٠٩‏/١١‏/٢٠٢٥، ٩:٥٩ م

واشنطن تسعى لتغيير الخارطة السياسية لأميركا اللاتينية وإسقاط نظام مادورو

واشنطن تسعى لتغيير الخارطة السياسية لأميركا اللاتينية وإسقاط نظام مادورو

رأى المختص بالشأن الأمريكي، الأستاذ "علي فرحات" أن التحركات العسكرية الأميركية في البحر الكاريبي تؤشر إلى نية واشنطن إسقاط نظام مادورو وتغيير توازنات أميركا اللاتينية سياسيًا واقتصاديًا.

وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: هل جاء الدور على فنزويلا بعد العراق وأفغانستان وليبيا وإيران وفلسطين وسوريا ولبنان واليمن والحبل يطول من البلدان.

توحش اميركي لا حدود ولا ضوابط له، لدرجة تعتبر فيها الولايات المتحدة نفسها فوق القوانين لا بل هي من تضع القوانين والعقوبات بما يتناسب مع مصالحها، وقد وصلت مطامعها وتهديداتها الى اميركا اللاتينينة بهدف تغيير الخارطة السياسية هناك، مهددة ومتوعدة فنزويلا بإسقاط نظام الرئيس مادورو.
هي بلطجة اميركية بكل ما للكلمة من معنى.حول آخر التطورات الحاصلة في امريكا اللاتينية، أجرت مراسلتنا، الأستاذة وردة سعد، حواراً صحفياً مع الكاتب الصحفي المختص بالشأن الاميركي، أ.علي فرحات، وجاء نص الحوار على النحو التالي:

الرئيس الأميركي دونالد ترامب طلب حشد جيوشه في البحر الكاريبي وأطلق التهديدات المباشرة للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو ولبلاده وشعبه… هل تتوقعون أن ينفذ ترامب هذه التهديدات؟ وهل يمكن أن يدخل حربًا جديدة في القارة الأميركية؟

من خلال التحشيدات التي يحشدها الجيش الأميركي في بحر الكاريبي، ومن خلال نوعية الأسلحة — أكبر حاملة طائرات "جيرالد فورد" مع غواصات نووية ومقاتلات حديثة وصواريخ دقيقة — كلها لا تشي بأن ما يقوم به ترامب هو ضد تجار المخدرات، خصوصًا أنه حتى الآن لم تقدم الولايات المتحدة أي إثباتات قانونية ولم تستند إلى المؤسسات الدولية التي يمكن أن تعطي مشروعية لمحاربة المخدرات، هذا إذا كان السبب هو المخدرات.
أعتقد أن المشروع الأميركي، بحسب ما لمح إليه ترامب بتصريحاته، أن مادورو أيامه معدودة. أيضًا وزير الخارجية كان له حديث صريح في هذه المسألة بأن النظام الفنزويلي أصبح معدود الأيام، كذلك السناتور ليندسي غراهام، المقرب جدًا من ترامب، تحدث عن نية أميركا بإسقاط النظام الفنزويلي.
أعتقد أن كل المؤشرات تشي بأن هناك تحركًا أميركيًا ينوي إسقاط نظام مادورو، ويعتبر أن هذه اللحظة مناسبة الآن في خضم الحرب الدولية، خصوصًا أن روسيا، الحليف الأساسي لفنزويلا، تعيش حربًا كبيرة مع أوكرانيا، وبالتالي لن تكون قادرة على أن تقوم بتحشيد عسكري في البحر الكاريبي، على الرغم من المساعدات العسكرية الكبيرة.
الأسباب كثيرة، خصوصًا أن الإدارة الأميركية الحالية تعتمد على "عقيدة مونرو"، بمعنى أنها تنظر لأميركا اللاتينية على أنها الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، وتعتبرها حزام الأمان الخاص بها، وأي دخول لما يسمونه هناك بالمعسكر الشرقي، بالإشارة إلى الصين وروسيا، يمكن أن يشكل تهديدًا خطيرًا لأمن الولايات المتحدة.
أعتقد أن فنزويلا هي المدخل الأساس، خصوصًا أن هناك استثمارات روسية في الشأن العسكري، وأيضًا هناك استثمارات صينية كبيرة جدًا في المجال الاقتصادي. بالتالي يمكن أن يقوم ترامب الآن بما يسمونه المحافظون "سياسة قطع الأجنحة"، بمعنى أن يبددوا كل القوة التي تستند إليها الصين في المعركة القادمة، وألا يكون هناك نقاط ضعف تستند إليها الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى أن أميركا اللاتينية، وبالتحديد إبان معركة غزة، شهدت صرخات واضحة من رؤساء كولومبيا والبرازيل وتشيلي وفنزويلا، صرخات جريئة جدًا فاقت حتى العالمين العربي والإسلامي، وبالتالي كانت إشارة واضحة للإدارة الأميركية بأن هناك في القارة الأميركية من لا يتماهى مع السياسة الأميركية.
أعتقد أن الولايات المتحدة بعقلية ترامب تسعى إلى عملية "تنظيف" لأميركا اللاتينية، والحرب على الاشتراكية واليسار، وهما العدو الرئيسي للمحافظين الجدد في أميركا.
إذن هي مجموعة عوامل مجتمعة، وأيضًا ترامب يريد تحقيق بعض الإنجازات ليسوقها في الداخل الأميركي، خصوصًا مع عملية الإغلاق الحكومي، ومع خسارة الانتخابات المحلية وعدد من حكام الحزب الجمهوري. بالتالي أعتقد أن هناك عوامل عديدة يريد أن يسوقها في الداخل الأميركي ليقول إن ترامب أعاد عظمة الولايات المتحدة الأميركية.

توقف المراقبون كثيرًا عند الذرائع التي يسوقها ترامب لتبرير عدوانه على دولة ذات سيادة. فهل هذه الاتهامات بتجارة المخدرات يمكن أن تبرر هذه البلطجة الأميركية؟ وما هي الأدلة التي استند إليها لممارسة العدوان على بعض السفن والاستعداد لحرب دموية ضد شعب مسالم؟

ليس هناك أي مسوغات قانونية حتى الآن. لم تقدم الولايات المتحدة حتى على صعيد الصور من الجو سوى لقطات لبعض الزوارق. لكن هناك شواهد عديدة؛ أحد المواطنين في الإكوادور، وهو الناجي الوحيد من هذه العمليات، أوقفته سلطات الإكوادور وسجنته وحققت معه لتطلق سراحه بعدها لأنه ليس هناك أي تهمة أو سجل جنائي له.
نحن لا نقول إنه ليس هناك تهريب مخدرات للولايات المتحدة، ولكن هذا السياق وهذه الدعاية تشبه "أسلحة الدمار الشامل في العراق". دائمًا تتحايل الولايات المتحدة على العالم وتسوق في الداخل عناوين كبيرة لها علاقة بالأمن الداخلي من أجل الانتقام من خصومها أو لإشعال بعض الحروب. حتى الآن لم تستند أميركا إلى أي وثيقة أو مستند، ولم تلجأ إلى مؤسسات دولية.
يتحدث مقربون من ترامب بكثير من الوقاحة عن أن الولايات المتحدة ليست بحاجة للجوء إلى القانون الدولي ولا لتبرير هذه المسألة. الهدف من وراء هذا الإعلان — وكأنه إعلان حرب ضد المخدرات — هو للتسويق الداخلي، لأن المجتمع الأميركي يئن تحت وطأة الاستخدام المفرط للمخدرات، ولهذه المشكلة أسباب داخلية عديدة.
لذلك يستخدم ترامب هذا العنوان الذي يؤرق الأميركيين في الداخل من أجل إيجاد شرعية شعبية تمكنه من شن هذه الحرب، خصوصًا مع الظروف الدولية المؤاتية كما يعتبرها. حتى الآن، لم يُسجّل في سجل الضحايا الذين فاقوا الخمسين ضحية اسم يمكن أن تقول الولايات المتحدة إنه من تجار المخدرات.

ما هي الدوافع الحقيقية لرئيس الدولة الإمبريالية المتسلطة على شعوب العالم للقيام بهذه المغامرة الجديدة لتدمير فنزويلا وتفجير الأوضاع في المنطقة بكاملها؟ وهل باتت القوة هي المرجعية الوحيدة التي يستند إليها ترامب لفرض هيمنته والاستيلاء على ثروات الشعوب؟

الهدف واضح: هو تغيير الخارطة السياسية لأميركا اللاتينية، واستتباعها لتكون الحديقة الخلفية لأميركا ومُلحقًا لسياستها، بحيث تكون دولًا تابعة في السياسة ولا تمتلك استقلالية لا على الصعيد السياسي ولا الاقتصادي.
تغيير الخارطة السياسية يتم من خلال ضخ الأموال في الانتخابات الأرجنتينية لكسب اليسار، ومن خلال التدخل في الانتخابات البوليفية، ومن خلال العقوبات على الرئيس الكولومبي، ومن خلال رفع التعرفة الجمركية على البرازيل. كلها سلسلة من الحرب الناعمة التي تقودها أميركا، إضافة إلى التحشيد العسكري ضد فنزويلا.
الهدف الثاني هو منع روسيا والصين من التواجد في هذه المنطقة. منطق القوة هو المنطق الذي تستند إليه الولايات المتحدة، وليس غريبًا عليها ذلك، فهي تعبّر في كل تصريحاتها عن امتلاكها القوة والنفوذ، ولا تحتاج إلى أي قانون دولي أو تبرير لأي فعل تقوم به.
من فيتنام إلى الخليج الفارسي وأفغانستان، كانت أميركا تستخدم المنطق ذاته. لا تخجل بتخطي القانون الدولي، ونتذكر في ذلك الحرب على العراق، حين عارض العالم كله تلك الحرب، حتى الفاتيكان، لكن الولايات المتحدة تفردت بها تحت العنوان ذاته الذي تستخدمه اليوم في فنزويلا: "أسلحة دمار شامل".
بعد سقوط الأنظمة وتحقيق الأهداف العسكرية، لا أحد يسأل أميركا عن صحة الذرائع. منطق القوة هو الذي يحكم العقلية الأميركية، خصوصًا الآن في ذروة الأزمة الكبيرة التي تعيشها أميركا وحالة التوحش التي تغرق فيها. لننظر إلى خطابات ترامب حتى مع حلفائه؛ لا تستند إلى المنطق السياسي أو البروتوكول، بل إلى منطق القوة.

فنزويلا لن تستسلم للتهديدات الأميركية السافرة، وقد أعلنت حالة الاستنفار بين قواتها، كما أنها هددت باللجوء إلى الحرب الشعبية وتسليح السكان في عموم القارة، وفي الوقت نفسه دعت الحكومة الفنزويلية حلفاءها في روسيا والصين وإيران لدعمها. فما الذي تتوقعونه على هذا الصعيد؟

فنزويلا في حالة تأهب عسكري، وهناك تنظيمات شعبية مؤيدة للثورة البوليفارية. أنا كنت متواجدًا في فنزويلا وأعرف مدى التحشد الشعبي الذي يعتبر أن أميركا هي العدو. الدولة والجيش والمتطوعون الفنزويليون يحشدون كل الطاقات الآن لمواجهة أي اعتداء أميركي.
المعركة قاسية وصعبة، وهناك ظروف لا تخدم الفنزويليين، لكن منطق الاستسلام بعيد جدًا عن العقل البوليفاري. أعتقد أن أميركا ستلجأ إلى حرب غير تقليدية في فنزويلا، عبر ضربات جوية واستخدام الذكاء الاصطناعي واستهداف المنشآت الحكومية والعسكرية والاقتصادية.
يضاف إلى ذلك أن العقوبات الأميركية أنهكت البلد من الداخل. قد تكون هناك نقاط ضعف تستند إليها الولايات المتحدة، لكن على مستوى التعبئة الداخلية هناك ما يكفي لمحاولة الصمود.
فنزويلا تحتاج إلى دعم حلفائها كي لا تكون وحيدة في المعركة. نعلم حجم التحشيد الأميركي والقواعد العسكرية في المناطق المحيطة. المهمة صعبة جدًا، لكن فنزويلا تمتلك منظومات دفاع جوي وصواريخ كروز حديثة وبعض الغواصات، ما يمنحها بعض القدرة الدفاعية. ومع ذلك لا يمكن التقليل من حجم المعركة الكبيرة ولا من أدوات الفوضى التي قد تستخدمها الولايات المتحدة، كعمليات اغتيال وقرصنة.

يزعم الرئيس ترامب أنه رجل سلام ولا يحب الحروب، بل ينسب لنفسه أنه أوقف ثماني حروب حتى الآن. فهل يشير سلوكه العملي وسياساته تجاه دول العالم كافة إلى أنه فعل ذلك؟ وهل يستحق جائزة نوبل التي يرشح نفسه لها؟

ترامب يمثل التوحش الأميركي الآن. كل حركة له تستند إلى القوة، وهو لا يمثل شخصه بل رؤية الدولة العميقة والإدارة الأميركية، خصوصًا بعد التحديات الاقتصادية وصعود قوى أخرى منافسة.
استشعرت أميركا خطرًا على إمبراطوريتها، فلجأت إلى صيغة جديدة تقوم على المواجهة وتفعيل القوة التي رافقتها على مدار العقود. ترامب لا يمتّ للسلام بصلة، بل يقود مرحلة التوحش الأميركي.
ما يقوم به مع الأوروبيين من تهديدات وفرض تعريفات جمركية مثال واضح؛ لم يرحم حتى حلفاءه. كما أن تعامله مع كندا والهند يؤكد ذهنية الاستعلاء الأميركي.
أما عن جائزة نوبل، فإذا كانت تُمنح لامرأة فنزويلية تؤيد الغزو الأميركي لوطنها، فليأخذها ترامب، لأن الجائزة لم تعد تمثل السلام الحقيقي بل المصالح الغربية. كيف يمكن لمن تدعم قتل شعبها أن تُكرَّم بجائزة سلام؟!

ما هي السيناريوهات التي يمكن أن تلجأ إليها واشنطن لتحقيق أهداف الرئيس الأميركي غير المعلنة من نيته غزو فنزويلا؟ وإلى أي مدى يمكنه فرض أجندته على الدول الأخرى بهذه الرعونة والقوة الوحشية؟

العالم الآن لا يستطيع أن يوقف هذه الوحشية إلا بعض الدول التي وقفت في وجه الولايات المتحدة. في أميركا اللاتينية هناك مواقف رافضة من البرازيل وتشيلي والمكسيك وكولومبيا.
الولايات المتحدة حتى وإن أظهرت بعض الانقسام الداخلي، تبقى موحدة في مسألة الحروب والاستعمار واستغلال القوة لإسقاط الدول والتحكم بثرواتها.
هناك أطماع كبيرة في النفط والثروات الفنزويلية، وقد تعتبرها واشنطن بديلًا استراتيجيًا لأي نقص في نفط الشرق الأوسط.
فرض الأجندة الأميركية أصبح ممكنًا بسبب خنوع العديد من الدول وشلل المؤسسات الدولية. الأمم المتحدة فقدت وزنها في القرار الدولي، وأميركا تسخر من قراراتها، خصوصًا بشأن فلسطين وغزة.
تعتبر نفسها فوق القانون، وتفرض القوانين بما يتماشى مع مصالحها. باستثناء إيران ومحور الممانعة، لا يوجد قرار دولي يوازي حجم توحشها.
الابتزاز الأميركي متواصل، من خلال الملفات الاقتصادية والسياسية والانقلابات العسكرية في أميركا اللاتينية.
هذا التوحش لا يدل على قوة، بل على أزمة حقيقية تعيشها الولايات المتحدة. هذه المغامرات قد تكون نتائجها سيئة إذا وُجد قرار وجرأة دولية في مواجهتها.

/انتهى/

رمز الخبر 1964751

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha