وأفادت وكالة مهر للأنباء، أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يتوجه، اليوم الأربعاء إلى إيران على رأس وفد سياسي واقتصادي رفيع المستوى، بهدف تعزيز العلاقات الثنائية. وتعتبر طهران والدوحة من أهم أصدقاء بعضهما البعض في المنطقة في السنوات الأخيرة بسبب القرب السياسي والاقتصادي والأمني بينهما. وخلال هذه الزيارة وفي لقائه مع الرئيس الإيراني ومسؤولين آخرين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سيبحث الشيخ تميم أهم القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، وستكون العلاقات الاقتصادية وغزة والولايات المتحدة من أهم محاور هذه القضايا في المجالات الثلاثة المذكورة.
العلاقات الأخوية والاستراتيجية بين إيران وقطر
يمكن تعريف العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقطر، بكل ما فيها من تقلبات واختلافات في مواقفهما تجاه النظام والمنظومة الدولية، بأنها علاقات استراتيجية، علاقات مبنية على حسن الجوار والمصالح المشتركة في المنطقة. وهذه العلاقات مستمرة في الحكومة الايرانية الحالية، مع التركيز بشكل خاص على دول الجوار. ومنذ البداية، ومع فهم الدور المؤثر الذي تلعبه هذه الدولة في التفاعلات الإقليمية والعالمية، ركز الرئيس الايراني مسعود بزشكيان والمؤسسة الدبلوماسية بشكل خاص على تعزيز وتوسيع العلاقات مع الدوحة في مختلف المجالات، وخاصة الاقتصاد، وقد أعلن المسؤولون القطريون عن هذا التركيز في الأشهر الأخيرة. وعلى مدى الأشهر الخمسة المتوترة الماضية، حاولت مملكة قطر، إلى جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إدارة هذه التوترات قدر الإمكان، والوقوف إلى حد ما ضد أولئك الذين يدمرون الأمن والاستقرار الإقليميين.
زار الرئيس الايراني قطر في أكتوبر 2024 بدعوة رسمية من الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وعلى الفور، وفي خطوة مميزة، حل ضيفاً في المقر الشخصي لأمير قطر. وجاءت هذه الزيارة التي استمرت ليومين بهدف إجراء محادثات ثنائية والمشاركة في القمة التاسعة عشرة لحوار التعاون الآسيوي، وهي تعتبر واحدة من أهم خطوات الحكومة الرابعة عشرة في التعامل مع دول الخليج الفارسي من جهة ومواجهة مخططات الكيان الصهيوني من جهة اخرى.
رغم أن علاقات الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع جيرانها لها أهمية لا يمكن إنكارها من الناحية الدبلوماسية والسياسية، إلا أن هذه العلاقات لها أيضاً مكون أكثر أهمية واستراتيجية وهو التفاعلات الاقتصادية. وقال عباس عبد الخاني المستشار التجاري الإيراني في قطر إن حجم التبادل التجاري بين إيران وقطر في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 بلغ نحو 265 مليون دولار، بزيادة قدرها 53% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وقال المدير العام لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية محمد علي دهقان دهنوي، إن صناعتي الفاكهة والأغذية هي السلع الأكثر تصديرا من إيران إلى قطر، وتخطط الدولتان للوصول إلى آفاق تجارة بقيمة مليار دولار.
بين تحقيق الهدف المعلن والظروف الحالية، هناك حاجز غير قانوني يسمى العقوبات الأميركية الأحادية الجانب، وبالتالي فإن البلدين بحاجة إلى التعاون والحكمة واليقظة للتغلب على هذا الحاجز. وفي هذا السياق، تحتاج إيران إلى دعم قطر أكثر من أي وقت مضى في مناقشة تحرير موارد طهران من النقد الأجنبي في بنك الدوحة المركزي. كما تم التطرق إلى هذه القضية خلال زيارة الرئيس الايراني إلى قطر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وأعلن بزشكيان عن لقاء بين رئيسي البنكين المركزيين في البلدين لتحرير هذه الموارد والوصول إلى تفاهمات جيدة في هذا الصدد.
لماذا قطر مهم بالنسبة لإيران؟
أطلقت حكومة آل ثاني خلال العقد الماضي برامج طموحة وتحويلية لتحقيق النمو والتنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. ويرافق هذا البرنامج ملحق مهم للغاية وهو تحديد سياسة تعتمد على الوساطة والسعي إلى الاستقرار في المنطقة والعالم. لقد مهدت الدبلوماسية القطرية المتوازنة في المنطقة الطريق لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ومن خلال هذه الدبلوماسية تسعى الدوحة إلى لعب دور في التحديات الإقليمية مثل العلاقات بين إيران والحكومة السورية الجديدة، والتحديات الإقليمية مثل العلاقات بين إيران والولايات المتحدة.
وتعمل قطر على تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال رؤيتها الخاصة، وبموجب هذه الرؤية يتمتع حكام البلاد بعلاقات جيدة مع حماس وتركيا والحكومة السورية الجديدة. العلاقات الطيبة والمستقلة بطبيعة الحال بين عائلة آل ثاني وإيران وتركيا والمملكة العربية السعودية والصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ وقد تم تعريف قطر كقوة مؤثرة بالنسبة لكل من هذه الدول، وهذا واضح من حقيقة أن الدور الرئيسي الذي تلعبه الدوحة في الاقتصاد العالمي والطاقة لم يخلو من التأثير على هذا التصور لهذا الدور. تعد قطر واحدة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي المسال في العالم، وتتخذ واحدة من شركات الطيران الأكثر شهرة في العالم من الدوحة مقراً لها، ويتعامل مطار المدينة مع حوالي 52 مليون مسافر سنوياً، بزيادة قدرها 50% منذ عام 2022.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، كان أمير قطر في مقدمة أمراء وملوك دول الخليج الفارسي من حيث استضافة كأس العالم، وتقديم الدعم الكامل لمؤسسة إعلامية مثل الجزيرة، وتنفيذ خطط طموحة لتطوير البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن توسيع السياحة.
تكهنات اعلامية حول اهداف هذه الزيارة
لقد كانت الزيارات الثنائية بين المسؤولين الإيرانيين والقطريين لعاصمتى بعضهم البعض، والتي تستند إلى قاعدة غير مكتوبة، محوراً لتكهنات مختلفة على مدى العقدين الماضيين، ويفسر العديد من المحللين هذه الرحلات والاتصالات واللقاءات على أنها تبادل للرسائل بين الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، وإيران. إن العلاقات الطيبة التي تربط عائلة آل ثاني بإيران، وكذلك علاقاتها بالولايات المتحدة، تجعل من الدوحة وسيطاً موثوقاً به لدى طهران. وفي السنوات القليلة الماضية، وبعد انخفاض التوترات مع المملكة العربية السعودية وعودة العلاقات بين إيران والسعودية إلى طبيعتها، ركزت قطر بشكل خاص على إعادة خلق دورها في المنطقة من خلال الوساطة بين إيران والولايات المتحدة. بالنسبة لقطر، كما هو الحال بالنسبة للعديد من دول المنطقة، فإن رفع العقوبات عن إيران يعد حدثاً مهماً، والحفاظ على الاستقرار الإقليمي يشكل هدفاً أكثر أهمية. وتحاول الدوحة تقديم صورة متوازنة ومحفزة لنفسها في غرب آسيا والعالم من خلال إثبات عدم وجود تأثير خاص من الغرب في علاقتها بإيران وتحديد المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة مع جارتها الشرقية.
كانت زيارة أمير قطر اليوم إلى طهران، كالعادة، مجالاً للتكهنات. ولكن رغم انه أكد ماجد الأنصاري، المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، عن استعداد بلاده المتجدد للعب دور في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، فإن تميم بن حمد آل ثاني، على الأقل في هذه الرحلة، ووفقاً لمسؤولي وزارة الخارجية الإيرانية، لن يزور طهران لمثل هذا الغرض. ووفقاً لوزير الخارجية، فإن التكهنات حول حمل أمير قطر رسالة من الولايات المتحدة هي شائعات لا تستحق الاهتمام. أعلن السيد عباس عراقجي أن الهدف الأهم لهذا اللقاء هو العلاقات الثنائية والإقليمية، وأكد أن أمير قطر شخصية بارزة يأتي إلى طهران من أجل تعزيز العلاقات الثنائية.
قطر والقضايا الإقليمية
بسبب الدور الذي حددته لنفسها في التأثير على العلاقات الإقليمية، تواجه مملكة قطر قضيتين رئيسيتين ومهمتين في المنطقة: السلام في غزة والاستقرار في سوريا. ويُظهر القرب الأيديولوجي بين القادة القطريين وزعماء حماس والحكومة السورية الجديدة أن الدوحة ناجحة إلى حد كبير في هذه الحالات. قطر كانت توسطت في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، والآن تشعر بالقلق إزاء هشاشة وقف إطلاق النار بسبب تنصل الكيان الصهيوني من التزاماته. وأعلنت الحكومة القطرية أيضاً عن موقفها الداعم للنظام السياسي السوري الجديد منذ البداية، وكان أمير قطر من أوائل زعماء العالم الذين سافروا إلى دمشق بدعوة من الزعيم الانتقالي السوري محمد الجولاني.
وأكد أمير قطر خلال اللقاء دعم بلاده لوحدة سورية وسيادتها واستقلالها، وتقديره لجهود الحكومة السورية لتحقيق الاستقرار والحفاظ على مقدرات البلاد، كما أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري محمد الخليفي للجولاني وقوف قطر إلى جانب أشقائها السوريين في كل المراحل المقبلة. وأثارت هذه العلاقات الجيدة مع سوريا تكهنات حول تبادل الرسائل بين طهران ودمشق عبر الدوحة.
لكن غزة ستكون المحور الأهم في لقاءات أمير قطر مع المسؤولين الإيرانيين، حيث تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطة غير قانونية تتعلق بالمنطقة. خطة لتهجير سكان هذا الساحل قسراً من أراضيهم الأصلية والاستيطان في دول مثل مصر والأردن وحتى المملكة العربية السعودية. وهي فكرة أثارت مجرد ذكرها قلق دول المنطقة والعالم، ما جعل التداول والتشاور في هذا المجال أمراً ضرورياً. إن المباحثات التي أجراها أمير قطر مع الرئيس ومسؤولين إيرانيين آخرين خلال هذه الزيارة، فضلاً عن عقد اجتماع استثنائي لمنظمة الدول الإسلامية بناء على اقتراح إيران، من شأنها أن تمهد الطريق أمام خلق موقف مشترك، وكما قال وزير الخارجية، "صوت موحد للعالم الإسلامي".
فضلا عن الترحيب الحار الذي ستقدمع طهران لأمير قطر من الناحية الدبلوماسية ردا على ترحيبه الحار بالرئيس الإيراني، إلا أنه في جانبه الخفي يشكل جزءا من استراتيجية طهران لتجاوز العقبة الحادة التي تخطط امريكا والكيان الصهيوني بهدف عزل طهران عن المنطقة. لقد أدت هذه الاستراتيجية التي تتابعها وزارة الخارجية إلى توصل دول المنطقة إلى موقف مشترك خلال الأشهر الثلاثة الماضية، على الأقل إزاء مغامرات إسرائيل، وأقنعتها بعدم الوقوع في دوامة التوتر والصراع المخطط لها في المنطقة، والوعي بأهداف هذه الدوامة ومصمميها.
/انتهى/
تعليقك