وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: حظي الخطاب الأخير لسماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله) بتغطية إعلامية واسعة النطاق في وسائل الإعلام العالمية والدولية، وكان فيه الكثير من الرسائل للقريب وللبعيد. فيه تشريح وافي وكافي وحازم وحاسم وصارم بكيفية التعامل مع العدو الصهيو-أميركي، ومعرفته بأن كل ما يقوم به ويصرح به ترامب هو تهريج وكذب وتمثيليات. حول خطاب المرحلة للسيد القائد دام ظله، أجرت مراسلتنا، الأستاذة وردة سعد، حواراً صحفياً مع الكاتب والباحث السياسي غالب سرحان، وجاء نص الحوار على النحو التالي:
يقول سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي إن الصهاينة والأميركيين، إلى جانب القتل العشوائيّ للناس، اغتالوا العلماء وتفاخروا بهذه الجريمة. لكن عليهم أن يعلموا أنّهم لا يستطيعون اغتيال العلم. وبكلمة مختصرة، بدّد أوهام الرئيس الأميركي وغطرسته بشأن تدمير الصناعة النوويّة الإيرانيّة!
هنا كيف تبدو لك بلاغة الخطاب الإيراني على لسان السيد القائد؟ وهل نفهم من ذلك فشل العدوان الأميركي الصهيوني على إيران؟
أولاً، الخطاب الأخير للسيد خامنئي كان خطاباً استراتيجياً، بحيث يمكن اعتباره:
أولاً: خطاب المرحلة، بمعنى أنه قدّم تشخيصاً دقيقاً وموضوعياً للمرحلة الحالية استناداً إلى ما سبقها وتخللها من وقائع أدت إلى معادلات إقليمية جديدة أرستها نتائج العدوان الصهيو-أميركي على إيران في 12 حزيران (يونيو) الماضي، وهو ما أحضر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى كيان العدو اليائس، محاولاً "بحفنة من الترّهات والتهريج أن يبثّ الأمل في نفوس الصهاينة اليائسين، وأن يرفع من معنوياتهم"، كما أكد السيد خامنئي.
وثانياً: هو خطاب أسّس لمعالم المرحلة المقبلة، من خلال وضع النقاط على الحروف وإعادة رسم خارطة التموضعات الحقيقية للصراع مع دول الاستكبار العالمي، من خلال استقراء نتائج العدوان على الكيان والإقليم، وتثبيت عناصر القوة الإيرانية، ومعنويات الشعب ووحدته، وتعرية السياسات الأميركية، ومآزقها الداخلية، وفضح أهدافها وخلفياتها التي تحاول إسقاطها على شعوب العالم.
أما بالنسبة للعدوان الأميركي الصهيوني على إيران، فقد بات من نافل القول أنه فشل فشلاً ذريعاً بشهادة العدو نفسه قبل الصديق. وهو فشل ترجمه إجهاض إيران لمفاعيل هذا العدوان وأهدافه، سواء منها هدف القضاء على الصناعة النووية الإيرانية، الذي وصفه السيد خامنئي ب"الوهم"، أو هدف تدمير القوة والقدرات الإيرانية الصاروخية التي أكد الخطاب على أنها صناعة وطنية بامتياز، بما يعنيه ذلك من أنها لا تنضب، خصوصاً وأن طهران ضاعفت وطورت من إنتاجها منذ الحرب الأخيرة. وصولاً إلى هدف إثارة الفوضى لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية الذي فشل، لكنه لا يزال قائماً لعدوان جديد محتمل.
وهو فشل انسحب على استيعاب إيران لصدمة الضربة الأولى، والانتقال من حال الدفاع إلى حال الهجوم منذ اللحظة الأولى، وتعيين بدائل للقادة الشهداء، وخلال وقت قياسي بالرغم من عنصر المفاجأة الصهيوني، ما أمكن طهران من تحقيق استمرار القدرة على التحكم والسيطرة لمواجهة العدوان مهما طال وتطور.
أما صهيونياً، فالحديث يطول، لكنه يمكن اختصاره بعدة نقاط: أولها الخسائر الاقتصادية الفادحة التي ألحقتها القوة التدميرية الإيرانية بالاقتصاد الصهيوني. وثانيها: الأهداف الحساسة التي أصابتها الصواريخ الإيرانية. وثالثها: ارتفاع عدد المغادرين نهائياً للكيان بفارق 145 ألفاً خلال العام الحالي، بما يعنيه كل ذلك من "تهديد وجودي" للكيان، باعتراف لجنة الهجرة في الكنيست الصهيوني.
تروج وسائل الإعلام الصهيونية والمتصهينة أن الدول التي تواجه الهيمنة الأميركية تشهد الخراب والدمار والأزمات المعيشية، بينما تنعم دول المنطقة المنخرطة في التطبيع بالأمن والاستقرار. فكيف قرأ سماحة القائد هذا الأمر؟ وهل هذا يعني أن تقدم المنطقة مرهون بالخضوع للهيمنة الصهيونية والأميركية؟
لعل الإجابة على هذا السؤال اختصرها السيد خامنئي باعتباره أن الميداليات العالمية التي حازتها إيران هذا العام "تتمتع بميزة إضافية على الميداليات الأخرى، لأنّنا في خضمّ حرب ناعمة يسعى فيها العدو إلى أن يُصيب الشعب بالإحباط واليأس من قدراته". وهو يقصد بذلك الحرب الإعلامية والنفسية والاقتصادية التي تستهدف إيران خصوصاً، وجبهة المقاومة الممتدة منها مروراً بالعراق واليمن وصولاً إلى غزة ولبنان. وهي حرب تروّج لهذه المقولة التي تضمنها السؤال بهدف كيّ الوعي الجمعي لمجتمعات وبيئات المقاومة، وإسقاط روحيتها ومعنوياتها في مواجهة مشاريع إخضاعها وفرض الإملاءات الأميركية الهادفة إلى نهب ثرواتها. وهو ما قصده السيد خامنئي بقوله: "إن العدوّ يحاول منع أو تشويه أنواع التقدّم في إيران"، كون هذا التقدم يشكل أحد عناصر القوة التي تؤدي إلى الاستقلالية وعدم التبعية السياسية والاقتصادية التي يحاول الاستكبار العالمي فرضها من خلال مقولة "السلام بالقوة"، وهو يقصد الاستسلام بالقوة، محاولاً تضليل الشعوب وتيئيسها بأن هذا السلام- الاستسلام أفضل لها وأكثر أماناً من مقاومته وما يترتب عليها من تضحيات، معتمداً أسلوب الكيّ بالقتل والحديد والنار من خلال إرهاب الدولة المنظم. ولهذا كان اعتبار السيد خامنئي "إنّ لهذه الميدالية قيمة مضاعفة، فهي تمثّل أقوى ردّ ممكن على العدو". بما يرمز إليه ذلك من الاقتدار بالاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي الذي يغني عن الحاجة للأعداء الذين لا يهمهم تقدم المنطقة وتطورها. فهذه معظم دولها الخاضعة لهم مجرد محميات وقواعد عسكرية وثكنات ونهب ثروات، ولا تطور فيها ولا تقدم. فالتطور ومقدراته وآلياته حكر فقط على الكيان الصهيوني.
هل استطاعت إيران كسر القاعدة التي يروج لها الإعلام الأميركي والمتصهين بأن الثورات ومنهج التحرر الوطني لا يؤدي إلى إقامة دول مستقرة ومزدهرة؟ وهل يمكن أخذ العبر من القفزات الكبيرة في مجالات متعددة علمية وتقنية وأدبية ورياضية للرد على الدعاية الصهيونية؟ وإلى أي حد ترون أن النموذج الناجح بات سلاحاً في معركة المواجهة مع الهيمنة الإمبريالية؟
لعل خير دليل على أن إيران استطاعت كسر هذه القاعدة هو مناسبة خطاب السيد خامنئي نفسها، وهي "لقاء الأبطال والحائزين على الميداليات في مجال الرياضة والأولمبيادات العلمية العالمية". وهذا ما يدحض السردية الغربية الاستكبارية بما يعني ويؤكد أن الثورات ومنهج التحرر الوطني يعبّد الطريق لإقامة دول مستقرة أمنياً واجتماعياً، ومزدهرة اقتصادياً وعلمياً كما هو حال إيران، وليس العكس كما يحاول الاستكبار العالمي أن يزرع في عقول الشعوب. وما إيران إلا نموذج حيّ على ذلك، من خلال سرعة تطورها العلمي في شتى المجالات وارتقائها إلى مصاف الدول المتقدمة علمياً، وإلى المراتب الأولى في عددٍ منها على الساحة الدولية، لا سيما العلمية، بالرغم من الحصار المفروض عليها منذ سنين. ولهذا قد يستطيع الأعداء اغتيال العلماء، لكنهم لا يستطيعون اغتيال علمهم الذي لقنوه للأجيال من بعدهم، فالعلم لا يُغتال، والفكرة تبقى ولا تسقط برحيل أفراد، وهو ما يقطع الطريق على الأعداء ويحبط مخططاتهم لإحباط روح الإبداع لدى الشعوب. ولهذا أراد سماحته بث روح الأمل لدى جيل الشباب والشعب عموماً، باعتباره الشباب المشاركين في الأولمبيادات "نجوماً متلألئة، وبعد عشر سنوات سيكونون شمسًا إذا واصلوا العمل".
/انتهى/
تعليقك