٠٢‏/٠٦‏/٢٠٢٥، ٢:٥٧ م

الانتخابات البلدية في جنوب الليطاني – جنوب لبنان 2025

الانتخابات البلدية في جنوب الليطاني – جنوب لبنان 2025

الانتخابات البلدية لعام 2025 في منطقة جنوب الليطاني– جنوب لبنان، يعد محطة مفصلية ليس فقط على مستوى الحكم المحلي، بل في سياق أشمل يتعلق بالصمود، والمقاومة، والانتماء، والإرادة الشعبية في مواجهة التحديات المتعددة.

وكالة مهر للأنباء- محمد احمد نورالدين(رئيس بلدية برج قلاوية ): يمثل هذا التقرير خلاصة مجموعة من القراءات التحليلية والسياسية والاجتماعية التي تناولت الانتخابات البلدية لعام 2025 في منطقة جنوب الليطاني– جنوب لبنان، انطلاقًا من خصوصية هذه المنطقة التاريخية والسياسية، وما تحمله من رمزية وطنية ومقاوِمة عبر العقود. يُعد هذا الاستحقاق البلدي محطة مفصلية ليس فقط على مستوى الحكم المحلي، بل في سياق أشمل يتعلق بالصمود، والمقاومة، والانتماء، والإرادة الشعبية في مواجهة التحديات المتعددة، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية.

أولاً: السياق التاريخي والسياسي للانتخابات البلدية في الجنوب

منطقة الجنوب الليطاني في لبنان ليست فقط منطقة جغرافية، بل هي سيرورة لتاريخ طويل من المعاناة والبطولة. عانت هذه الأرض من الاحتلال والعدوان الإسرائيلي المتكرر، ودفعت ثمناً باهظاً دفاعًا عن سيادة لبنان، ودعمًا للقضية الفلسطينية. الانتخابات البلدية فيها ليست مجرد آلية ديمقراطية دورية، بل هي تعبير عن الإرادة السياسية المقاومة، وتجديد لعهد الانتماء الوطني.

وقد أتت انتخابات 2025 بعد مرحلة معقّدة:
• عدوانات إسرائيلية متكررة، كان آخرها قبل يومين من الانتخابات، حيث استهدفت الطائرات الإسرائيلية أكثر من 15 موقعًا في نواحي عدة من الجنوب ، في محاولة لإرهاب الناس ومنعهم من التوجه إلى صناديق الاقتراع.
• أزمات اقتصادية خانقة، حيث فقد الكثير من الناس بيوتهم أو مصادر رزقهم، وارتفعت نسب النزوح الجزئي من القرى إلى المدن أو خارج البلاد.
• تدمير واسع للبنية التحتية، طال الطرق والمباني والمدارس والمستشفيات.
• أزمات اجتماعية، مع وجود أكثر من ثلث السكان متأثرين بشكل مباشر بالدمار، ونصفهم يواجهون أضرارًا اجتماعية واقتصادية كبيرة.

ثانيًا: نتائج الانتخابات وتحليل دلالاتها

رغم كل هذه التحديات، سجلت الانتخابات البلدية لعام 2025 مشاركة فعالة من قبل الأهالي، وشكّلت في مضمونها رسالة سياسية وطنية واضحة.

• شاركت لوائح “التنمية والوفاء” في 109 بلديات في منطقة جنوب الليطاني.
• فازت بالتزكية في 71 بلدية، مقارنة بـ35 فقط في عام 2016، ما يعكس حجم الالتفاف الشعبي حول خيار المقاومة والتنمية ، والمشاركة الضمنية العالية في توحيد الرؤى والأهداف والوصول للمشتركات بخصوص الإدارات المحلية من خلفية وطنية جامعة متحسسة ضرورات الوحدة في هذه المرحلة.
• هذا التوسع يشمل بلديات كبرى، وليس فقط صغيرة أو متوسطة، وهو نتيجة إجماع شعبي على تثبيت خيار التنمية في بيئة المقاومة.
• حتى اللوائح أو المرشحين الذين ترشحوا بمواجهة لوائح المقاومة هم من بيئة المقاومة نفسها، يحملون إيمانًا عميقًا بخيار المقاومة ولكنهم يمتلكون رؤى مختلفة في إدارة التنمية المحلية، مما يعكس تنوعًا صحيًا داخل البيت الواحد.

ثالثًا: تحليل نوعية المشاركة وتحديات الواقع

بسبب الدمار والنزوح، لم يكن جميع المواطنين مقيمين في قراهم. إلا أن عدداً كبيراً من أبناء الجنوب عادوا من بيروت وصيدا والنبطية وصور وبلدات بعيدة خصيصًا للمشاركة، وأدلوا بأصواتهم دعماً للوائح المقاومة والتنمية، رغم كل الصعوبات اللوجستية والأمنية.

اللافت أيضًا أن بعض القرى التي دُمرت بشكل شبه كامل، وكانت صناديق الاقتراع موضوعة في قرى بعيدة عنها، شهدت مشاركة حماسية من الأهالي، بما يدل على حجم الإرادة والتمسك بالأرض.

في المقابل، شهدت بعض القرى غيابًا كامل للانتخابات، نتيجة التهجير أو عدم القدرة على الوصول، والاقتراع في أماكن امنة ما يطرح سؤالًا مستقبليًا عن كيفية تمكين هذه الفئات من ممارسة حقوقها الديمقراطية في ظل الكوارث الناتجة عن العدوان المستمر.

رابعًا: أولوية الإعمار في ما بعد الانتخابات

من أهم الرسائل التي صدرت من الانتخابات هو التأكيد على أولوية الإعمار. الدمار طال بشكل مباشر أكثر من ثلث السكان، وأثر اجتماعيًا على ما يقارب النصف، ما يفرض على الدولة اللبنانية، وعلى الجهات السياسية والمجتمعية، تبني ورشة وطنية شاملة لإعادة البناء.

هذا يتطلب:
• إعادة بناء المنازل والمؤسسات العامةوالخاصة.
• دعم المشاريع الإنمائية والزراعية والاقتصادية الصغيرة.
• استنهاض سوق العمل وإعادة الحياة إلى الدورة الاقتصادية.
• توجيه تمويل مباشر إلى القرى المتضررة عبر الصناديق البلدية.

هذه الورشة يجب ألا تكون آنية، بل طويلة الأمد، لأنها جزء من معركة الصمود نفسها.

خامسًا: خصوصية النخب المنتخبة وضرورة الدعم المؤسسي

من الضروري الإشارة إلى أن طبيعة المرشحين في هذه الانتخابات تغيّرت، لأن غالبية رجال الأعمال والاختصاصيين والمتمكنين اقتصاديًا غادروا هذه المناطق أو لم يتمكنوا من الترشح بسبب الواقع الميداني، ما أرخى بظلاله على تركيبة النخب المنتخبة.

لذلك فإن البلديات المنتخبة، في معظمها، بحاجة إلى تدريب وتأهيل ورعاية إدارية وتقنية مستمرة، لكي تتمكن من إدارة الملفات الثقيلة التي تنتظرها في مرحلة ما بعد الحرب. المطلوب هنا:

• إطلاق برامج دعم من الوزارات والمؤسسات المركزية.
• فتح دورات تدريب للكوادر المحلية.
• تمكين البلديات قانونيًا وماليًا لممارسة صلاحياتها بفعالية.

سادسًا: البلديات كدرع للمجتمع ومؤسسة للصمود

لا يمكن فصل الانتخابات عن الدور الحيوي الذي تؤديه البلديات. فهي ليست فقط جهازًا إداريًا، بل هي اليوم:
• مركز للتنظيم الاجتماعي.
• رافعة للهوية الثقافية والانتماء.
• جسر بين المواطن والدولة.
• ومؤسسة مقاومة تواجه تداعيات العدوان والفقر والإهمال.

البلديات هي حاضنة النسيج الاجتماعي، والضامن الأساسي لاستمرار المجتمعات المحلية، ولهذا فإن تقويتها يجب أن تكون من أولويات الجميع.

الخاتمة: قراءة في الرسالة السياسية للانتخابات

انتخابات 2025 في الجنوب الأولى لم تكن مجرد استحقاق تقني أو ديمقراطي. لقد كانت مواجهة شعبية واسعة ضد العدوان، وتأكيدا على التمسك بخيار المقاومة، والدعوة إلى إعمار الجنوب.

أثبت الناس أن التهجير والقصف والفقر لن ينال من إرادتهم، لكنهم أيضًا أرسلوا رسالة إلى الدولة والمجتمع الدولي مفادها: نحن صامدون، لكننا نحتاج إلى شراكة حقيقية ودعم فعلي لإعادة إعمار حياتنا.

كما أن التنوع داخل بيئة المقاومة، وتنافسها حول إدارة الشأن المحلي، يعكس نضجًا سياسيًا داخليًا، يستحق التوقف عنده كعلامة صحية يجب رعايتها لا كتهديد.

وأخيرًا، فإن ورشة الجنوب المقبلة يجب أن تبدأ فورًا، وتكون شاملة، عادلة، دائمة، لكي يتحول هذا الصمود الانتخابي إلى صمود اقتصادي وإنمائي، يحمي الأرض والناس، ويكرس خيار المقاومة بوصفه خيارًا للحياة لا فقط للرد على الاعتداء.

/انتهى/

رمز الخبر 1958758

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha