٠٩‏/٠٣‏/٢٠٢٥، ١٠:٣١ ص

“سوريا بين الإرهاب والتواطؤ: إبادة العلويين بصمت عربي”

“سوريا بين الإرهاب والتواطؤ: إبادة العلويين بصمت عربي”

تشهد سوريا تصعيدًا خطيرًا في العنف المسلح من جانب الحكومة الجديدة وفصائلها المسلحة ومعظمها قادم من خارج البلاد، خاصة في المناطق الساحلية التي كانت حتى وقت قريب تُعتبر من أكثر المناطق استقرارًا في البلاد. 

وكالة مهر للأنباء- نجاح محمد علي: المجازر الوحشية التي تُرتكب بحق العلويين وغيرهم من الأقليات تتم تحت أنظار المجتمع الدولي، في ظل تواطؤ إقليمي واضح وصمت إعلامي عربي مشبوه. ما يجري اليوم ليس مجرد صراع داخلي، بل هو تطهير عرقي وطائفي ممنهج تقوده جماعات مسلحة ، بغطاء حكومي سياسي ودعم عسكري من قوى إقليمية ودولية. في هذا التحليل، سنفصّل الأبعاد المختلفة لهذه الكارثة الإنسانية ونسلط الضوء على الدور المشبوه لبعض القوى، مع التأكيد على كذب الادعاءات التي تتهم إيران أو ما يسمى (فلول النظام السابق) بالتورط فيما يحدث.

أولًا: تصاعد المجازر بحق العلويين

1. تطور العمليات العسكرية في الساحل السوري

شهدت المناطق الساحلية، وخاصة اللاذقية وطرطوس، تصعيدًا كبيرًا في العمليات العسكرية التي تستهدف العلويين، بحجة أنهم موالون للنظام السابق. الفصائل المسلحة، وعلى رأسها جماعة الجولاني (هيئة تحرير الشام)، كثفت من هجماتها ضد القرى والبلدات العلوية، مستخدمة أسلحة ثقيلة في عمليات القتل الجماعي والتدمير الممنهج. التقارير الواردة من الداخل السوري تشير إلى تنفيذ إعدامات ميدانية بحق مدنيين لمجرد انتمائهم الطائفي، فضلًا عن عمليات خطف منظمة تهدف إلى ترهيب السكان وإجبارهم على النزوح الجماعي.

2. التدمير المنهجي للممتلكات والبنية التحتية

لم تقتصر جرائم الفصائل المسلحة على القتل المباشر، بل شملت تدمير منازل العلويين، وإحراق الأسواق، واستهداف البنى التحتية في المناطق ذات الأغلبية العلوية. الهدف من هذه الممارسات ليس فقط الانتقام السياسي، بل تطهير طائفي يسعى إلى تغيير التركيبة الديموغرافية لهذه المناطق، مما يعكس أجندة واضحة للتغيير السكاني الممنهج.

ثانيًا: التواطؤ الإقليمي والدولي في الجرائم ضد العلويين

1. تركيا: الدعم العسكري واللوجستي للفصائل المسلحة

لا يمكن فصل الجرائم التي تُرتكب اليوم في سوريا عن الدور التركي الواضح في دعم الجماعات المسلحة، وخاصة هيئة تحرير الشام. التقارير الاستخباراتية تؤكد أن تركيا زودت هذه الفصائل بالسلاح والذخيرة، بل وسهلت عبور المقاتلين الأجانب إلى سوريا. الحكومة التركية، التي لطالما زعمت أنها تسعى لحل سياسي، هي في الواقع أحد أهم داعمي إشعال الحرب الطائفية، حيث تستغل الفوضى السورية لتحقيق أهدافها التوسعية حتى بعد سيطرتها على الحكومة المركزية.

2. التخاذل العربي والصمت الإعلامي المشبوه

رغم أن المجازر التي تُرتكب ضد العلويين وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، إلا أن الإعلام العربي يتجاهلها عمدًا، في مشهد يعكس ازدواجية المعايير. بينما رأينا تغطية إعلامية مكثفة لأي حادثة تُستغل ضد النظام السوري السابق ، نجد أن الجرائم التي ترتكبها الفصائل المسلحة الحاكمة اليوم، تمر بصمتٍ مطبق. بعض القنوات الإعلامية، تروج لروايات زائفة تحاول تصوير الأحداث على أنها “ثورة شعبية” مدعومة من الخارج في إشارة إلى إيران، في حين أن ما يجري على الأرض هو تطهير طائفي بامتياز.

3. الولايات المتحدة والغرب: ازدواجية المعايير في التعامل مع الإرهاب

الموقف الغربي تجاه ما يحدث في سوريا يعكس بوضوح ازدواجية المعايير. رغم أن الفصائل المسلحة التي تسيطر على سوريا {هيئة تحرير الشام والرئيس الحالي } مصنفة إرهابية وفقًا للقوانين الدولية، فإن الغرب يغض الطرف عن جرائمها، بل ويتعامل معها كطرف سياسي مشروع. الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان يدعيان محاربة الإرهاب، لم يتخذا أي خطوات جدية لوقف المجازر التي تُرتكب ضد العلويين، ما يعزز الشكوك حول نواياهم الحقيقية في سوريا.

ثالثًا: إيران ليست طرفًا في الصراع الدائر

1. تفنيد الادعاءات حول دور إيران

رغم الدعاية التي تحاول الزج بإيران في الأحداث الأخيرة، فإن الحقائق على الأرض تثبت عدم تورطها فيما يجري. طهران لم تتدخل في هذه الصراعات حتى عندما كانت الأزمة السورية مشتعلة قبل سقوط النظام السابق ، بل دعت مرارًا إلى حل سياسي يحفظ وحدة سوريا ويمنع المزيد من سفك الدماء. المزاعم التي تروج لها بعض وسائل الإعلام حول دور إيراني في دعم العلويين ليست سوى محاولة مكشوفة لإيجاد ذريعة لتبرير الجرائم الطائفية.

2. “فلول النظام السابق”: كذبة لتبرير التطهير العرقي

واحدة من أخطر الأكاذيب التي تروج لها الجماعات المسلحة ومن يدعمها هي الادعاء بأن المستهدفين في المجازر الحالية هم فلول النظام السوري السابق. هذه الرواية تهدف إلى إضفاء شرعية على عمليات القتل الجماعي ضد العلويين، رغم أن الضحايا هم في معظمهم مدنيون لا علاقة لهم بالصراع السياسي.

هذه الكذبة الإعلامية تستخدم لتغطية حقيقة أن ما يجري هو إبادة طائفية، وليس مجرد تصفية حسابات سياسية.

رابعًا: المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي جديد

1. مسؤولية الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية

رغم التقارير الحقوقية التي توثق الجرائم التي ترتكبها الجماعات المسلحة تحت غطاء حكومي في سوريا، لا يزال المجتمع الدولي متقاعساً في اتخاذ أي إجراءات جادة لوقف هذه الانتهاكات. الأمم المتحدة، التي كان من المفترض أن تكون جهة محايدة تحمي المدنيين، لم تصدر حتى الآن أي إدانة واضحة لما يجري. هذا الصمت الدولي يطرح تساؤلات حول مدى نزاهة هذه المؤسسات ومدى قدرتها على حماية حقوق الإنسان في ظل التواطؤ السياسي الواضح.

2. الحاجة إلى تحرك دولي عاجل

في ظل استمرار المجازر بحق العلويين، فإن الحاجة إلى تحرك دولي عاجل أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. على الدول الكبرى أن تتخلى عن سياساتها القائمة على المصالح الضيقة وأن تتحمل مسؤولياتها الأخلاقية. يجب فرض عقوبات صارمة على الدول التي تدعم الجماعات المسلحة ، وعلى الحكومة التي تنفذ علناً إعدامات ميدانية ، كما يجب إنشاء لجنة تحقيق دولية لمحاسبة المتورطين في هذه الجرائم.

خاتمة: مسؤولية الجميع في مواجهة الإبادة الطائفية

ما يحدث في سوريا اليوم ليس مجرد صراع سياسي، بل هو إبادة طائفية ممنهجة تُرتكب تحت أنظار العالم. المجازر التي تُرتكب بحق العلويين، بدعم مباشر من قوى إقليمية وتحت غطاء الصمت الإعلامي العربي، تمثل كارثة إنسانية لا يمكن السكوت عنها. التواطؤ الدولي والإقليمي واضح، والصمت الإعلامي العربي مشبوه، ما يجعل من الضروري كشف هذه الجرائم وفضح الجهات التي تدعمها.

هذه الجرائم المروعة تعكس فشل الحكومة المؤقتة بقيادة أحمد الشرع (الجولاني) في تحقيق الاستقرار، مع تزايد الانقسامات بين الفصائل المسلحة. كما أن التدخلات الخارجية تزيد من تعقيد المشهد السوري وتضعف فرص الحل السياسي.

الوضع الحالي يشير إلى استمرار التوترات مع احتمالية تصاعدها إذا لم يتم تحقيق توافق داخلي أو تدخل دولي فعال لوقف المجازر.

على المجتمع الدولي، والقوى الفاعلة، والمنظمات الحقوقية أن تتحمل مسؤولياتها لمنع تكرار السيناريوهات السوداء التي شهدها العالم في جرائم إبادة سابقة. إن تجاهل هذه الجرائم لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفوضى والتطرف، وسيكون وصمة عار على جبين كل من سكت أو تواطأ في هذه المجازر.

/انتهى/

رمز الخبر 1955315

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha