١٧‏/٠٢‏/٢٠٢١، ١٠:٣٧ م

خاص لـ"مهر":

الموقف سلاح والمصافحة اعتراف

الموقف سلاح والمصافحة اعتراف

قال نجل الشهيد الشيخ راغب حرب، ان الاغتيالات والاعتقالات لن تخمد صوت المقاومة بل سيمتد هذا الصوت لينتشر في كل أرجاء الأمة ويصل إلى أسماع كل الأحرار.

وكالة مهر للأنباء - راغب راغب حرب: ثمانية وثلاثون سنة مضت على استشهاد الشيخ راغب حرب، ولا زال اسمه لهجاً على ألسنة كل الأحرار في العالم، ولا زال صوته يدوي في آذان الطغاة يقرع أسماعهم ليدبّ في قلوبهم الرعب. لم تمح السنوات من ذاكرة الأرض اسمه ولا غيبت صورته، ولا أفل نجمه. ولعل الأجيال الحالية والأجيال التي ستأتي تحب أن تتعرّف على ذلك الشيخ الذي اقترن اسمه بالمقاومة واقترنت صورته بمقارعة الاحتلال، ليستلهموا منه الإيمان والإباء والعنفوان. فمن هو الشهيد الشيخ راغب حرب؟.

الشيخ راغب هو الابن البكر للحاج أحمد، ولد في 25 / 10 / 1952م في قرية جبشيت التي تقع في جبل عامل (وهو ما يعرف اليوم بجنوب لبنان)، كان والده يعمل في الزراعة وكان الشيخ راغب يساعد أباه في عمل الحقل. تميز بيت الحاج أبي راغب بالإيمان والالتزام الديني والزهد في الدنيا واختيار العيش البسيط الخالي من التكلف.

المرحلة الأولى من دراسة الشيخ راغب كانت في المدرسة الرسمية في جبشيت، بعدها انتقل إلى النبطية لإكمال دراسة المرحلة المتوسطة، وبعد المرحلة المتوسطة انتقل إلى بيروت ليبدأ رحلة طلب العلوم الدينية.

تميّز الشيخ راغب منذ نعومة أظافره بأخلاقه الحسنة وبالوعي الذي كان يميزه عن أقرانه والهمّة العالية. وبعد سنة قضاها في بيروت، شدّ رحاله إلى مقصد العلماء النجف الأشرف عام 1971، ومكث فيها ثلاث سنوات ونيف في طلب العلم، وفي هذه السنوات الثلاث كان قد زار لبنان مرة عقد فيها قرانه على ابنة عمّه التي أحبّها وأخذها معه إلى النجف الأشرف.

انكب في النجف على دراسته ومطالعة الكتب، ولم يثنه ذلك عن قول كلمة الحق بوجه الظالمين هناك، ما جعله هدفاً للاعتقال، ولكن الله شاء له النجاة، إذ عاد إلى لبنان ليزور أهله، فوصلت الأخبار من العراق أن جلاوزة النظام يبحثون عنه في كل مكان. هذا الأمر دفع والد الشيخ راغب أن يطلب منه عدم العودة إلى العراق واكمال الدراسة في بيروت، ورغم ان الشيخ راغب لم يكن خائفاً من العودة إلى هناك بل كان يحب أن يعود لإكمال مسيرته العلمية إلا أنه في المقابل أبى أن يرفض طلب أبيه احتراماً له.

مكث الشيخ راغب في بيروت سنة واحدة وما لبثت الحرب الأهلية ان اندلعت فعاد إلى جبشيت ليبدأ بالتبليغ الديني فيها وفي الجوار وبقي فيها حتى شهادته.

تميز أسلوب الشيخ راغب التبليغي باللين والكلمة الطيبة التي جعلته يدخل قلوب الناس بلا استئذان، إضافة إلى الدور التبليغي العظيم وذي الأهمية الكبيرة كان لا يغفل متابعة شؤون الناس الاجتماعية فيعالج المشاكل التي تنشأ لكي يبني مجتمعاً متماسكاً، ويؤمن ما تيسر من مساعدات للفقراء والمعوزين

كان يتميز أسلوب الشيخ راغب التبليغي باللين والكلمة الطيبة التي جعلته يدخل قلوب الناس بلا استئذان، وفي هذا المجال أقام صلاة الجمعة في جبشيت وكانت صلاة الجمعة الشيعية الأولى في لبنان، وبدأ بمشروع توسيع مسجد البلدة ليتسع للمصلين، وإضافة إلى الدور التبليغي العظيم وذي الأهمية الكبيرة، كان لا يغفل متابعة شؤون الناس الاجتماعية فيعالج المشاكل التي تنشأ لكي يبني مجتمعاً متماسكاً، وأيضاً لم يغفل أوضاعهم الاقتصادية فكان يزور البيوت مستطلعاً أحوالها، ويؤمن ما تيسر من مساعدات للفقراء والمعوزين، وقد دفعه حرصه على أوضاع الناس الاجتماعية والاقتصادية إلى أن يؤسس صندوق بيت مال المسلمين الذي انبثقت عنه فكرة مؤسسة القرض الحسن، وكان يشرف بنفسه على إعطاء القروض لمحتاجيها.

إضافة إلى حرصه الشديد على رعاية الأيتام الذي دفعه إلى بناء مبرة السيدة زينب عليها السلام وإحضار فكرة مؤسسة الشهيد من إيران التي تعنى برعاية أيتام الشهداء، ولم ينس الجانب الثقافي فعمل على تأسيس مكتبة عامة.

من خلال هذا النشاط الكبير كان الشيخ راغب يعتمد لأن يكون التواصل بينه وبين الناس والقوى الفاعلة تواصلاً كبيراً، إلا أولئك المعادين والمحاربين لخط الإسلام، فعمل الشيخ راغب على نسج تلك العلاقات مع الجميع والتعاون الوطيد معهم، ووضع يده بيدهم في سبيل نشر رسالة الله وخدمة الناس، رغم أنه لم ينتم لأي تنظيم حينها، لكن ذلك لم يمنعه من مد يد التعاون إلى الجميع خدمة للهدف الرسالي الذي حمله.

ساهمت خطبه ودروسه ومواعظه في بث الروح الإيمانية بين الناس وإعادة الانتماء الديني للناس بعد أن حاولت بعض التيارات حرفهم عن خط الإيمان والهداية.

شكّل انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 حدثاً عظيماً ترك أثره الكبير في قلب الشيخ راغب، فأعلن من منبر الجمعة بيعته للإمام الخميني قدس سره وكان يرى في هذه الثورة وقائدها أملاً عظيماً للمسلمين وللمستضعفين، وقد زار الجمهورية مرات عديدة والتقي الإمام الخميني قدس سره، وكان شديد التعلق به وبالثورة الإسلامية.

أعلن الشيخ راغب من منبر الجمعة بيعته للإمام الخميني قدس سره حيث كان يرى في هذه الثورة وقائدها أملاً عظيماً للمسلمين وللمستضعفين

عند الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 كان الشيخ راغب في إيران يشارك في مؤتمر هناك، لكنه سرعان ما عاد إلى جبشيت ليشعل شرارة الرفض للاحتلال، ويحث الناس على المواجهة معه، ويقفل مكاتب العمالة التي حاول العدو أن يثير من خلالها الفتنة بين الناس. ولم يكتف بذلك بل حثّ المجاهدين على العمل الجهادي المسلح معطياً اياهم التوجيهات والعزيمة، بل ومشاركاً في بعض الأعمال معهم كنقل السلاح ووضعه في المخابئ وحتى بعض عمليات اطلاق النار على المحتلين.

وفي هذه المرحلة كان التنسيق قوياً بينه وبين الشهيد السيد عباس الموسوي، وهما اللذان كانا أصدقاء مرحلة الدراسة في النجف الأشرف، وبقيت العلاقة الوطيدة بينهما حتى في فترى الاحتلال حيث كانا يلتقيان وينسقان خطوات العمل والجهاد سوياً.

شكّلت حالة الرفض والمواجهة قلقاً للعدو الصهيوني ولم ير بداً من أن يبعد الشيخ راغب لأنه في الواقع قائد هذه الحالة، فحاول أن يستميله لعله يغير خطه ونهجه، ولذلك قصد أحد كبار ضباط المخابرات أن يزور منزل الشيخ راغب فما كان من الشيخ راغب إلا أن طرده ومن معه من الجنود بعد أن رفض مصافحته، ومن وحي هذه الحادثة انطلق شعار "الموقف سلاح والمصافحة اعتراف".

بعد أن فشلت محاولة الاستمالة، لجأ العدو إلى اعتقال الشيخ راغب عام في 17/3/1983، وكان يهدف إلى كسر إرادته واسكات صوته، فاعتصم الناس في حسينية جبشيت لمدة 17 يوماً فاضطر العدو إلى الإفراج عنه بسبب صلابته في السجن والضغط الشعبي الكبير في 4/4/1983.

خرج الشيخ راغب من المعتقل بعزم لا يلين مستمراً في مواجهة الاحتلال ومنتقلاً من بلدة إلى أخرى لحثّ الناس على مقاومة المحتل، فلم يجد العدو طريقة لإخماد صوته إلا القتل فاغتاله في جبشيت في 16 / 2  / 1984، إلا أن هذا الاغتيال لم يخمد صوت الشيخ راغب، بل امتد لينتشر في كل أرجاء الأمة ويصل إلى أسماع كل الأحرار، فانتشر فكر المقاومة، وزاد وعي الناس لخطر الاحتلال واجرامه، وصار الناس والمقاومون أكثر ثباتاً وعزماً في مقارعة هذا الظلم فلم يلبث الاحتلال ان اضطر بعد أقل من سنة على شهادة الشيخ راغب أن ينكفئ عن جزء كبير من الأراضي اللبنانية. وكانت دماؤه ودماء الشهداء هي المدماك الأساس للنصر الكبير عام 2000 ولقوة المقاومة وعزتها ومنعتها.

/انتهى/

رمز الخبر 1911971

سمات

تعليقك

You are replying to: .
  • captcha