٠٣‏/٠٦‏/٢٠٢٥، ١١:٤٧ م

الإمام الخميني جمع بين الأصالة والحداثة وواجه الاستعمار بثورة إسلامية أرعبت الغرب

الإمام الخميني جمع بين الأصالة والحداثة وواجه الاستعمار بثورة إسلامية أرعبت الغرب

أكد الكاتب والإعلامي اليمني، منتصر الجلي، أن الإمام الخميني "جمع بين الحداثة والأصول الإسلامية، ووضع نظرية أرعبت الغرب لأنها أعادت الدين إلى مركز الحكم، ورسّخت لفكر إسلامي جامع يواجه الاستعمار الثقافي والسياسي".

وكالة مهر للأنباء_ وردة سعد: نظرية الولي الفقيه نظرية إسلامية منهجية صحيحة، ترتكز على أحاديث الرسول الأكرم (ص) في نص الولاية لأمير المؤمنين الإمام علي (ع) والأئمة المعصومين سلام الله عليهم.

لقد قامت تعاليم الإمام الخميني (قده) على المزج بين الحداثة والأصول الإسلامية، وغيرها من العوامل التي أنشأ وصنع وركز من خلالها الدولة المتينة، وبالتالي المجتمع المتماسك.

حول هذه النقاط، أجرت مراسلتنا، الأستاذة وردة سعد، حوارا صحفيا، مع الكاتب والإعلامي الصحفي الأستاذ منتصر الجلي، وجاء نص الحوار على النحو التالي:

العديد من الحركات الإسلامية كانت في القرن الماضي، وبعضها لا يزال إلى اليوم، وتعتقد أن النظام الإسلامي هو العودة إلى ما كان عليه السلف، بينما سعى الإمام الخميني إلى تحديث المبادئ الإسلامية بما يتلاءم مع معطيات الحضارة البشرية اليوم، فمزج بين الحداثة والحفاظ على الأصول في إقامة الجمهورية الإسلامية. فهل تعتقد ذلك؟ وكيف تعامل الإمام الخميني مع هاتين المسألتين؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
أولًا: حياكم الله وأهلًا وسهلًا، بشرف هذا اللقاء، وشرف كريم في إتاحة الفرصة والحديث عن رمز، بل معلم من معالم الحضارة الإسلامية المعاصرة، سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني (قدس).

معلوم أن الإمام الخميني (قدس) نشأ واشتد عوده في منازل العلم ودور العلماء ومجامع الذكر، واتصاله بشيوخ عصره الذين تتلمذ على أيدي علماء كبار من أقطاب المدرسة الشيعية. تلك الحظوة والمكانة التي نالها سماحة الإمام صنعت منه شخصية قيادية إسلامية أحدثت فارقًا في تاريخ الإسلام والمجتمع الإيراني بشكل خاص.

سعى سماحة الإمام الخميني إلى وضع نظرية تواجه الغرب، خصوصًا مع دعوات الحضارة الغربية واختفاء حضارة الإسلام تدنيًا وتراجعًا. ودعا لتحقيق ذلك من خلال طريقتين كما أشرتم:

ملاءمة المنهجية الإسلامية وتحديث المنظومة الإسلامية وفق العصر ومتطلباته.

المزج بين الحداثة الحاصلة والأصول الإسلامية المعتبرة.

هاتان الخطوتان مثّلتا القاعدة التي قامت عليها تعاليم الإمام وخطاباته وطرحه الفكري، ضمن مسارات معتمدة. فنرى الإمام الخميني (قدس) في طريقة تعامله مع هذه المسألة وضع نظره لمحددات المجتمع، ونظر إلى الموروث الثقافي والديني والتعليمي، وهي الأصول والأسس التي يقوم عليها نظام الإسلام في حركته وديمومته، وما الذي يعتريها من جوانب تحتاج للإصلاح النوعي أو إعادة قالب التعليم المنهجي والحوزوي، ورسم ملامح تجمع عليها النظرة العلمائية والطبقة الدينية، في دراسة الحضارة وما المعطيات التي يُبنى عليها لإقامة حضارة إسلامية تواكب معاصرة العالم المتسارع.

ثم أخذ في منهجية أخرى، هي نقد الطرائق والأساليب المنحصرة في عقول طلاب العلم أو المنشغلين بالعلوم، فدعا إلى تغيير التصور الفردي وإقامة تصورات جماعية تعمل في ضوء المنهجية الإسلامية، وتخريج صناع قرار على مستويات الحياة: الاقتصادية، الفكرية، الاجتماعية، العلمية، والإعلامية، انطلاقًا من أسس جامعة، واضحة الرؤية، يُبنى عليها واقع المجتمع.

علمت التيارات الإسلامية السالفة بالتمسك بالموروث الإسلامي وفق عصور خلت، متجاوزة ما يعرفه القرن العشرون، ضمن مجموعة من النظريات الفلسفية: كالفارابي، وابن خلدون، ونظريات ابن رشد، وابن تيمية، مع ملاحظة الفوارق الشاملة بين مناهجها المختلفة، وإسقاطها على مواضيع متناثرة. عدا ابن تيمية، في نظرياته القائلة بالعودة إلى التراث الإسلامي وفق تصورات السابقين وفي إطارها، وما خرج عنها لا يمثلها، وهي دعوة تنتصر للقديم الصرف، متغافلةً الحركة الزمنية، والأطر المكانية، كون الحقيقة لا تتجلى إلا في سياق الأخذ بالاعتبارين.

ومما تفرد به الإمام، وتطالعنا آثاره اليوم، هو ما أفرزته الثورة الإسلامية من تجليات للثبات على الأرضية الصلبة. هذا ما يسعى الغرب إلى تقويضه عبر فصل الجانب الديني عن الواقع السياسي برمّته، لما لمسوه من ثبات يتسم بالمرونة والتجدد، ضمن منظومة الإسلام وأصوله، التي خرجت بشكلها التطبيقي لتصنع الجمهورية الإسلامية التي يراها العالم اليوم.

لم يخرج الغرب من بلادنا بعد مرحلة الاستعمار إلا بعد أن ترك خلفه طبقة من المثقفين ورجال الدولة المستلبين فكريًا والمشبعين بفكرة تفوق الغرب وضرورة اتباع منهجه في الثقافة ونظام الحكم. فكيف نظر الإمام الخميني إلى هذه المسألة؟ وهل استطاع مواجهتها فعلاً على المستوى الثقافي والتنظيري؟

بالطبع، مثّلت شرارة الثورة الإسلامية بقيادة الإمام (رضوان الله تعالى عليه) انتفاضة على السائد المتّبع، والمعروف المستهلَك من ثقافات عامة أو تصورات ناقصة خلفها الاستعمار الغربي للبلدان العربية بشكل عام، وإيران بصورة أخص.

ذلك أن الحركة الغربية، وما عُرف بالثورة الفرنسية الكبرى، التي نادى أصحابها بالخروج على الإقطاعيين والمساواة ورمزية العدالة، ثم انتقال الغرب وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية إلى خطة "نموذج الوهم" كما أسميه، للفت أنظار بقية الشعوب، وخاصة الآسيوية والنامية، إلى حضارتهم المادية، اعتمادًا على الصورة الإنجازية للمادة، ووضع نظريات وأطروحات سياسية ودينية (كالعلمانية، والرأسمالية، والشيوعية)، مثلت هذه العوامل صورة من وهم استقر لدى الطبقة المثقفة ورواد الفكر الإسلامي، منادين إلى العمل وفق معطيات الحضارة الغربية، ومنها التخلي عن منظومة الإسلام ونظرياته، والانزواء إلى قراءة الحضارة المادية لدى الغرب، من جانبيها الثقافي والسياسي.

بمعنى:

العودة للعمل بما يتفق والرؤية العلمانية وفصل الدين عن الدولة.

خلق جزئيات تضرب فاعلية الدين في الحياة، والحكم خاصة.

وضع الإمام لهذه المسألة أسسًا عامة، وخلق وعيًا لدى النخب بضرورة الأخذ بالإسلام ثقافةً ومنهجًا وأساسًا في الحكم، وعدم الفصل بين مقتضيات الدين ومشروعية السياسة. فلا يستقر مجتمع أو يسلم من ذباب الحضارة الغربية إلا عن طريق التحصن بالإسلام، ومعرفته وشريعته، حريةً وقرارًا. فنادى إلى مقومات الحكم من عدالة اجتماعية، ووحدة مجتمعية، تتفرع في كل ما يخص ذلك المجتمع: وحدة القرار، والمصير، والهدف، والغاية.

كل الثورات في العالم، وعبر التاريخ، فرضت تأثيرها على الجوار، وأحيانًا على العالم كله وعلى مراحل تاريخية كاملة، مثل أفكار حركات التحرر الوطني، أو الأفكار الماركسية. فهل استطاعت الثورة الإسلامية التي نظّر لها وأطلقها الإمام الخميني أن تُحدث ذات الأثر؟ ولماذا أقلقت الغرب والأنظمة الرجعية أكثر من غيرها؟

كانت ثورة الإمام الخميني (قدس) عام 1979 على نظام الشاه، والثورة البيضاء، وإصلاح الشعب الإيراني، وبناء رؤية إسلامية، إعلانًا ثوريًا فاجأت به حركة الغرب الصهيوني. تحطمت أمامها آمال الاستعمار الحديث بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، اللتين لم تتوانيا في الدفاع والمساومة عن النظام آنذاك، شاه البهلوي، لما تعلمان من أثر دراماتيكي على مستوى المنطقة والعالم الإسلامي لثورة الإمام.

لم تلاقِ الثورات الأخرى في مختلف الشعوب ما وجدته الثورة الإسلامية، كونها ثورات تنتهي بانتهاء المطالب، أو تحقيق الغايات الذهنية المجردة عن بنية الفكرة وغاية الوعي.

الذي أزعج الغرب من ثورة الجمهورية الإسلامية هو "الإسلام"، الذي انطلق منه سماحة الإمام في بناء أهداف الثورة، من عدالة والتزام، ووحدة قرار، وسيادة وطنية.

للعلم هنا: معرفة الغرب ما تعنيه أهداف وأسس الثورة الإسلامية من خروج عن كل مألوف وصنمية قائمة في العالم، سواء المدارس الفكرية التلمودية، أو النظريات الإلحادية، أو الفرضيات التي تنادي بوحدة السياسة المطلقة.

باعتبار أن النظرية الإسلامية الشيعية تمتاز بالحقيقة واليقين، كونها تستمد تعاليمها من فكر آل البيت عليهم السلام، الذين هم أساس العدل وبناء الفكر والحياة. واعتبارٌ آخر هو تجسيد الدين في كماله عن طريق توظيفه في جميع مناحي الحياة، ومنها معاداة الكافرين، والجهاد في سبيل الله، والخروج على الظالم.

نظرية الولي الفقيه أثارت الكثير من الجدل والقلق في أوساط الحركات الإسلامية، وفي الأوساط الشيعية خصوصًا. فهل هذه النظرية التي تبناها الإمام الخميني لها جذورها في الفكر الإسلامي؟ ولماذا يخاف منها البعض ويحاول الابتعاد عنها؟

تُعد نظرية الولي الفقيه من نظريات الحداثة أو "القديم المتجدد"، وهي تقوم على التفويض المطلق لنائب الإمام، ليمثل عدله وإقامة القسط.

وهي نظرية منهجية صحيحة، تستند لأحاديث النبي الأكرم في نص الولاية للإمام علي (ع) والأئمة المعصومين من بعده. وتُعتبر النظرية ذات بُعد استراتيجي، انطلاقًا من أهمية القائم الذي يمثل الإمام.

حصل الخلاف حول النظرية بين مؤيد ومنتقد لها، لكن الواقع أثبت، عبر سنوات من تأسيس ثورة الجمهورية الإسلامية، فائدتها وأهميتها في حفظ الأمة وسلامة تنفيذ الشرع الإلهي، بالشكل المنسجم مع حاجة الإنسان الفطرية إلى العدل والقسط.

على الرغم من انشغالاتها الداخلية الكبيرة والحساسة، ركزت الثورة الإسلامية على قضايا الصراع مع الإمبريالية العالمية في محاور المنطقة العربية، وفلسطين خصوصًا. فما هي مبررات ذلك في رؤية الإمام الخميني للمواجهة مع الاستكبار العالمي؟ وماذا مثلت فلسطين للإمام ولإيران بقيادة الإمام الخامنئي من بعده؟

انطلقت الجمهورية الإسلامية لمحاربة التوجه الإمبريالي العلماني في غرب آسيا والمنطقة، بدءًا من البنية الداخلية للجمهورية، ثم على مستوى المنطقة، وذلك من خلال مسارات متعددة، منها:

المسار الخارجي، ويشمل الجانب الفكري والسياسي، وتفعيل ورقة المصالحة مع بلدان الجوار.

تفعيل التوجه التحرري من جهة الشعوب.

فرض حالة الحذر من الأعداء، في مقدمتهم الولايات المتحدة، وكيان العدو المحتل.

فكانت الجمهورية شوكة تقف في وجه السياسة الغربية، التي تسعى لتحويل المنطقة إلى جندي تابع للكيان الإسرائيلي.

أولى تلك القضايا هي القضية الفلسطينية، التي يشاهد العالم اليوم ما يرتكبه العدو الإسرائيلي فيها من جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني المظلوم.

الرؤية، وتحديد ملامح العدو، وتشخيصه، ووضع آليات مواجهته، كانت حاضرة في فكر الإمام الخميني (قدس)، باعتبار الكيان المحتل عدوًا رئيسيًا، وكذلك في دعم محور المقاومة، حيث القضية الفلسطينية مرتكز هذا المحور.

وعلى ضوء ذلك، تجلت أدوار بارزة للجمهورية الإسلامية في هذا الصدد، منها الدعم العسكري والسياسي لفصائل المقاومة الفلسطينية، أو على مستوى المنطقة، من خلال مساندة دولها لمحاربة الأفكار الدخيلة والتكفيرية، كداعش، كما حصل في العراق.

كذلك من ناحية أخرى، كان هناك انفتاح دبلوماسي مع دول الجوار، لحمايتها من الاختراق الغربي الأمريكي الإسرائيلي.

معركة الرموز من المعارك المهمة في تاريخ الشعوب، وقد أصبحت أكثر أهمية اليوم في ظل ما يُحكى عن الحروب الثقافية والغزو الفكري. فما الذي قدمته الثورة الإسلامية في إيران على هذا الصعيد؟ وهل يمكن الحديث عن الإمام الخميني كنموذج متفرد للقيادة الثورية العالمية؟

يعتمد الغرب والإعلام المعاصر على ترسيخ مفهوم الرموز، ورمزية الأشخاص تأتي نتيجة عطاء معين، سواء فكري أو سياسي. فلكل شعوب العالم رموزها، لذا يسعى أعداء الجمهورية الإسلامية إلى وضع بصمة لهم في محيط الدولة الإيرانية، عن طريق "الفكر الناعم" أو الغزو الممنهج تحت عباءة الإعلام والتثقيف، ونشر أفكار تدعو للاقتداء برموز معينة خارج الإطار الإسلامي، كالدعوة إلى الانفتاح أو الاتجاه الرأسمالي أو العلماني.

لذا، سعت الثورة الإسلامية إلى تحطيم رموز الباطل لدى الشعب الإيراني، سواء زعماء فكر أو سياسة أو دعاة تضليل، وترسيخ رمزية القرآن ومن يمثل الخط الإلهي، والامتداد للرسالة في الأئمة، والإمام الخميني كرمز معاصر، يمثل رمزية عالمية من نواحٍ عدة، أبرزها: رفض الظلم، والإيمان بالعدالة الإلهية.

إنه ملهم للأجيال من نشأ الشعب الإيراني، ومعلم من معالم الإنسانية في القرن المعاصر، كقائد جمع خصائص القيادة القرآنية، وأحقية الإنسان في العيش الكريم تحت رعاية الله وتسليمه المطلق.

/انتهى/

رمز الخبر 1958819

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha