وكالة مهر للأنباء: عدنان زماني- كان أمس الإثنين يوما حزينا للسينما العالمية والإيرانية على وجه الخصوص، إذ خسر عالم السينما المخرج الكبير عباس كيارستمي صاحب الأفلام العالمية الشهيرة والفائز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 1997.
ولد كيارستمي في العاصمة الإيرانية طهران في 22 يونيو 1940 وعمل في مجال صناعة الأفلام منذ عام 1970، في أكثر من 40 فيلما عالميا بما فيها أفلام قصيرة ووثائقية، وحقق ونجاحاً في لفت الانتباه والنقد بأفلامه خصوصاً ثلاثي "كوكر" و"طعم الكرز" و"ستحملنا الريح".
ويتمتع عباس كيارستمي بنفوذ كبير في عالم السينما والإبداع، وقد اعتبره الكثير من النقاد والسينمايين بأنه أفضل مخرج عرفته ايران في العصر الحديث كما أن العشرات من المجلات والجرائد انتخبته ضمن قائمة أفضل مخرجين العالم.
وكانت صحيفة غارديان الأمريكية عام 2003 وصفته بأنه أفضل مخرج غير أمريكي على قيد الحياة وقالت بحقه" يخفي المخرج كيارستمي في أعماله السينمائية تفسير الموت خلف البساطة والشفقة وانه قد أثرى عالم السينما العالمي من خلال سرد القصص الساحرة والوثائقية والإستعانة بفنانيين مشهورين وغير مشهورين".
وقال عنه الناقد السينمائي الغربي الشهير أدرين مارتن "كيارستمي هو أكثر المخرجين الذين ربطوا الحياة بالسينما ذكاءً، إنه شاعر السينما، وُيعتبر الإجابة الأكثر إقناعًا على خطأ التصورات الغربية للحياة"
وذكرت مجلة "مسرح الأفلام"، وهي مجلة متخصصة في فن السينما تصدر في نيويورك بعد الإعلان عن نبأ وفاته "قد يكون العالم خسر اعظم مخرجيه".
وكان للمخرج عباس كيارستمي منهجه وأسلوبه الخاص في اخراجه للأفلام، ويعتمد في أسلوبه على عدم التقيد في شكل من الأشكال السينمائية، فحينا نشاهد أفلامه ذات صبغة واقعية ترسم أحداث الواقع وتصور المشاهد بريشة الفن والإبداع وفي حين آخر نرى ينتهج اسلوب الرومانيتكية ( فيلم تحت شجرة الزيتون) ويطرب بذلك عشاق السينما ومرتادوها.
كما يودّ في أعماله السينمائية أن يجعل جمهوره أكثر خصوبة من ناحية التخيل والسمو في عالم الخيال اللامحدود ولهذا فهو غالبا ما يترك تفسير بعض أسرار أفلامه الى المشاهد نفسه ولم يقوم بشرحها وبيان حقيقتها، حيث يقول في أحد كتاباته "إنني أفضل أن أصف أكبر عدد ممكن من التعبيرات عن حالة بعينها وأعطي الفرصة للمشاهد أن يختار بحرية ما يلائمه، لقد رأيت بعض من شاهدوا أفلامي يملكون من الخيال أكثر مما أملك، أحب أن أترك مجال التفسير مفتوحاً لمشاهدي، وكأنه مالك الفيلم لا أنا"
ولم يجعل كيارستمي حدودا بين الأفلام الوثائقية وافلام القصص بل قد كرس جهوده لإزالة الفروق والخلافات المحدودة بين هذين النوعين من انواع الأفلام السينمائية.
وكان يقسم أعماله السينمائية الى أفلام سيئة وأفلام جيدة أو كما يقول هو أفلام مقبولة من قبل الجماهير والمشاهدين وأفلام غير مقبولة.
وبالإضافة الى جهوده في عالم السينما فقد كان لكيارستمي نشاط في مجالات أخرى كالتصوير والشعر والرسم وأقام عدة معارض للصور والرسوم داخل ايران وفي خارجها.
ويتبادر الى الأذهان اسم كيارستمي فور ذكر السينما والفن الإيراني فهو ممثل السينما الإيرانية وسفيرها في الأندية والمحافل الدولية وراسم الثقافة الفارسية الأصيلة بكل ما تعني الكلمة من معان.
وكان المخرج الكبير عاشقا لوطنه وشعبه ويعتقد أن كل ما حققه من نجاحات عالمية يعود الفضل فيه الى اتباع للإصالة الإيرانية في أفلامه معتقداً أن عدم إتباع هذه الإصالة يقلل قيمة العمل الفني ولا يمكّنه من التألق في سماء السينما الدولية وتؤثر عنه قولته الشهيرة"إن الزهرة حين تنمو في أرض بعينها فإنها تتشرب بروح تلك الأرض، إذا انتُزعتْ ووُضعتْ في مكان آخر فإنها قد تستطيع أن تنمو، لكنها لن يكون لها أبدًا نفس العطر"
وكان كيارستمي مغرم بالشعر، وبالحياة وشاعريتها، يقتبس أحيانـًا أسماء أفلامه من القصائد، كاسم فيلمه «أين منزل الصديق» المأخوذ من قصيدة للشاعر الإيراني «سهراب سبهري»وألف كتابًا عن شعر حافظ الشيرازي أسماه حافظ برواية كيارستمي، فليسغريبًا إذا أن يقال عنه إن أفلامه تشبه الشعر.
ونال المخرج عباس کیارستمي خلال مسيرة حياته الإبداعية عدة جوائز من مهرجانات دولیة أهمها جائزة السعفة الذهبية من مهرجان کان السینمائي وهوغو الذهبية من مهرجان شیکاغو الدولي والفهد الذهبي الفخري من مهرجان لوکارنو وجائزة کوروساوا من مهرجان شیکاغو والجائزة الخاصة من هیئة التحکیم لمهرجان البندقیة، كما رئيسا للجنة الحكام في مهرجان مراكش السينمائي التاسع في عام 2009.
واقام كيا رستمي دورة تعليمية تخصصية في فن إخراج الافلام السينمائية بمهرجان نيويورك السينمائي لدورته الـ 50، وعرض فيلم "كالعاشق" من اخراجه في قسم العروض الخاصة والمميزة للمهرجان الاخير .
وهذه قائمة بأفلامه ومضامينها:
"طعم الكرز": شارك في مهرجان كان السينمائي عام 1997, يدور الفيلم حول رجل أزمته في من يدفنه بعد انتحاره، لذلك يلجأ من خلال صورة عميقة ومعبرة عن مأساته وحوار مليء بالشجون إلى مجند كردي، وشاب أفغاني، ورجل تركي عجوز له محاولة سابقة في الانتحار.
أ"ين يقع منزل صديقي؟": ويدور حول مخاوف طفل من العقاب بعد نسيانه كراسة واجبه.
"ستحملنا الريح" : يدور حول رجل وزميله يعيشان في المدينة، ويذهبان لقرية بعيدة بين الجبال لانتظار موت عجوز، بينما يساعدها أهل القرية جميعاً لتبقى على قيد الحياة وقد استخدم فيه مقاطع من الشعر الفارسي ضمن الحوار.
"نسخة طبق الأصل": يقدم رؤيته السينمائية من خلال سيارة متحركة ترصد الشجرة العارية باعتبارها النسخة الأصلية كما في الفلسفات الشرقية القديمة.
"الحياة تستمر": يدور حول شاب يحاول تركيب هوائي التلفزيون ليشاهد إحدى مباريات كأس العالم في فوضى الزلزال المدمر.
"آي بي سي أفريقيا": يستعرض فيه محبي الحياة الذي يعيشون وسط كارثة الإيدز التي تحصد الأرواح بينهم.
هذا ولاشك أن رحيل المخرج العالمي عباس كيارستمي سيترك فجوة كبيرة في عالم السينما والأفلام وأن الساحة الإبداعية خسرت بفقده مخرجا يعزّ الحصول على مثله في العصر الحديث./انتهى/
تعليقك