وكالة مهر للأنباء؛ الكاتب محمد رضا مرادي- في الأشهر الأخيرة، أعادت التطورات السياسية في الأراضي المحتلة قضية ضم الضفة الغربية إلى صدارة الأجندة السياسية الإسرائيلية. ومؤخرًا، وافق الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بأغلبية ضئيلة، في تصويت تمهيدي، على مشروع قانون يهدف إلى تطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية. إلا أن هذه الخطوة أثارت على الفور ردود فعل دولية عنيفة. حتى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مقابلة مع مجلة تايم، حذر تل أبيب من التسرع في الضم، قائلاً إن هذه الخطوة قد تُعرّض دعم واشنطن الكامل لإسرائيل للخطر. كما وصف فانس القرار بأنه أحمق.
وفي الوقت نفسه، تلت ذلك موجة من الإدانات الإقليمية والعالمية. وأصدرت دول عربية وإسلامية - بما في ذلك قطر والمملكة العربية السعودية والأردن ومصر وتركيا وإندونيسيا وباكستان - بيانًا مشتركًا وصف إجراء الكنيست بأنه انتهاك واضح للقانون الدولي وتهديد للإستقرار في الشرق الأوسط. استجابةً للضغوط الدولية والمخاوف من رد فعل أمريكي، أعلنت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه بأمر من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، تم تعليق تقديم الخطط التنفيذية المتعلقة بالضم حتى إشعار آخر. ولكن ما الهدف من هذا الضم؟
الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل وراء خطة الضم
تعزيز السيطرة الإقليمية والأمنية:
من منظور جيوسياسي، تُعدّ الضفة الغربية منطقة محورية تُطلّ مرتفعاتها الوسطى على المدن الرئيسية وطرق المواصلات الحيوية في الأراضي المحتلة. لطالما ادّعى القادة الإسرائيليون، وخاصة اليمين المتطرف، أن الانسحاب من هذه المناطق سيحرم إسرائيل من عمقها الدفاعي. وبالتالي، يُبرّر ضم أجزاء رئيسية من هذه المنطقة بحجة "أمن إسرائيل"، بينما الهدف في الواقع هو التوسع الدائم لحدود الكيان الصهيوني المحتل.
الحفاظ على الهيمنة الديموغرافية والعرقية
تسعى إسرائيل إلى ضم مناطق الضفة الغربية ذات الكثافة السكانية الفلسطينية المنخفضة نسبيًا. في هذا السياق، تُعدّ المنطقة "ج"، التي تُشكّل حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية، ذات أهمية قصوى. تُمكّن هذه السياسة إسرائيل من الاستيلاء على الموارد الطبيعية والأراضي الخصبة، مع تجنب استيعاب ملايين الفلسطينيين الذين قد يُغيرون التوازن الديموغرافي.
تعزيز الروايات الدينية والأيديولوجية
تُفسر الفصائل الصهيونية المتطرفة، بما في ذلك حزب الصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريتش، التاريخ اليهودي من منظور تلمودي، معتبرةً الضفة الغربية جزءًا من أرض "يهودا والسامرة" المقدسة. ووفقًا لهذا الاعتقاد، فإن ضم هذه الأراضي ليس مجرد عمل سياسي، بل هو تحقيق لوعد إلهي. يرفض هذا النهج الأيديولوجي رفضًا قاطعًا منطق التسوية.
الأبعاد القانونية وانتهاكات القانون الدولي
بموجب القانون الدولي، يُحظر ضم الأراضي المحتلة حظرًا بتاتًا. تنص المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة وقرارا مجلس الأمن 242 و338 صراحةً على أنه "لا يجوز الاستيلاء على أي أرض بالحرب". في رأيها الاستشاري الصادر في يوليو/تموز 2024، أعلنت محكمة العدل الدولية أن إسرائيل، بنقلها صلاحيات مدنية إلى مؤسساتها الحكومية في الضفة الغربية، قد دخلت فعليًا مرحلة ضم غير قانوني. وألزمت المحكمة إسرائيل بوقف التوسع الاستيطاني واحترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
ومع ذلك، تجاهلت تل أبيب هذا الحكم، وفي عام 2024، سجلت رقمًا قياسيًا جديدًا في التوسع الاستيطاني: تمت الموافقة على بناء 27,589 وحدة سكنية جديدة في الأراضي المحتلة. تُمثل هذه الإجراءات ضمًا فعليًا، وواقعًا ميدانيًا يُغير الوضع دون إعلان رسمي.
الأبعاد الاقتصادية
تحتوي المنطقة "ج"، ذات الأولوية للضم، على معظم الموارد الطبيعية الفلسطينية وأراضيها الخصبة. وبنقل إدارة هذه المنطقة من الإدارة العسكرية إلى وزارة المالية الخاضعة لسيطرة سموتريتش، بدأ الكيان الإسرائيلي رسميًا عملية "مأسسة الاحتلال". عمليًا، يعني هذا استبدال الهيكل العسكري بهيكل مدني إسرائيلي، مما يُحوّل الاحتلال إلى نظام دائم.
ومن الأهداف الاقتصادية الأخرى دمج شبكات المستوطنات بشكل كامل في الاقتصاد المحلي الإسرائيلي. وتُعد مشاريع مثل بناء طرق مخصصة، ومناطق صناعية، وربط شبكات الكهرباء والمياه بتل أبيب جزءًا من هذه الخطة. والنتيجة هي خلق نموذج فصل عنصري اقتصادي يفصل الفلسطينيين عن مواردهم الحيوية وبنيتهم التحتية.
العواقب الإنسانية والاجتماعية على الفلسطينيين
إن عواقب هذه العملية على المجتمع الفلسطيني كارثية:
تصاعد عنف المستوطنين: سُجّل أكثر من 2200 اعتداء في عام 2024.
تدمير المنازل والبنية التحتية: تم هدم أكثر من 1700 مبنى فلسطيني في نفس العام.
نزوح داخلي مكثف: طُرد آلاف الفلسطينيين من أراضيهم وأُجبروا على العيش في جيوب معزولة.
الحرمان التدريجي من الحقوق المدنية: في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، يعيش الفلسطينيون فعليًا بدون جنسية أو حقوق متساوية.
ووفقًا للخبراء الدوليين، فإن هذا الوضع هو مثال واضح على نظام الفصل العنصري الحديث، وهو نظام ينشئ نظامين قانونيين منفصلين لسكان منطقة واحدة.
ردود الفعل الدولية والإقليمية
على الرغم من أن المجتمع الدولي عارض بشدة الضم لفظيًا، إلا أن ردود أفعاله العملية كانت رمزية إلى حد كبير. فقد ذكر الاتحاد الأوروبي فقط إمكانية تعليق اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع إسرائيل ولكنه لم يتخذ أي خطوات ملموسة. وفي العالم العربي، يفتقر البيان المشترك للدول الإسلامية، على الرغم من أهميته السياسية، إلى قوة الإنفاذ. وفي الواقع، فإن صمت أو سلبية القوى الكبرى قد منح إسرائيل نوعًا من الترخيص الضمني لمواصلة الضم تدريجيًا.
انسحاب نتنياهو التكتيكي: خطوة مؤقتة أم إعادة هيكلة استراتيجية؟
لا يُشير إعلان نتنياهو عن التعليق المؤقت لخطط الضم إلى انسحاب حقيقي من المشروع، بل إلى إعادة تقييم للاستراتيجية. ففي مواجهة الضغوط الأمريكية وخوفًا من عقوبات أوروبية محتملة، اختار تأجيل التنفيذ الرسمي مع الاستمرار في الإجراءات الميدانية - من توسيع المستوطنات إلى إعادة الهيكلة الإدارية.
وكما وصفته مجموعة الأزمات الدولية، هذا ضمٌّ دون تسميته: خلق حقائق لا رجعة فيها على الأرض دون إعلان رسمي.
الخلاصة
ليس ضم الضفة الغربية إجراءً مؤقتًا، بل هو جزء من استراتيجية إسرائيل طويلة المدى لترسيخ فكرة "إسرائيل الكبرى". ورغم أن الضغوط الدولية أجبرت نتنياهو على التوقف مؤقتًا، إلا أن الواقع على الأرض يُظهر أن عملية الضم التدريجي مستمرة دون هوادة.
في غياب أي تحرك عالمي ملموس، فإن خطر تحويل احتلال مؤقت إلى نظام فصل عنصري دائم أصبح أشد خطورة من أي وقت مضى. السبيل الوحيد لكبح هذا التوجه هو ربط المواقف السياسية بإجراءات ملموسة، بدءًا من حظر الأسلحة ووصولًا إلى تعليق الاتفاقيات التجارية. وإلا، فقد تشهد الخريطة السياسية لفلسطين تغييرات لا رجعة فيها.
/انتهى/
تعليقك