وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: على مدى 48 يوما والمقاومة الفلسطينية تناضل وتسطّر أروع الملاحم البطولية التي ألحقت خسائر ضخمة بكيان العدو، وبالطبع لا يمكن ان نغفل عن المواجهات على الجبهة الشمالية والمقاومة العراقية واليمنية والتي لها الأثر البارز والهام في كسر جبروت الكيان ومن كان خلفه، كالإدارة الاميركية الخبيثة.
ومشهد طوفان الأقصى العظيم لا يمكن أن نحلله بعيداً عن المشاكل الداخلية التي يعاني منها كيان العدو، والتفكك الذي أصابه خلال السنوات الماضية والذي اشتدّ بعد عملية طوفان الأقصى المباركة.
ونتابع منذ الصباح مجريات الهدنة الإنسانية المعلنة في غزة وتنفيذ بنودها، تلك الهدنة الذي اعتبرها الخبير في الشأن الإسرائيلي الأستاذ "علي حيدر" انتصاراً صريحاً للمقاومة، موضحاً ذلك برفض الكيان الصهيوني في البداية أي تبادل جزئي للأسرى ومن ثم قبوله في ما بعد بذلك بعد فشله ميدانياً وصمود أهل غزة.
وحول التفكك داخل الكيان الصهيوني ومآلات الهدنة والأحداث الأخيرة، أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، الأستاذة وردة سعد، حواراً صحفياً مع الخبير في الشؤون الاسرائيلية الاستاذ علي حيدر، وجاء نص اللقاء على النحو التالي:
هل ستكون الهدنة انتصارا للمقاومة ام انها مراوغة اميركية لتحرير الأسرى الاميركيين ومن ثم اطلاق اليد للاسرائيلين بارتكاب المزيد من المجازر بعد هدنة الاربعة ايام اي هل نحن امام حرب طويلة وما هي العوامل التي ترتبط بها ؟
اذا حددنا العوامل التي دفعت بكيان العدو للقبول بالهدنة والتبادل الجزئي يتضح لنا ان المسألة هي انتصار للمقاومة، انتصار صريح، والسبب ان العدو نفسه رفض اي تبادل جزئي عرضته المقاومة منذ البداية، فعندما يرفض اي صيغة من صيغ التبادل او اي هدنة في هذا المجال ثم يعود بعد 47 يوما للقبول بها، معنى ذلك ان هناك مستجدات وتطورات أرغمته على ذلك.
اول هذه التطورات هو الفشل الميداني وصمود غزة بمقاومتها وشعبها، وفشله في تحقيق اي من الاهداف المعلنة، أضافة الى المخاطر على حياة الأسرى نتيجة بقائهم والتحرك الشعبي الكبير الذي بدأ يتسع داخل الكيان الاسرائيلي بالنسبة لعوائل الأسرى والحراك القوي جدا والذي بدأ يلقي تعاطفا من الجمهور الاسرائيلي بنسبة معينة ويخشى نتنياهو ان يؤدي ذلك الى خرق الإجماع "الاسرائيلي" على استمرار الحرب، لذلك ما حصل فعلا هو انتصار بل ان هناك الكثير من الاصوات الاسرائيلية تؤكد على هذا الموضوع، وتؤكد ان "اسرائيل" فرض عليها هذا الموضوع، اما بالنسبة لما هو لاحقا الموضوع مرتبط بإستمرار المفاوضات على الأسرى، اذا كان هناك مفاوضات اضافية تؤدي الى اطلاق المزيد من الأسرى تتمدد الهدنة وتستمر المفاوضات، اما اذا فشلت هذه الهدنة فسيعود الضغط العسكري الميداني وبصيغ مختلفة، لا اعتقد ان ظروف هذه الحرب قد نتجت حتى الان، وان كانت محطة الهدنة والتبادل هي محطة في هذا المسار، لكن من المبكر التوقع ان الحرب تكاد تكون قد انتهت، المتوقع في حال لم يتم التوصل الى أتفاق نهائي بخصوص كل الأسرى المؤكد ان المعارك والحرب "الإسرائيلية" ستستمر.
يشن جيش الاحتلال حرباً على الشعب الفلسطيني، في وقت تعاني فيه قيادته من التفكك والصراعات الحادة.. هل ترى أن هذه الانقسامات والصراعات ستؤثر على الجبهة الداخلية؟ أم أن الخطر الوجودي الذي يتهدد الكيان يساعد في توحيد هذه الجبهة وتجاهل الخلافات الداخلية ؟
برز في مرحلة ما قبل السابع من تشرين الاول الماضي، حجم الانقسامات التي يعاني منها المجتمع الاسرائيلي. واتضح أن الهوة بين الشرائح التي يتشكل منها واسعة وعميقة جداً. وأن الخلافات البينية حادة الى مستوى دفعت العديد من المسؤولين من التحذير من امكانية تحول كل ذلك الى صراع دموي بشكل أو بآخر. إلا أن "طوفان الاقصى" بنتائجه ورسائله دفع المجتمع الاسرائيلي في هذه المرحلة الى تجاوز خلافاته وتبلور نوع من الاجماع الداخلي على مواجهة التهديد الذي برز بشكل مفاجئ من قطاع غزة. وهو أمر مفهوم ومنطقي بأن تتكتل التيارات المتصارعة فيما بينها في مواجهة تهديد مشترك داهم.
مع ذلك، لا يعني ذلك اختفاء هذه الانقسامات وانما في أحسن الاحوال ستكون مؤجلة وستظهر مجدداً في محطات لاحقة. ويمكن القول أنه في الوقت الذي يتسلل فيه اليأس الى الرأي العام الاسرائيلي من امكانية تحقيق أهداف الحرب وتواصل الضغوط التي تستنزفه على كافة المستويات سيؤدي ذلك الى حدوث نوع من الشروخ داخل هذا الاجماع الذي سيتسع بموازاة استمرار الحرب واتضاح انسداد افاقها وتواصل الخسائر. من أولى المؤشرات على الخلاف الداخلي تبلور في الموقف السياسي والشعبي حول نمط التعامل مع قضية الاسرى. حيث برز من يدعو الى وضعهم في الاولوية ولو كان الثمن تبييض السجون الاسرائيلية من المعتقلين الفلسطينيين. وهناك من رأى أن الاولوية ينبغي أن تكون للعملية البرية وأنه من خلالها يمكن تحريرهم. إلا انه في نهاية ساهمت مجموعة من العوامل على اجبار حكومة نتنياهو على الرضوخ لاجراء تبادل جزئي ما شكل انجازا للمقاومة ومؤشراً على فشل الجيش وقيادته السياسية والامنية في اخضاع المقاومة وحركة حماس. بفعل ارتفاع مستوى الضغوط الشعبية وتحديدا من عوائل الاسرى الى جانب الضغط الاميركي... الذي أجبر حكومة نتنياهو على الخضوع نتيجة فشلها في تحقيق أي انجازات ميدانية تتعلق بالاسرى أو بالاهداف الأخرى للحرب.
اعضاء حزب الليكود يناقشون حجب الثقة عن نتنياهو في الكنيست. هل يعني ذلك أن ورقة هذا المسؤول قد سقطت؟ وما هو المصير المتوقع لرئيس الوزراء الاسرائيلي بعد هذه الحرب؟ وكيف ترى أن هذا التهديد سيؤثر على اداء نتنياهو في ادارة الحرب ؟
مع أو بدون هذا التحرك الذي شهده حزب الليكود، والذي لا يزال محدودا حتى الان، فإن مصير نتنياهو السياسي يمكن اعتباره محسوما على خلفية عدة قضايا. تهم الفساد الموجهة اليه، وتحمله مسؤولية الانقسام الذي شهده المجتمع الاسرائيلي والذي شكل بنظر الاستخبارات (كما ستدلي بذلك أمام لجان التحقيق) دوراً أساسياً في تحفيز حركة حماس في شن هجوم بهذا الحجم والخطورة، وهي سبق أن حذرته من سيناريو تعرض اسرائيل لخيارات هجومية من الشمال والجنوب انطلاقاً من حالة الانقسام التي شهدها المجتمع وتقويض صورة الردع الاسرائيلية. اضافة الى تحمله المسؤولية ايضا عن طوفان الاقصى، وسقوط هذا العدد الكبير من القتلى والاسرى... وصولا الى الحرب وما ستؤول اليه من نتائج..
في ضوء ما تقدم، ليس من المنطقي أن يبقى مسؤول يحمل وزر كل هذه القضايا في منصبه. ولكن الامور مؤجلة الى ما بعد الحرب وما ستفرزه من نتائج عسكرية وسياسية. مع أن البعض يطالب باستبدال نتنياهو قبل انتهائها.
لا يخفى أن هاجس العزل السياسي وامكانية زجه في السجن وتحميله مسؤولية ما واجهته اسرائيل، سيترك أثرا مباشراً وغير مباشر على حساباته ودوافعه للمضي في الحرب من أجل تحقيق انجاز عسكري يحاول تقديمه أمام الجمهور الاسرائيلي كتعويض عما تسبب به لاحقاً. ولذلك يشكل هذا الأمر أحد العوامل التي ينبغي أخذها بالحسبان في تقدير مواقف نتنياهو في كل ما يتعلق بالحرب.
يرى البعض أن جيش الاحتلال هو البقرة المقدسة في هذا الكيان وأن الجميع يسعون الى ابعاد التهمة عنه بالتقصير. ولكن ألا ترى أن هذا الجيش نفسه يعاني من الترهل؟ ألا تتحمل قيادته مسؤوليته الهزائم المتتالية التي مني بها أمام قوى المقاومة ؟
لم تعد صورة الجيش الاسرائيلي بنظر الجمهور هي نفسها التي كان عليها في العقود الاولى من عمر الكيان. فقد مر بمراحل وتجارب أثبت فيها أنه لم يعد قادراً على توفير الحماية التي يأملها الجمهور الاسرائيلي. مع ذلك، كان الجيش يحتل المرتبة الاولى في سلم الثقة بالنسبة الى باقي مؤسسات الكيان. ولكن بعد طوفان الاقصى تهشمت هذه الثقة وبدأ الحديث يتغلغل داخل كيان العدو حول سقوط العقد الاجتماعي القائم بين الجيش والجمهور الاسرائيلي. الاول، يقدم الامن. والثاني يمنح الاول الثقة ويتحمل كلفة الخيارات والاستراتيجيات التي يرسمها.
فيما يتعلق بمسؤولية قيادات الجيش عما حصل من هزائم، لم يعد الامر تحليلا فقد اعترفوا بأنفسهم وأقروا بالمسؤولية عما جرى. من رئيس الاركان الى رئيس الاستخبارات الى قائد سلاح الجو. ولذلك فهم بانتظار لجان التحقيق التي تنتظرهم بعد انتهاء الحرب. ويعني هذا الاقرار من قبلهم أن حياتهم المهنية قد انتهت بنكسة ستبقى ملاصقة لهم طوال حياتهم. وسيتعزز هذا الأمر مع انتهاء الحرب وفشلهم في تحقيق الاهداف المحددة.
جيش الاحتلال تحول الى جيش للقتل وليس جيشاً للقتال، لماذا تقهقرت قوة هذا الجيش أمام المقاومة بينما كان صاحب اليد الطولى أمام الجيوش العربية ؟
في الواقع إن السبب الرئيسي لهذا التراجع يكمن في أمرين: الاول يتصل بتغير أعداء اسرائيل والتهديدات المحدقة بها، اضافة الى تغير طرأ على المجتمع والقادة الذين ينبثقون منه.
كانت ولا تزال اسرائيل تتمتع بتفوق نوعي في مقابل الجيوش النظامية إلا أنها في مقابل حركات المقاومة وبصيغتها المتطورة التي جمعت بين قدرات جيش نظامي وتكتيكات المقاومة الشعبية، انتجت نموذجا ثبتت قدرته على مواجهة جيش نظامي متطور جداً في قدراته. (جيش العدو). أضف الى ذلك، إن صلابة العقيدة وقوة التصميم والاستعداد للشهادة شكلت عاملا رئيسياً ساهم في تغيير معادلات القوة في الميدان وهو مفهوم يقر به العدو والصديق.
العامل الثاني، هو أن الجيل الاسرائيلي الجديد أصبح أكثر ميلا للفردانية والرفاه والابتعاد عن كل ما يرى فيه منشأ للخسائر البشرية والمادية. وعندما يغلب هذا الطابع على المجتمع، من الطبيعي أن ينتج عنه جيشا بنفس المزايا. فالجيش في كيان العدو هو جيش الشعب، بمعنى أن الشعب كله جيش ولذلك فإن ما يتمتع به أفراده من مزايا ومفاهيم وسلوكيات هي نفسها ستكون مزايا الجندي والضباط والقائد. وانعكس كل ذلك في اداء الجيش في العديد من المحطات السابقة.
اما الان بعد طوفان الاقصى، فهو وجد نفسه مضطراً الى خيار العملية البرية، لأن البديل عنه أكثر كارثية. لكن في أي محطة يمكن أن تظهر علامات التعب على هذا المجتمع ويتحول مسار الحرب بشكل حاد.
في ظل التركيبة السكانية التي تفجرت فيها صراعات متعددة داخل الكيان الصهيوني، ما هو مستقبل هذا الكيان بصرف النظر عن نتائج الحرب الحالية والعدوان السافر على غزة؟ والى أي حد يمكن للأنظمة العربية المراهنة عليه في ظل سياسات التطبيع في المنطقة؟
في الواقع إن ما يشهده الكيان من تناقضات عميقة غير قابلة للجَسر والصراعات على هوية المجتمع والدولة كلها مؤشرات على مآل هذا الكيان. واذا ما تجمدت هذه الصراعات نتيجة الحرب القائمة إلا أنها سرعان ما ستعود وتطفو على السطح في محطات لاحقة. في كل الاحوال، من يقرأ تاريخ هذا الكيان وصولا الى المرحلة الحالية، يكتشف أن العدو مر بمسار صعودي خلال العقود الثلاثة الاولى، لكنه عاد وانحرف مساره نزولا. فمنذ تحرير العام 2000، بدأ العدو يهرول في مسار انحداري وصولا الى طوفان الاقصى. كل ذلك يؤشر الى الاتجاه الذي ينحدر اليه مستقبل هذا الكيان. ومحطة السابع من تشرين الاول شكلت قوة دفع اضافية في هذا المسار الانحداري.
أما فيما يتعلق بمستقبل التطبيع يمكن التعبير بكلمة مختصرة، أن مخطط التطبيع تلقى ضربة قاسية جداً بعد طوفان الاقصى، لكن مصيره النهائي مرتبط بنتائج معركة فلسطين.
/انتهى/
تعليقك