصالحها وهي:

أولاً؛ على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تخرج العلاقات مع روسيا من المستوي السياسي والأمني البحت، وأن تعزز البعد الاقتصادي لهذه العلاقات، حتى يتلقى الروس الرسالة بأن تعطيل العلاقات مع طهران سيكلفهم اقتصاديا. تجدر الإشارة إلى أنه في حين أن حجم التجارة الخارجية لإيران مع روسيا لم يتجاوز 4 مليارات دولار سنويًا وأن روسيا ليست حتى من بين أكبر 5 شركاء تجاريين لإيران، إلا أنه في عام 2022 التجارة غير النفطية بين روسيا والإمارات ارتفعت بنسبة أكثر من 68%، وقد نمت وتجاوزت 9 مليارات دولار، منها 8 مليارات و500 مليون دولار صادرات روسية، وهو ما يظهر نمواً بنسبة 71% مقارنة بعام 2021.

ثانيًا؛ على الجمهورية الإسلامية الإيرانية تذكير روسيا وتحذيرها من أن دعم المزاعم الإقليمية للدول الأخرى يمكن أن يضر بروسيا نفسها. على سبيل المثال، هناك نزاع بين روسيا واليابان حول جزر الكوريل، وأعلنت وزارة الخارجية اليابانية في منتصف حرب أوكرانيا أن "الأراضي الشمالية هي مجموعة من الجزر اليابانية التي يحق لطوكيو أن تحكمها وهي جزء لا يتجزأ من أراضي اليابان، لكن روسيا تحتلها حاليا بشكل غير قانوني". يمكن للمسؤولين في الجمهورية الإسلامية أن يثيروا الحاجة إلى حل النزاع بين روسيا واليابان حول جزر الكوريل، وهو الإجراء الذي تم اتخاذه أيضًا في الصيف الماضي، حيث قال رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، سيد كمال خرازي في تموز/يوليو الماضي، خلال لقاء مع السفير الياباني: "إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كموقف مبدئي، ضد أي تدخل عسكري وانتهاك لسيادة وسلامة أراضي الدول، وفي رأيي أن أفضل طريقة لحل النزاعات الإقليمية بين اليابان وروسيا حول الجزر الأربع تتلخص في المفاوضات المباشرة بين البلدين".

كما غرد محسن رضائي بعد الموقف الروسي الأخير في المغرب، قائلا: "لا ينبغي تكرار تدخلات روسيا غير الودية فيما يتعلق بسلامة الأراضي الإيرانية...الجزر الثلاث ليست شبه جزيرة القرم". وردا على تصرفات روسيا في المغرب، ذكّر مستشار قائد الثورة الإسلامية، علي أكبر ولايتي موسكو بأن "روسيا في وضع دولي معقد وأن تبني وزارة الخارجية الروسية لبعض المواقف أمر مؤسف ويضر بمصداقيتها".

ويمكن التعبير عن هذه التعليقات عبر القنوات الرسمية وبموقف أكثر حسما، حتى تدرك روسيا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من ناحية، لا تسمح لموسكو باستخدام ورقة إيران واللعب بمصالح إيران للحصول على امتيازات من الدول الأخرى وان هذا التصرف أمر مكلف بالنسبة لموسكو ولا يمكن التسامح معه، ومن ناحية أخرى، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست على استعداد للبقاء صامتة أو متفرجة في مواجهة بعض سياساتها غير الصحيحة، والتي هي تجاوز الخطوط الحمراء الإيرانية، على حساب الحفاظ على العلاقات مع روسيا.

ثالثا، إن الجمهورية الإسلامية هي إحدى الدول التي لم تتخذ مواقف مناهضة لروسيا في الحرب ضد أوكرانيا فحسب، بل اتهمتها الولايات المتحدة وأوروبا أيضًا بدعم روسيا في هذه الحرب، فإذن إن تكرار الموقف الروسي تجاه الجزر الإيرانية يمكن أن يصاحبه تغيير في نهج الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه أوكرانيا، لأنه كما يعتقد الروس، لا يوجد أصدقاء وأعداء دائمون في السياسة الخارجية، بل المهم هو المصالح، ويمكن لإيران أيضاً أن تثير هذه القضية أمام موسكو.

خلاصة القول

لا شك أن الخط الأحمر الأهم بالنسبة لإيران هو الحفاظ على وحدة أراضيها وسيادتها. خلال السنوات الثماني من الحرب المفروضة، وعلى الرغم من دعم القوى العظمى للعراق، لم تخسر الجمهورية الإسلامية الإيرانية أي شبر من أراضي الوطن وإن ادعاءات الإمارات بشأن الجزر الثلاث، حتى لو تكررت كل يوم، لن تغير هوية هذه الجزر الإيرانية، ولن تأتي الجمهورية الإسلامية الإيرانية أبدا إلى أي طاولة مفاوضات حول هذه الجزر، إلا أن الصمت أمام انحياز بعض الدول مثل روسيا لا يجوز أيضاً، ومن الضروري أن تتفاعل وزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الموضوع وتتخذ إجراءات أكثر جدية في هذا المجال بالأدوات التي متوفرة لديها، بطريقة تجعل الروس يفهمون بأن إعتقادهم باستخدام بطاقة إيران للحصول على امتيازات من دول أخرى، خاطئ تماما.

/انتهى/

رمز الخبر 1939680

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha