١٢‏/٠٥‏/٢٠٢٠، ٩:١٤ ص

في حديث لوكالة مهر للأنباء

زهراء مصطفي بدرالدین : "نحنا ما منبكي، نحنا مِنبّكي"

زهراء مصطفي بدرالدین : "نحنا ما منبكي، نحنا مِنبّكي"

تروي كريمة الشهيد مصطفى بدر الدين ان الشهيد كان يعتبر أننا أمام عدو متقدّم ومتعلم وعلينا مواجهته بنفس الطريقة بل التفوق عليه وعندما زارته جدتي في الأسر مرة واحدة وهي تبكي نظر الیها و قال لها: "نحن ما منبکي نحن منبکّي".

وكالة مهر للأنباء: ما أجمل عندما قيل ان"الورد ذهب والحدیقة بقيت خراباً"، من أین نشمّ رائحة الورد؟ من ماء الورد... وما أفضل من عائلة شهید تستذكر لنا لون ورائحة شهیدهم من خلال الحدیث معهم کل مرة ننبهر أکثر فأكثر بشخصيتهم. هذا صادق بالنسبة لعائلة الشهيد مصطفي بدرالدین. من أول لقاءنا هکذا رأیناهم: ثابتي الاقدام، محببين و متواضعین.
بناء علی ذلك و علی أعتاب ذکری شهادة ذوالفقار المقاومة، تحدثنا مع كريمة الشهيد ذورالفقار "زهراء مصطفي بدرالدین"، التي ورثت ثباتها وصمودها عن أبیها وهدوءها ووقارها عن أمّها؛ حتی نفتح من باب ذكرياتها نافذة على سیف المقاومة. وهذه العزیزة قبلت الفكرة وجرت المحادثة التي ندعوكم لقراءتها:


س: أين ولد السيد ذو الفقار؟ كيف قضى طفولته وكيف كانت حياته في سن المراهقة أو مرحلة الشباب المبكر؟
ولد السيد "مصطفى بدر الدين" (السيد ذو الفقار) في محلة الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت، في 6 نيسان من عام 1961م. وهو جنوبي الأصل من مدينة النبطية في جبل عامل.
مذ كان طفلاً تميّز بذكاءٍ حاد وشجاعة كما تصفه جدتي، فقد حاز على مكانة خاصة عند والديه لما يمكله من شخصية فريدة ومميزة.
في سن المراهقة، كان يتردد إلى مسجد "الإمام زين العابدين" (عليه السلام) بشكل دائم والذي كان ملاصقاً لمنزله. كان يهتم بالمسجد ونظافته ولوازمه وروّاده ويجمع حوله مجموعة من الشبان الذي اصبح بعضهم رفاق السلاح، كانوا يقيمون حلقات الدعاء ودروس تعليم الصلاة والأحكام الشرعية حيث كان يقوم بقراءة الدعاء فقد كان يمتلك صوتاً جميلاً. 
" مصطفى" هو ذاك الشاب الذي حمل همّ شعبه ومسؤولية بلده ووطنه وأمته ومقداساتها، هو ذاك الشاب الذي حمل همّ القضية الفلسطينيه باكراً وهمّ خضوع منطقتنا للجبروت الإمريكي والإسرائيلي. كان يرى لبنان وهو يتحمّل الإذلال والتهجير،يتألم، فحول ذلك الألم إلى عمل مقاوم.
إنتسب إلى الجامعة الأمريكية في بيروت ودرس إدارة الأعمال. بعدها أسر في عمر ال 22 سنة لمدة ثماني سنوات. خرج من الأسر ليتسلم مسؤولية القيادة العسكرية في حزب الله . لاحقا ورغم ظروفه الأمنية، تابع دراسته في الجامعة اللبنانية الإميركية وحاز على شهادة في "العلوم السياسية".


س: متى تعرّف الشهيد بدر الدين على المقاومة وكيف كانت بداية هذا التعرّف؟ 
هو لم يتعرف على المقاومة، هذه المقاومة هي صنع يديه، السيد مصطفى هو من المؤسسين الأوائل لحركة المقاومة في لبنان. باكراً التمس ضرورة وجود المقاومة لدفع الظلم عن بلده الذي كان العدو الإسرائيلي يحتل جزءًا منه، فبادر إلى جمع الشبان وتدريبهم على استخدام الأسلحة، ولأنه يمتلك شخصية مميزة تمكن من جمع العديد من الشبان حوله والتأثير بهم كانوا يجمعون المال آنذاك لشراء السلاح عبر توزيع الصوم والصلاة النيابية عليه وعلى رفاقه. كان لديه اللهب الثوري والهمة العالية والعزم والإرادة و الثقة العالية بالقدرة على صنع الانتصار وإلحاق الهزيمة بالعدو رغم الأمكانات البشرية المتواضعة والقليلة مع بداية انطلاقة العمل المقاوم في لبنان.
عند انتصار الثورة الإسلامية - تروي لي والدتي- أنه ترك كل شيء وسافر إلى الجمهورية الإيرانية لينهل ويتعرف على إمام عصره الإمام الخميني (قدس سره)، وقد شبّهته والدتي فتقول: "كأنه سلمان المحمدي الذي راح يبحث عن دين جديد على هذه الأرض" ومنذ تلك اللحظة حمل لواء نصرة المستضعفين والإسلام في كل العالم.
دخلت إسرائيل إلى لبنان ووصلت إلى العاصمة بيروت في عام 1982، وكان السيد في الثامن عشر من عمره، فقام وثلة قليلة من الشباب المؤمن المقاوم بالتصدي الاسطوري حينها لتقدم العدو الإسرائيلي في خلدة، حيث واجهوا الدبابات بالاسلحة الخفيفة والمتوسطة. في تلك المرحلة تصدى السيد ورفاقه للعدو الإسرائيلي ولكل من أراد أن يحاول السيطرة واحتلال لبنان، وقد شهد العالم خروج كل القوات الأمريكية والإسرائيلية  مذلولين مدحورين خاسئين بقوة القبضات العلوية الحسينية. وفي عام 1983، تم أسر السيد وبقي في الأسر مدة 8 سنوات، و صدر بحقه حكم الإعدام والسجن المؤبد، خرج منها أكثرعزيمة و صلابة.


س: اخبرينا عن انشطة السيد في مختلف مراحل حياته وأدواره في حزب الله؟
أمثال "السيد مصطفى" لا يمكن أن تعرف ماهية عملهم إلاّ بعد استشهادهم لذلك سأستعين بما صرّح به سماحة الأمين العام السيد "حسن نصر الله" عن بعض هذه الأدوار والأنجازات. كان السيد "ذو الفقار" في مقدمة المقاتلين في معركة المواجهة مع العدو الإسرائيلي مع مجموعة من الأخوة المجاهدين الذين شكّلوا النواة الأولى لتشكيل حزب الله وأصبحوا قادته لاحقاً .

  •    تسلّم القيادة العسكرية لحزب الله وقد شهد عمل المقاومة انذاك تطوراً كميا وكيفيا ونوعيا حتى وصل إلى أنتصار عام 2000 مع أندحار العدو الإسرائيلي 
  •   التحديات خلال توليه القيادة العسكرية: التصدي لعدوان "عناقيد الغضب" عام 1996 والتي أنتهت بوثيقة "تفاهم  نيسان" والذي أسس لمرحلة جديدة من عمل المقاومة.
  •   عملية "كمين أنصارية" عام 1997، والذي عرف عنه أنه كان حرب أدمغة تفوق فيها السيد على العدو بأشواط 
  •   قام بتأسيس "الإعلام الحربي" وذلك من أجل توثيق هزيمة العدو وجعله جزء من الحرب النفسية حيث كان له رؤية متقدمة حول أهمية هذا المجال  
  •   تفكيك شبكات التجسس والعملاء للعدو الإسرائيلي وغيره
  •  كان له الدور الفاعل في عمليات التفاوض لإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين اللبنانيين والعرب من سجون العدو الإسرائيلي، وكان هذا الملف من جلّ اهتماماته فقد كان يعلم ما معنى الأسر وهو الذي عانى منه مدة 8 سنوات، استلم هذا الملف رغم وضعه الأمني الدقيق . كل عمليات التفاوض التي جرت في مرحلة التسعينيات وأدت إلى خروج الشيخ "عبد الكريم عبيد" والحاج "مصطفى الديراني" ومجموعة كبيرة من الأسرى الللبنانيين والفلسطينين وعرب وجنسيات مختلفة وصولاً إلى آخر عملية تفاوض جرت بعد حرب 2006 نتج عنها اطلاق سراح الأسير "سمير القنطار" ومجموعة من الأسرى كان السيد مصطفى هو من يترأس الفريق المفاوض مع الطرف الألماني و وصفه الألمان  "بالمفاوض الشرس".
  • كان له دور مهم في مواجهة الشبكات الإرهابية التكفيرية والتي ضربت لبنان من خلال السيارات المفخخة

أوكل إلى السيد مسؤولية إدارة الوحدات العسكرية والمعارك داخل الأراضي السورية وكان المسؤول الأول عن منع سقوط سوريا بيد التكفريين وسادتهم الإمريكيين وعملائهم في المنطقة وكان يوقن بضرورة هذه الحرب الإستباقية. وسماحة السيد حسن نصرالله تحدث عن السيد مصطفى قائلاً:"عادة القائد العسكري يفضّل أن يذهب إلى المعارك التي تلوح منها بشائر النصر ليسجّل في ملفاته انتصارات ولكن السيد كان يقول:" أنا حاضر لأن أذهب لهذه المعركة وإذا لزم الأمر أن استشهد في هذه المعركة فأنا جاهز لإن هذه المعركة تحفظ بلدنا وشعبنا ومقاومتنا ومشروعنا الأساسي وهو مواجهة إسرائيل والمشروع الصهيوني في المنطقة."

  • أوكل إليه مهمة متابعة الملف الجهادي في العراق، بالإضافة إلى ملفات أخرى

س: ما هي قصة اصابة ساقه؟
ذكرت سابقاً أن والدي قام ومجموعة من المجاهدين بالتصدي للعدو الإسرائيلي أثناء اجتياحه للبنان عام 1982 ، في تلك الفترة كانت المقالة السائدة "أن العين لا تقاوم المخرز" وأن فئة قليلة من المجاهدين كيف يمكنهم أن يهزموا دولة إسرائيل بجيشها واسلحتها. خلال هذه المواجهات أصيب والدي في قدمه بجراح بليغة وبقيت أثار هذه الجراح معه إلى شهادته فكان من أوائل جرحى المقاومة الإسلامية.


س: تحدثي لنا عن مميزات الشهيد ومواصفاته واسلوب حياته بشكل عام؟
كان يقضي أكثر وقته في العمل ليلاً ونهاراً، وعندما كنا نلتقي به كنا نعيش أجمل اللحظات وننسى كل ما يحيط بنا من خطر في الخارج. من مواصفاته:

  •     الشجاعة والبأس: وهذا أول ما يتبادر إلى ذهن أي شخص يعرف السيد ولا عجب أن لقبه العسكري "ذو الفقار".
  •     الكرم: كان لا يرد سائلاً ويحمل هموم الآخرين وخصوصاً المجاهدين، ولعل ذلك يعود إلى كونه سيداً ينتمي إلى كريم آل البيت الإمام الحسن (عليهم السلام).
  •     كان لا ينام على ضيم ويسعى ليعطي كل ذي حق حقه
  •     كانت لديه نظرة ثاقبة للأمور وهذا ما كان يجعلنا دائماً نعود إلى كلامه الصائب في كل القضايا الحياتية والسياسية والإجتماعية

س: ما كان تأثير عمل الشهيد بدر الدين في حياتكم؟ وكيف كان يحقق السيد "ذو الفقار" التوازن بين العمل وحياته الشخصية؟
نحن خمس بنات وشاب، كان بطبيعة عمله لا يتواجد في المنزل طوال الوقت إلاّ أنه كان بجلسة واحدة يعوّض عن كل الغياب، ولقد كنا نخاف عليه في كل مرة يغادر فيها ،كنا ندعو الله أن يحفظه ويحميه. 
رغم انشغالات والدي الكثيرة إلا أنه كان يتابع أمورنا بأبسط تفاصيلها. أنا لم أر أب يتابع بدقة كل تفصيل من حياة أولاده رغم بعده عن المنزل كان يعرف كل شيء. 
لقد أخبرنا الحاج قاسم سليماني خلال زيارته لنا بعد استشهاد والدي: " الملفت أن الشهيد ذو الفقار كان عندما يذكر أسم أحد من أولاده تتغير ملامحه ويفرح لأنه كان يحب بناته بشكل غريب".


س: هل كنتم على اطلاع عن ماهية عمل والدكم وحيثياته والمخاطر التي كانت تحدق به في أيام طفولتكم ؟
عندما كنا صغاراً لم نكن نعرف ماهية عمل الوالد بالتحديد. لكن سرعان ما أدركنا أنه ملاحق من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والإميركية. كنا نعلم أنه يقع على عاتقنا جزء من عملية حماية والدي وأنه يجب أن لا يعرف أحد أي شيء أو أي معلومة عنه.
لقد  كنا نقدّس عمل الوالد، وتعلمنا أن هذا العمل مرتبط بأهل البيت (عليهم السلام) وبعزة الإسلام، وبظهور الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه).
لقد تقاسمنا معه هذه المخاطر فقد كنا نتنقل دائماً من منزل إلى منزل، كنا نعرف أنه يجب أن لا يرى أحد صورته وكنا نأخذ الكثير من التدابير الأمنية في حياتنا اليومية رغم صغر سننا، نحن نشتاق اليوم إلى هذه التدابير ونقول أنا وأخوتي ليت هذه الأيام تعود فقد كنّا نشعر بالأنس رغم صعوبتها.

س: كيف كانت علاقتكم بالشهيد وكيف كان يؤدي واجباته كوالد؟

كان والدي معروفاً بشدة عاطفته وكان يعتبر أن البنات يحتجن إلى عاطفةٍ خاصة. هو بنظرنا الأب والصديق والقدوة والاستاذ وكان مرجعنا في كل أمورنا الشخصية فلم نكن نقوم بأي شيء حتى نستشيره.كان لدينا اطمئنان لكل قراراته.  كان وجوده يشعرنا بالقوة والأمان وكان يحرص أن لا يشعرنا بصعوبة الحياة الأمنية ، بل يجعلها سهلة وممتعة قدر الأمكان. لقد أعطانا عاطفة خلال حياته تكفينا لسنين.


س: ماذا كانت أهم أولويات الشهيد ذو الفقار في تربية أولاده وما كان تأثيره الأكبر فيكم كعائلة؟
لطالما كان يردد ويعمل على زرع بعض المفاهيم الأساسية في نفوسنا منها:
 أولاً. الجانب الديني: كان يشدد على موضوع الصلاة الصحيحة منذ الصغر، عند حضوره كان يراقب كيفية أداءنا لأركان الصلاة، وكان يهتم باللباس الشرعي ويشدد عليه. 
ثانياً. في الجانب العائلي والواجبات العائلية: كان يشدد على أهمية صلة الرحم، ويأكد على حضور الجميع في الإجتماعات العائلية حتى لو لم يكن هو موجوداً، و إلغاء أي شيء أخر. كان يريدنا أن ندرك أهمية هذا الموضوع من الناحية الدينية والاجتماعية، السؤال والاطمئنان عن الخال والخالة العم والعمة وأبناءهم لأنه كان يرى أن الغرب يعمل على تفكيك الأسرة وعلينا أن ندرك أهمية هذا الموضوع وخطورته وتثبيت هذه العادات الإسلامية الصحيحة.
ثالثاً. في الجانب العلمي: كل من يعرف السيد يعرف تقديسه للعلم، أرادنا أن نتعلم ونتابع دراستنا. خلال امتحانات الشهادة الرسمية عندما كنا نعود كان يقوم بمراجعة ورقة اسئلة الامتحانات معنا ويناقش معنا الإجابات، حتى عندما انتسبت للجامعة كان يتابع معي تسجيل  المواد كان شديد الأهتمام بهذا الموضوع.
وكان يعتبر " أننا أمام عدو متقدّم ومتعلم وعلينا مواجهته بنفس الطريقة بل التفوق عليه"، هو صاحب فكرة المجاهد المتعلم في صفوف حزب الله. كنت أمازحه في بعض المرات فأقول له: "وهل أنا سأدرس كل هذه السنين حتى لا أخذ المال في المقابل" لأنه كان دائما يقول لي اذا عملت فاخدمي الفقراء و قولي لهم فقط اقرأ الفاتحة عن روح والديّ" يقول لي: "ليس كل عمل يحتاج إلى مقابل هناك مفهوم العطاء والخدمة، وهل هناك أعظم من هذا العمل" وأظن أن هذا مفهوم عميق جداً. 
رابعا. مفهوم الإنسان: أنا لا أنسى عبارة والدي في كل جلسة منذ الصغر" لا يجب على الإنسان أن يأتي إلى هذه الدنيا دون أن يترك بصمة، بصمة يخدم فيها الإسلام في أي ميدان من الميادين، فإذا كان لا يريد أن يترك بصمة ويقوم بدور خليفة الله على الأرض فما هي وظيفته إذاً؟ "
خامساً. الترتيب والنظافة والأتقان في العمل: كان يحب أن نتقن العمل الذي نقوم به وكان ينزعج إذا لم نقوم به على أكمل وجه وهذا على قاعدة " إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه". 
من جملة الأمور التي كان يشدد عليها الصدق،  كان يكره الكذب كثيراً ويعتبر أن: " من يكذب يمكن أن يفعل كل شيء". كان لا يحب أن يرانا نبكي بل اقوياء يقول: " يجب على الإنسان أن يتكلم ويوضح موقفه لا أن يضعف". فعندما زارته جدتي في الأسر مرة واحدة کانت تبکي نظر الیها و قال لها: "نحن ما منبکي نحن منبکّي".

س: بالنظر إلى العلاقة القوية بين الشهيد ذو الفقار والحاج عماد مغنية .. كيف كانت ردة فعل السيد عند سماعه خبر استشهاد الحاج عماد أو استشهاد ابن اخته جهاد مغنية؟
كان هناك لقاء مقرر بين والدي والحاج "عماد" والسيد "حسن نصر الله" فوصل والدي إلى الموعد وسأل عن الحاج عماد فما كان من سماحة السيد إلاّ أن قال: "لن يأتي الحاج أبداً بعد الآن"، كان وقع الخبر على والدي ثقيلاً.
حضر والدي تشييع الحاج عماد فوقف عند قبره، ضرب بيده على التراب وصرخ بصوت عال: " كيف وصلوا إليك وأنا موجود".
أمّا بالنسبة لأستشهاد جهاد فقد تأثر كثيراً فابن الأخت غالي هو كالإبن، أذكر أن الكل كان يجتمع حول والدي ويبكي فغمرهم وقال لهم: " كيف يمكن أن نرسل أولاد الآخرين للجهاد ونحتفظ بأولادنا لقد بيّض وجهنا جهاد". 


س: هل لديك ذكريات خاصةعن والدك ترغبين ان ترويها لنا؟
أذكر عندما كنّا صغاراً كنا نذهب إلى المدرسة في سيارة قديمة جداً، فطلبنا من أبي إذا أمكن أن نركب سيارة أفضل، فقال : " غداً سوف تذهبن إلى المدرسة تحت الشتاء مشياً على الأقدام لتشعرن بالآخرين فهناك أناس ليس لديهم حتى هذه السيارة القديمة" ، أراد أن نعرف جیداً أنه أن تکون في موقع المسؤولیة یعني أن تکون الأکثر تواضعاً الأکثر انتباهاً. أراد أن لا تأخدنا مباهج وزخارف الدنيا، بل نهتم بالأمور الآخروية.
ومن الأمور التي لن أنساها أنه حضر يوم زفافي لبضع دقائق، خاطر بحياته لكي لا يشعرني بالاختلاف عن بقية الفتيات،كنا كلنا خائفين عليه.
س: وصلنا إلى حكاية يوم استشهاد سيف المقاومة...  ماذا حصل ذاك اليوم وكيف تلقيتم خبر استشهاده؟
كنت في تلك الفترة أنا وزوجي في إيران لزيارة مرقد الإمام علي الرضا (عليه السلام) كان الوقت متأخراً في منتصف الليل، تلقينا اتصالاً من لبنان. كان مشوار العودة مؤلماً جداً. لطالما كنت أفكر أن والدي سيستشهد وكنت أدعو له بهذه الخاتمة السعيدة ولكن التوقيت هو الذي فاجأنا. أنا لا أنسى عندما وصلت إلى لبنان ورأيت صور والدي في كل مكان. لقد كان المشهد صادماً جدا. لقد كنا لا نستطيع حتى أن نلفظ أسمه فاستقبلني بابتسامته الجميلة.


س: كيف كانت ردة فعل العائلة على هذا الخبر؟
لقد كان خبر شهادته موجعاً ولكن استذكرنا السيدة زينب (عليها السلام) وموقفها في كربلاء ، لقد اوجعنا غيابه ولكن اشعرنا بالعزة والكرامة أيضا. لقد شكرنا الله أن نظر إلى عائلتنا نظرة كريمة فاختار والدي جريحاً ،أسيراً ، مجاهداِ في سبيل الله فشهيداً.
لقد شعرنا بثقل المسؤولية بعد شهادته، مسؤولية حمل ونشر أهدافه التي عاش من أجلها وزرعها في نفوس أولادنا حتى تعلم الأجيال القادمة من هو هذا القائد الذي هزم إسرائيل وأمريكا وأذاقها كأس الهزيمة، والذي حمل لواء نصرة المستضعفين في أي بقعةٍ من بقاع الأرض.


س: بشكل عام كمواطن لبناني ينظر الشهيد بدر الدين الى إيران والثورة الإسلامية والإمام الخميني وسماحة القائد؟
من أهم المبادئ التي قامت عليها الثورة هي مقارعة الاستكبار ومحاربة الظالمين ولعلها من أهم السمات البارزة في شخصية الوالد ، لم يكن يقدرأن يتحمّل الظلم ، لذلك كان السبّاق للذهاب إلى كل الميادين والالتحاق بكل الجبهات، ينصر المظلوم مهما كانت طائفته أو دينه وخير دليل على ذلك حادثة "راهبات دير معلولا" في سوريا اللواتي تم تحريرهن من أيدي الدواعش، وقام الوالد بزيارتهن للأطمئنان عنهم وأكد لهم: " أن حزب الله هو في خدمة أي إنسان مظلوم في العالم". أمضى حياته في خدمة القضية الفلسطينية، كما قال:"أول أهدافنا بما كتب الله لنا من العمر تحرير القدس الشريف، والمسجد الأقصى" وهذا ما نهله من مبادئ الإمام الخميني (قدس سره) ومبادئ تلك الثورة. كان متأثراً بشخصية الإمام الخميني (قدس سره) بشكلٍ كبير إلى حد الإلتزام بكل ما قاله الإمام. سأذكر كلام السيد الوالد متحدثا فيه عن الامام في تكريم مجاهدي حزب الله:"شمس الإمام الخميني العظيم أشرقت فذاب الثلج والتثلّج عن قلوبنا، عن مشاعرنا، عن عقولنا، فنهضنا واستنهضنا هذه الأمة، لا ننوي على شيء سوى إحقاق حق و إبطال باطل. ما طال بنا الزمن حتى تلقفنا اية العصروسرنا في نهج الإمام. الإمام الخميني العظيم محقق حلم الأنبياء وأمير المؤمنين (ع) الذي كان فينا وغاب عنا جسدا ، حل في كل قلب من قلوبنا، دخل أعماق مهجنا . كان شخصا أضحى أمة. رسم معالم الحاضر وخط درب المستقبل . كثرٌ هم القادة الذين مرّوا على مّر التاريخ ولكن نهج وسيرة ودرب الإمام له طعم ودور أخرتماما. نثر الإمام العظيم شظاياه شظايا العشق والحب والولاء في قلوب المستضعفين والمحبين من شيعة علي بن أبي طالب."
 كان ينظر إلى سماحة السيد القائد علي الخامنئي نظرة الجندي لقائده، نظرة فيها كل اليقين بحكمة ودراية هذا القائد وشجاعته، حامل وحامي راية الإسلام المحمدي الأصيل. كان يراه الولي الفقيه المطلق الجامع للشرائط الواجب إطاعته والإلتزام به خطا ونهجاًو  .كان يرى أن إيران الإسلام هي الدولة الممهدة لصاحب الزمان وهي الدولة الداعمة لكل قضايا الحق والعدالة والإنسانية في العالم.
في النهاية اخبرينا عن لقائكم مع القائد بعد استشهاد والدكم؟ كيف كان هذا اللقاء وكيف كان شعوركم؟ 
أولاً أشكر الله الذي منحنا هذا اللقاء المبارك مع نائب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وحامل رايته، دخل علينا بوجهه النوراني فسكت الكلام بحضوره ومسح على قلوبنا المفجوعة بكلماته المباركة، وقد عاهدناه أن عائلتنا ستبقى من جنوده وأتباعه تأتمر بأوامره ولن تبخل بتقديم كل من فيها فداءً لهذا الخط الإلهي المقدس.
 

رمز الخبر 1904008

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha