وكالة مهر للأنباء - قسم الشؤون الدولية: تأتي نهاية حكم عائلة الأسد مع هذا الهجوم السريع، وهو أمر لم يحدث حتى في ذروة الحرب الأهلية السورية، ويرجع ذلك إلى ثلاثة عوامل؛ أولاً عدم دفاع الجيش السوري عن البلد وعدم جدية بشار الاسد في التصدي للارهابيين، وثانياً أن النظام السوري نفسه كان قد تآكل من الداخل ولم يبقَ منه سوى شكل الدولة، وثالثاً أن المعارضة بمختلف أطيافها اكتسبت قوة كبيرة بفضل اتحادها المؤقت، وهو ما جعل مع العاملين الأولين مهمة إسقاطه ممكنة.
في الحقيقة، نظام الأسد في سوريا انتهى فعلياً منذ اللحظة التي أصبحت فيها بلاده مجزأة إلى أرخبيل من مناطق النفوذ العسكري للاعبين من الشرق والغرب، وتحولت إلى المحطة الأكثر دموية في "اليقظة الاسلامية". لا شك أن الدول والقوى الخارجية، بناءً على مصالحها واحتياجاتها، تتدخل أحياناً أو ربما دائماً في الدول الأخرى؛ لكن ما يوفر لها الأرضية المناسبة لذلك هو الفجوات التي تتسبب فيها تراكم الأخطاء والكوارث الإدارية للأنظمة الحاكمة، وهو ما يفسح المجال للتدخلات والتآمر الخارجي. وقد حدث نفس الأمر في العراق.
نهاية نظام الأسد تحمل دلالات تغيير وتحول على المستويين الداخلي والإقليمي؛ فعلى المستوى الداخلي، يبقى التساؤل ما إذا كان سقوط النظام سيشكل مصيراً مختلفاً للشعب السوري، أم أن الأمر سيكون مجرد نهاية لعهد حكم عائلة الأسد مثل غيرها من الحكام المستبدين في المنطقة والعالم، أم أن هناك تغييراً حقيقياً بمعنى الكلمة سيتحقق باتجاه تطلعات الشعب التاريخية نحو الديمقراطية والحرية.
في الوقت الراهن، من المبكر الحكم، لكن من غير المرجح أن ترى دولة عانت لأكثر من عقد من الحرب الأهلية وظهرت فيها جماعات مسلحة مؤثرة وأصبح مجتمعها بشكل ما عسكرياً، ديمقراطية وحرية حقيقية في وقت قريب. ومع ذلك، قد تواجه المعارضة السورية، التي تمكنت بطريقة ما من إزالة عدوها المشترك، حالة من التشتت أثناء بناء النظام الجديد، وربما تتجه إلى حمل السلاح ضد بعضها البعض.
ومع ذلك، برزت بعض الإشارات الإيجابية للسوريين بأن البلاد قد لا تدخل مرحلة جديدة من الحرب الأهلية بعد الأسد، من بينها أن اتفاقاً "مهماً" جرى لضمان استمرار رئيس وزراء النظام السابق في منصبه، لتجنب فراغ السلطة وضمان انتقالها وتشكيل النظام الجديد بسهولة.
على المستوى الإقليمي، سقوط النظام السوري سيكون له تأثير خاص على الاصطفافات الإقليمية لصالح أو ضد اللاعبين البارزين. حالياً، يظهر أن انتصار المعارضة وضع تركيا في صدارة اللاعبين المؤثرين في سوريا، مما عزز وزنها الجيوسياسي، كما منح ذلك الرئيس التركي أردوغان وحزبه الحاكم ورقة رابحة في مواجهة معارضيه في الداخل، خاصةً أن موقف حزب العدالة والتنمية وأردوغان قد ضعف في السنوات الأخيرة، وهو ما انعكس في الانتخابات البلدية الأخيرة. أحد الأسباب المهمة لتراجع شعبية الحزب الحاكم كان أزمة اللاجئين الناجمة عن الحرب السورية؛ لكن الآن، قد تُحسن عودة هؤلاء اللاجئين وتحول تركيا إلى اللاعب الأكثر أهمية في الساحة السياسية لجارتها العربية من مكانة أردوغان وحزبه.
انتصار الإسلاميين، بمختلف أطيافهم السلفية والإخوانية، قد ينعش هذا التيار مجدداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعد سلسلة من الانتكاسات والثورات المضادة؛ لكن استمرارية هذا الانتعاش تعتمد على نجاح أو فشل نظرائهم السوريين في تشكيل ملامح سوريا ما بعد الأسد.
في هذا السياق، قد تؤدي الصراعات الداخلية بين الجماعات المسلحة إلى تحويل سوريا إلى "ليبيا" أو "سودان" أخرى، مما سيخلق وضعاً مرهقاً وأزمة للتيار الإسلامي السني ويقلل تدريجياً من تأثير التغيير السوري على هذا التيار إقليمياً، ويمنع سوريا من أن تكون نقطة انطلاق جديدة لهم.
مع سقوط النظام السوري، من المرجح أن توجه تركيا الفصائل المسلحة المعارضة قريباً لمحاربة الإدارة الذاتية الكردية، التي سيطرت مؤخراً على 40% من الجغرافيا السورية بعد انسحاب الجيش السوري. كذلك، قد تعتزم أنقرة تنفيذ خطتها بإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود بدعم من القوة الجديدة المتشكلة.
بشكل عام، التطورات الداخلية في سوريا يمكن أن يكون لها امتداد إقليمي كبير، ويبقى أن نرى كيف سيؤثر التغيير في سوريا على السياسات الداخلية والخارجية للدول في المنطقة. كما أنه من المحتمل أن تشهد الساحة السياسية في العراق تطورات لصالح أو ضد النفوذ الأجنبي المؤثر.
/انتهى/
تعليقك