وأفادت وكالة مهر للأنباء، ان زيارة القبور والمراقد المقدسة هي أحد التقاليد الدينية في الإسلام التي يقوم بها الناس لتعزيز قواهم الروحية وتذكير أنفسهم بأن العالم المادي هو عالم يزول. ومن بين هذه الزيارات، هي زيارة الأربعين، والتي تقام كل عام بمناسبة يوم الأربعين لاستشهاد الإمام الحسين (ع)، الإمام الثالث للشيعة، على شكل مسيرة لعدة كيلومترات من مدينة النجف الأشرف إلى مدينة كربلاء ومرقد الإمام الحسين(ع) وأصحابه الشهداء. ويعتبر هذا المراسم التي تحول اليوم إلى تجمع مليوني، من أقوى رموز التضامن بين أبناء العالم الشيعي. وفي أربعينية الإمام الحسين(ع)، تتجمع مجموعات مختلفة من المسلمين، سواء الشيعة أو السنة، وحتى الأشخاص من الديانات المسيحية والمجموعات العرقية المختلفة في الشرق الأوسط مثل الإيزيديين وأصحاب الديانات الأخرى، مما يجعل هذا الحدث أكبر تجمع ديني سنوي في العالم.
الجودة المميزة لمسيرة زيارة الأربعين
إن مسيرة زيارة الأربعين له نوعية مميزة بين جميع الزيارات للمسلمين الشيعة وكما ذكرنا فإن الزوار من مختلف دول العالم كل عام، من يوم 7 إلى 20 من شهر صفر (من أشهر التقويم الهجري) يبدؤون رحلتهم هذه للمشاركة في المسيرة من مدينة النجف إلى كربلاء مشيا على أقدامهم، وذلك من أجل التعاطف مع أسرى حادثة كربلاء من خلال هذه الرحلة. الأسرى في حادثة كربلاء التاريخية الذين نقلهم أصحاب اليزيد بن معاوية(لعنه الله) من كربلاء إلى الشام (عاصمة سوريا الحالية) من طريق صحاري العراق. وفي هذه الطقوس التقليدية، يتجه معظم الزوار من النجف إلى كربلاء، وعلى طول الطريق توجد مواكب لاستقبال الزوار، والتي يتم تنظيمها من قبل دول مختلفة.
فلسفة مسيرة زيارة الأربعين
الزوار في هذه الرحلة يتحملون معاناة السفر مشيا على أقدامهم، تخليداً لذكرى الأسرى من حرب بني أمية غير المتكافئة سنة 61هـ ضد آل النبي الكريم(صل الله عليه وآله وسلم) ولأن يتخذوا درسا ونموذجا من معاناة هؤلاء الأسرى في هذه الرحلة ومقاومتهم.
نظرة على الخلفیة التاريخية لمسيرة الأربعين
ومن الروايات التاريخية يتبين أن زيارة مراقد الأئمة المعصومين(عليهم السلام) مشيا على الأقدام كانت شائعة في عهد الأئمة، وكانت تجري في مختلف أنحاء الأرض الإسلامية؛ ومع ذلك، في القرون الإسلامية المختلفة، وبسبب التشدد والخوف من وصول الشيعة إلى السلطة من قبل الحكومات المختلفة، واجهت هذه المسيرة العديد من المشاكل، وكما كانت الزيارات الأخرى تواجه العديد من الصعوبات في أوقات وأماكن مختلفة، فقد واجه هذا التقليد(مسيرة الأربعين) أيضًا الصعود والهبوط. وفي الواقع فإن زيارة الإمام الحسين (ع) في يوم الأربعين من التقاليد المستمرة عند الشيعة، وهم كانوا ملتزمين بهذه السنة الحسنة في زمن بني أمية وبني العباس أيضا. وبطبيعة الحال، لعبت الحكومة الصفوية في إيران أيضًا دورًا كبيرًا في نشر ثقافة الزيارة سيرًا على الأقدام. وفي هذا الصدد، روي أن الشاه عباس الصفوي وكبار علماء عصره، كالشيخ البهائي، من أجل تعزيز ثقافة الزيارة بين الناس، فقرراو سنة 1009هـ. الذهاب إلى مشهد من أصفهان سيرا على الأقدام لزيارة مرقد الإمام علي بن موسى الرضا(ع).
ضغوطات نظام صدام البائد ضد الزوار
ومع ذلك، بعد وصول صدام حسين إلى السلطة في العراق وفترة حكم حزب البعث في هذا البلد، فرض على مسيرة زيارة الأربعين العديد من القيود، وهناك تقارير تفيد بأنه قتل العديد من الأشخاص في هذه الفترة بسبب اشتباكات قوات صدام مع الزوار، فقد قيل إنه على الرغم من هذه القيود، قد أعلن العديد من علماء الدين وجوب اقامة هذه الزيارة والسير إلى كربلاء. جاء في كتاب بعنوان "سنوات الجمر" صدر عام 2004م عن قيود زيارة الأربعين في عهد نظام البعث: "في عام 1397هـ (1977م) حظر حزب البعث العراقي الاحتفالات الدينية والمواكب المنظمة والمشي على الأقدام إلى كربلاء". وجاء حول التقييدات التي فرضت على زيارة الأربعين عام 1977، انه بينما كان الشعب العراقي يستعد لإقامة الزيارة والتحرك نحو كربلاء المقدسة، لكنها تعاملت حكومة صدام حسين ضدهم وقُتل عدد من الأشخاص وسجن بعضهم، كما حُكم على بعض العلماء، مثل العلامة العسكري والسيد محمد حسين فضل الله، الذين فروا من العراق، بالإعدام غيابياً.
مسيرة زيارة الأربعين بعد سقوط حزب البعث ونظام صدام
بعد سقوط حزب البعث العراقي عام 2003، تم إحياء هذه المراسم مع تغيير الحكم في العراق وفي كل عام، بالإضافة إلى الشيعة العراقيين، ينضم شيعة الدول الأخرى، وخاصة الإيرانيين، إلى مسيرة زيارة الأربعينية. ووفقا للتقارير، بالإضافة إلى الشيعة، هناك مجموعات من السنة والمسيحيين والإيزديين وغيرهم من الديانات تحضر أيضا مسيرة الأربعين. اليوم، بالإضافة إلى مشاركة شعوب دول مثل إيران وأفغانستان والدول الأفريقية، هناك تقارير تفيد بأن أشخاصًا من السويد والدنمارك وأمريكا وبريطانيا والنمسا وفنلندا والأرجنتين وكولومبيا وروسيا وأستراليا يحضرون أيضًا مسيرة الأربعين.
ملايين الزوار فترة وجود داعش
وفقا لإحصائيات وزارة الداخلية العراقية، انه بلغ عدد زوار زيارة الأربعين في عام 2013 إلى 20 مليون زائرا، بدعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، معظمهم من الزوار الأجانب. هذا فيما أشارت إحصائيات وزارة الداخلية العراقية لعام قبل ذلك (2012) إلى وصول نحو 1.3 مليون زائر أجنبي إلى العراق. وبينما كان عام 2014 خطر تنظيم داعش الإرهابي والجماعات التكفيرية الأخرى محسوسا في دول المنطقة، قدر عدد زوار الأربعين بنحو 22 مليونا، رغم أن السلطات العراقية أعلنت أن عدد زوار الأربعين يبلغ 26 مليونا في نفس السنة. وخلال هذه السنوات الأخيرة وعلى الرغم من ظروف كورونا (في السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة)، تم الإعلان عن متوسط حضور زوار الأربعينية بين 12 مليون و20 مليون شخص.
/انتهى/
تعليقك