٠١‏/٠٦‏/٢٠٢٥، ٨:٢٦ م

الإمام الخميني (ره) لم يكن مجرد فقيه بل مفكر سياسي أسس دولة حديثة برؤية إسلامية

الإمام الخميني (ره) لم يكن مجرد فقيه بل مفكر سياسي أسس دولة حديثة برؤية إسلامية

أكد الناطق الرسمي للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، الدكتور علي فاضل الدفاعي، أن نهضة الإمام الخميني "مثّلت محاولة فريدة لجعل الدين مصدرًا شاملًا للسلطة في دولة حديثة". مشيراُ إلى أن "الثورة الإسلامية تحولت إلى نهضة شاملة أسست نظامًا بمقاييس عصرية تستند إلى العلم والإيمان".

وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: ثورة _ نهضة قامت على مبادئ الإسلام المحمدي الأصيل أبهرت العالم، لأنها أسست لدولة بمقاييس عصرية، تتنفس برئة إسلامية، بقيادة مفكر وقائد ومرجع عظيم وفريد، ألا وهو روح الله الموسوي الإمام الخميني (قده).

ومن خلال التعمق بهذه الثورة المباركة، يتبين أن إبداع الإمام الخميني (رض) في ثورته المباركة ارتكز على ثلاثة محاور وهي: الشعب، الروح الإسلامية، شخصية الإمام الخميني.

حول البعد الثقافي لثورة الإمام الخميني (قده)، أجرت مراسلتنا الأستاذة وردة سعد حواراً صحفياً مع الباحث في الشأن السياسي والناطق الرسمي للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي، الدكتور علي فاضل الدفاعي، وجاء نص الحوار على النجو التالي:

هل استطاع الإمام الخميني في تنظيره للنظام الإسلامي في دولة حديثة تواكب العصر، ومن ثم إقامة هذا النظام بشكل فعلي، هل استطاع المحافظة على جوهر التشريع الإسلامي للحكم؟ وإلى أي حد استفاد من التطورات الكبيرة التي أنتجها الفكر الحداثي البشري في مجال الحكم وممارسة السلطة؟

الثورة التي قام بها الشعب الإيراني المسلم، بقيادة الإمام الخميني، رضوان الله تعالى عليه، تحولت فيما بعد إلى نهضة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، نهضة شملت كل مرافق الحياة وبناء الدولة وتأسيس النظام. ومع أن معالم الثورة وشخصية قائدها الراحل، ومنهجيته في المواقف والخطاب والتأسيس، كلها كانت تقوم على مبادئ الإسلام وتستند إلى مفاهيم القرآن الكريم، إلا أن النهضة التي أنتجتها الثورة الإسلامية، والدولة التي أسستها العمامة الحوزوية، أبهرت المتابعين لها، ممن كانوا يظنون أن اتجاه بناء الدولة سينكفئ، بذريعة أن القائمين عليها من رجال الدين، وأن الثورة ذات طابع إسلامي، متصورين أن العلمانية التي يعرفونها هي النسخة الوحيدة لبناء دولة عصرية، بينما ظهرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة بمقاييس عصرية، تستند إلى العلم، وتعتمد على العلماء والمختصين، وهي في الوقت ذاته تتنفس برئة إسلامية، ومصدر قوتها يقوم على الإيمان والالتزام بالدين الإسلامي الأصيل. ومن هنا نستطيع أن نبين أهم معالم هذه النهضة التي صنعت الدولة:

أولاً: الحفاظ على جوهر التشريع الإسلامي
سعى الإمام الخميني إلى إقامة نظام سياسي قائم على المرجعية الفقهية، مستندًا إلى فكرة "ولاية الفقيه"، التي تمنح الفقيه الجامع للشرائط ولايةً على شؤون الأمة، باعتباره نائبًا عن الإمام المعصوم. بهذا المعنى، حاول الإمام الراحل، قدس سره، أن يحافظ على جوهر التشريع الإسلامي، من خلال اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرًا للتشريع وسن القوانين، إضافة إلى إنشاء مجلس صيانة الدستور، الذي يراقب تطابق القوانين مع الشريعة.

ثانيًا: الاستفادة من الفكر الحداثي في إدارة الحكم
استفاد الإمام الخميني من آليات الحكم الحديثة، من قبيل: مأسسة السلطة، فكان للدولة دستور، وانتخابات، ومجالس تشريعية (مثل مجلس الشورى ومجلس الخبراء)، وكلها من أدوات الدولة الحديثة والأنظمة الديمقراطية. وكذلك مبدأ الفصل بين السلطات، إذ توجد سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية. كما استخدم الإمام، ومن بعده النظام، وكل مؤسسات الدولة، مفاهيم "الشعب" و"الإرادة الشعبية" بشكل واسع، وهو ما يؤكد استناد الثورة ونهضتها على الشعب بالدرجة الأساس.

الإمام الخميني، رضوان الله تعالى عليه، لم يكن مجرد فقيه ومرجع تقليد، بل كان مفكرًا سياسيًا، حاول أن يُحوّل الفقه من كونه أداة فردية لتنظيم حياة المسلم، إلى إطار شامل لبناء دولة. ولهذا، كانت "ولاية الفقيه" ليست فقط فتوى فقهية، بل نظرية حكم.
لقد مثّلت نهضة الإمام الخميني محاولة فريدة لجعل الدين مصدرًا شاملًا للسلطة في دولة حديثة. فقد حافظ على الجوهر الفقهي، والمبدأ الإسلامي الواضح، واستند إليهما بشكل محترف، وكأنه قد خطط لذلك منذ عقود، بينما لم تسبق تلك التجربة على أرض الواقع غيرها، فأسس دولة معاصرة حديثة برؤية إسلامية تستند إلى الفقه والقرآن.

كثيرًا ما ترافقت الثورات العالمية الكبرى بما عرف باسم الثورة الثقافية.. سمعنا عن ذلك في الصين خصوصًا، وفي بلدان أخرى حاولت التخلص من إرث الاستعمار على مستوى الفكر والثقافة لدى النخب وفي صفوف الطبقات الشعبية.. ما هي عناصر الثورة الثقافية في فكر الإمام الخميني؟ وكيف استطاع فرضها على المجتمع الإيراني الذي خضع لعمليات تغريب عميقة في زمن الشاه؟

لكي تحافظ الثورة، أي ثورة كانت، على ديمومتها وبقاء تأثيرها وارتباط المؤمنين بها بنهجها وقياداتها، فينبغي أن تكون وفية لمبادئها والمنطلقات الفكرية التي قامت عليها، وهي بذلك يجب أن تقتلع كل جذور الثقافة السابقة التي كانت تقوم على النقيض مما استوجب قيام الثورة وتقديم التضحيات في سبيلها.

في حالة الإمام الخميني، لم تكن الثورة مجرد حدث سياسي لإزاحة الشاه، بل كانت مشروعًا متكاملًا لتغيير الهوية الثقافية والحضارية لإيران، والعودة إلى “الذات الإسلامية” كمرجعية شاملة. لذلك، فقد بُنيت الثورة على عناصر ثقافية مهمة وأساسية.

رأى الإمام الخميني، قدس سره، أن الثقافة ليست مجرد فنون وآداب، بل بنية الوعي التي تُنتج القيم والسلوك والنظام الاجتماعي والسياسي. لهذا، دعا إلى حماية الثقافة من العناصر الغربية، وتأصيلها، وغرس ثقافة إسلامية منسجمة مع الرؤية الثورية والمنطلقات التي قامت عليها. فكانت القطيعة مع الثقافة الغربية، التي تتقاطع أصلًا مع فطرة الإنسان، فضلًا عن مبادئ الإسلام، هي أبرز عناصر هذه الثورة، معتبرة الثقافة الغربية أداة استعمارية ناعمة. فكان الاستقلال الثقافي لا يقل أثرًا وقوة عن الاستقلال السياسي والاقتصادي. ومن خطابات الإمام الراحل في هذا الصدد قوله: (الثقافة الاستعمارية أخطر من السلاح الاستعماري.

كذلك، نشر الإمام الخميني، رضوان الله تعالى عليه، من خلال خطبه وبياناته، ما يمكن وصفه بـ(إسلامية المعرفة)، فرفض منظومات الفكر الغربي، من قبيل: الليبرالية، الماركسية، الفردانية. وشجع على إنتاج علوم إنسانية ومعارف قائمة على القرآن والسنة، ومرتبطة بالفقه والفلسفة الإسلامية.

أثّرت الثورة الثقافية على الفن بشكل واضح، فبدأت الأعمال السينمائية تنطلق من القيم الإسلامية والمجتمعية الأصيلة، وبدأت تناقش المشاكل وتطرح الحلول بنظرة تنسجم مع مبادئ الدولة الجديدة، وتراعي ثقافة المجتمع الإيراني وإرثه الحضاري، مبتعدة عن الاستغراب والانسلاخ عن الذات والواقع والتاريخ، واستخدمت الأعمال الفنية رمزية عالية ومعالجة إنسانية راقية لقضايا مثل الفقر، القمع، المرأة. فنالت السينما الإيرانية بذلك شهرةً عالمية، ونجحت في التعبير الفني ومعالجة مختلف القضايا في ظل الدولة التي أسسها الإمام الخميني، فصنعت لها هوية خاصة متميزة ملتزمة، حظيت باحترام وإعجاب الأوساط الفنية العالمية المختلفة.


مع انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني (ره) وسقوط نظام الشاه الاستبدادي، شعرت بعض الأنظمة العربية بالقلق والخوف، وبدأت ثورة مضادة، بل شُنّت حروب عسكرية لمنع انتشار الفكر الثوري الإسلامي إلى داخلها.. هل نجحت هذه الدول في منع انتقال عدوى الثورة الإسلامية إليها؟ وهل كان الإمام يرغب في تصدير الثورة التي جرى الحديث عنها طويلًا؟

إن ثورةً بحجم الثورة الإسلامية في إيران، تشكّلت على ثلاثة أركان أساسية ومحورية: هي الشعب، الروح الإسلامية، شخصية الإمام الخميني. وفي منطقة لم تعرف شعوبها طعم الإرادة الحرة، ولا حظيت بقيادة مخلصة لحقوقها، فمن الطبيعي أن تشعر بعض الأنظمة العربية، وحتى غير العربية، بالقلق والخوف، لما يترتب على تذوق طعم الحرية في الشعوب المحرومة والمضطهدة من ردة فعل قد تزلزل وجود تلك الأنظمة القائمة على إلغاء حرية الشعوب، بل تسخير كل إمكانياتها إلى مصلحة الحكام غير الشرعيين، إلا بمنطق القوة والغلبة.

لقد كان انتصار ثورة الشعب الإيراني على أعتى قوة بوليسية في منطقة الخليج الفارسي، والنظام الأكثر تجسيدًا وخدمةً لمصالح الغرب، بمثابة تهديد وجودي للأنظمة الحاكمة، لما ترتب عليه من تطلعات واسعة أشرأبت لها أعناق وآمال الشعوب العربية. خصوصًا وأن خطابات الإمام الخميني، قدس سره، لم تُخفِ إعلان الدعوة إلى توسيع نطاق الثورة الإسلامية خارج إيران، ولكن ليس بطريقة “الاحتلال”، بل من خلال إيقاظ الوعي الإسلامي التحرري في وجه الطغيان والاستكبار. كما تم تأكيد ذلك في الدستور الإيراني، إذ ينص على أن إيران تدعم “المستضعفين في الأرض”، وتسعى إلى “امتداد الثورة إلى كل البلاد الإسلامية وغير الإسلامية”.

وكانت خطابات الإمام، رضوان الله تعالى عليه، تؤكد على رعاية الوحدة الإسلامية، فقد دعا إلى تجاوز المذهبية، والتقارب بين السنة والشيعة، كجزء من مشروع تحرري إسلامي عابر للقوميات. ومن المهم هنا الإشارة إلى أن الإمام الخميني لم يدعُ إلى إسقاط أنظمة عربية بقوة السلاح، بل أراد أن تُلهم الثورة الشعوب وتُحرّك النخب الإسلامية ضد القمع والعمالة للغرب، وعدم الزهد بمصالح شعوب المنطقة، وسلب خيراتها من أجل مطامع الغرب الواضحة في بلاد المسلمين، والتي ذهب ضحيتها فلسطين العزيزة وشعبها المشرد والمظلوم.

ربما تكون الدول العربية والأنظمة الحاكمة فيها، قد نجحت جزئيًا، على المدى القصير، في منع انتشار روح التحرر التي أنتجتها الثورة الإسلامية في إيران، لكن الفكرة الثورية، رغم ذلك، انتشرت بعمق على المدى البعيد، وأن شرارة الانعتاق من الاضطهاد والعمالة للغرب، أشعلت نار معرفة شعبية واسعة لا يمكن إخمادها على المدى البعيد، وإن لم تتوفر الظروف بحسب المنظور الآني. ويمكن بيان ذلك في النقاط الآتية:

1. مظاهر القلق العربي: فقد شعرت بعض الأنظمة العربية أن الثورة تهدد شرعيتها الدينية والسياسية. ورأت بعض دول الخليج في الثورة تحديًا مباشرًا لقيادتها للعالم الإسلامي، وكان هناك خوف من أن تنشط الحركات الإسلامية الشيعية والسنية، وتستلهم من النموذج الإيراني.


2. الثورة المضادة: فكانت حرب العراق على إيران (1980–1988)، بدعم مالي ولوجستي من دول عربية وخليجية، وكانت حربًا وقائية لإيقاف تمدد الثورة. فضلًا عن مواقف القمع الداخلي للحركات الإسلامية لدى بعض دول المنطقة، مثل البحرين، السعودية، مصر، الجزائر، وغيرها، حيث قامت بقمع انتفاضات أو حركات حاولت تكرار نموذج الإسلام الثوري، والأسوأ من ذلك، هو نشر خطاب “التكفير للشيعة”، ما فتح الباب لعمليات إرهابية دموية وخطيرة، روّجت لها بعض المؤسسات الدينية العربية، بدعم سياسي، لفكرة أن الثورة الإيرانية ليست إسلامية، بل شيعية، لكسر جاذبيتها بين السنة.


3. نجاحات الثورة الرمزية والمعنوية: فعلى الرغم من كل تلك الجهود التي حاولت حرف مسار الثورة عن إلهام شعوب المنطقة والتأثر بروحها الجديدة، انتقل تأثير الثورة، فكريًا وسياسيًا، إلى عدد من البلدان. فكان ظهور حزب الله (1982) في لبنان، كأول تجسيد خارجي مباشر للروح الثورية التي أحيتها الثورة الإسلامية. وكذلك تأثر حركات إسلامية سنية بالفكرة الثورية، مثل الجهاد الإسلامي في فلسطين، أو بعض القطاعات من حركات الإخوان المسلمين. وكان إحياء خطاب “العداء لأمريكا والاستكبار” كجزء من خطاب إسلامي شعبي، يعد نجاحًا للثورة الإسلامية، ومفتاح دخول إلى وجدان الشعوب العربية والإسلامية. كل ذلك أدى إلى إعادة المكانة المؤثرة للدين كمحرّك وموجّه، باعتباره الوصفة الإلهية التي عمل بها الرسل والأنبياء، بعد أن كان يُختزل في الطقوس، ولا يُسمح له بالتدخل في الحكم والسياسة، إلا بالمقدار الذي يضفي شرعية مزيفة للحاكم المستبد، وهذا ترك تأثيره في كافة الحركات الإسلامية لاحقًا. وهنا من المهم أن نشير إلى تفاعل السنّة العرب مع الثورة الإسلامية، على الرغم من الطابع الشيعي للثورة الإيرانية، فقد ألهمت قطاعات من السنّة العرب – خصوصًا الإسلاميين – بسبب عوامل عابرة للمذهب، من قبيل:

القاسم المشترك: فقد كان الإسلام، كقوة تغيير سياسي، هو المحور الذي تدور حوله كل الحركات الإسلامية، وخصوصًا الثورية، فكثير من الحركات الإسلامية السنية، مثل الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية، وجدت في الثورة الإيرانية نموذجًا عمليًا ولأول مرة لحكم إسلامي يُطيح بنظام طاغية، ويُقيم دولة على أساس الشريعة.

العداء المشترك للغرب والأنظمة المستبدة: فقد رفعت الثورة الإسلامية شعار "الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل"، وعارضت كيان الاحتلال بقوة، بالمواقف الجدية، وليس الخطابية فقط. وهي مواقف لاقت صدى واسعًا في صفوف السنّة، خاصة في فلسطين ومصر والأردن. كما أن الجهاد الإسلامي في فلسطين، وحماس، تأثرتا بشكل مباشر بخطاب الثورة، وتعاونتا لاحقًا مع إيران رغم التباين المذهبي.

الخطاب الوحدوي للإمام الخميني: فقد حرص على ألا يُقدّم الثورة كمشروع شيعي، بل كصحوة إسلامية ضد الظلم، وكرّر الدعوة إلى “الوحدة الإسلامية” مرارًا. وهذا منح الثورة جاذبية عابرة للطائفية.

/انتهى/

رمز الخبر 1958715

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha