وكالة مهر للأنباء- قسم الشؤون الدولية: ان قناة "الحدث"، وهي إحدى القنوات التلفزيونية السعودية، زعمت مؤخرًا أن إيران تخطط لنقل ملايين الدولارات إلى حزب الله عبر رحلات جوية تابعة لشركة "ماهان إير" من طهران إلى بيروت. أثارت هذه الادعاءات توترات في مطار بيروت الدولي، حيث فرضت تدابير أمنية مشددة وغير مسبوقة على ركاب الطائرات الإيرانية، وهو ما أثار موجة من الاحتجاجات في لبنان ردًا على هذه المزاعم.
ما هي الأخبار الزائفة؟
الأخبار الزائفة هي الأخبار غير الحقيقية، المصطنعة، المفبركة، غير الدقيقة وغير الموثوقة بها. ويُعرف مصطلح الأخبار الزائفة بأنها: "الأخبار التي تكون عمدًا غير صحيحة، ويمكن التعرف على خطئها، وتهدف إلى تضليل الجمهور."
أصبحت الأخبار الزائفة واحدة من الأساليب المعتادة لبعض وسائل الإعلام الحكومية، حيث يتم اختلاق أخبار مزيفة بالكامل ونشرها. أحيانًا تكون الأخبار الكاذبة مبنية على حقيقة معينة، لكنها تُقدم مع تحريفات وأكاذيب حول تفاصيل وقوعها. تشبه هذه الأخبار الشائعات والمعلومات غير الواقعية والمزيفة التي كانت موجودة في المجتمعات الشفاهية أو في عصور ازدهار وسائل الإعلام الجماهيرية مثل التلفزيون والراديو. ومما جعل الأخبار الزائفة أكثر انتشارًا في الوقت الحالي هو النهج السياسي والإعلامي المتبع، بالإضافة إلى وصول الناس إلى أدوات جديدة تتيح نشر الأخبار الزائفة بسرعة وبطريقة "فيروسية" أو ما يُعرف بـ"التفشي الرقمي". تتلخص خصائص الأخبار الزائفة في ثلاث نقاط رئيسية:
- عدم التطابق مع الحقيقة: خطأ كلي أو جزئي في النص، أو غياب الموضوعية رغم محاولة الظهور بمظهر الحقيقة.
- قصد التضليل: إنتاج ونشر الأخبار بشكل متعمد بهدف خداع الجمهور.
- الهدفية: وجود دافع أو مصلحة سياسية، اقتصادية، أو ثقافية وراء نشر هذه الأخبار.
الحدث وجدلها الإعلامي المستمر
تُعدّ قناة "الحدث" واحدة من أدوات القوة الناعمة التي تستخدمها السعودية في منطقة غرب آسيا. وتعمل هذه القناة بجانب شبكات مثل "العربية" كأداة رئيسية لإعادة إنتاج الهيمنة الإعلامية والإيديولوجية للسعودية في العالم الإسلامي، في مواجهة دول أخرى مثل قطر. بدأت "الحدث" بثها في 12 يناير 2012، وهي قناة فرعية تابعة لشبكة "العربية". وقد ركزت منذ تأسيسها بشكل كبير على الأخبار السياسية في المنطقة، بما في ذلك الثورات العربية ودعم الأزمات مثل الأزمة السورية. كما تُعتبر "الحدث" و"العربية" المنافسين الرئيسيين لقناة "الجزيرة" القطرية في تغطية تحولات المنطقة منذ عام 2012.
على مدار أكثر من عقد، كانت "الحدث" واحدة من أكثر الشبكات العربية إثارةً للجدل، حيث قامت مرارًا بنشر أخبار زائفة وإثارة أزمات إعلامية. وقد استهدفت شبكتها مختلف دول المنطقة بطرق متعددة. على سبيل المثال، في المراحل الأولى من الهجوم العسكري السعودي على اليمن، زعمت "الحدث" و"العربية" استشهاد عبد الملك الحوثي، زعيم حركة أنصار الله. كان الهدف من هذا الخبر إضعاف المقاومة، لكنه انتهى بأن أصبح مادة للسخرية في وسائل الإعلام الأخرى، حتى وصل الأمر إلى قول البعض: "الحوثي استشهد على يد العربية والحدث!"
كما امتدت الألاعيب الإعلامية لـ"الحدث" إلى العراق. ففي نوفمبر 2019، علّقت الحكومة العراقية نشاط قناتي "الحدث" و"العربية" بسبب عدم امتلاكهما التراخيص اللازمة ومنعتهما من تغطية الأحداث. جاء ذلك في وقت كانت فيه الحكومة العراقية تواجه احتجاجات داخلية. وبررت الحكومة قرارها بأن القناتين انتهكتا المبادئ المهنية وحرضتا المحتجين، مما أدى إلى تعليق تراخيصهما لمدة ثلاثة أشهر.
الحدث وإيران
في الثاني من يناير، أوقفت السلطات الأمنية اللبنانية طائرة تابعة لشركة "ماهان إير" الإيرانية بعد هبوطها في مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت. جاء هذا الإجراء بعد أن نشرت قناة "الحدث" تقريرًا زعمت فيه، استنادًا إلى مصادر غربية مزعومة، أن إيران تعتزم نقل ملايين الدولارات إلى حزب الله عبر رحلات "ماهان إير" من طهران إلى بيروت. ونتيجةً لهذا الادعاء، قامت الجهات الأمنية اللبنانية بتفتيش المسافرين والأمتعة. ووفقًا لتصريحات وزير الداخلية اللبناني، لم يتم العثور على أي شيء مشبوه داخل الطائرة أو أمتعتها. أثار هذا الإجراء احتجاجات من قبل بعض المواطنين اللبنانيين.
الخبر الزائف الذي بثته قناة "الحدث" يُعدّ مثالًا واضحًا على التضليل الإعلامي المتعمد بهدف خداع الجمهور، خصوصًا في ظل الهدنة بين حزب الله والكيان الصهيوني. يبدو أن هذا الخبر جزء من السياسات العدائية التي تنتهجها القناة تجاه حزب الله، حيث تتماشى هذه السياسة مع المصالح الإسرائيلية.
في السنوات الأخيرة، اتبعت "الحدث" نهجًا عدائيًا تجاه حزب الله، إذ حاولت خلال احتجاجات لبنان في عامي 2019 و2020 تصوير الأزمة المعيشية على أنها نتيجة لسياسات الحزب. وفي أثناء العدوان الصهيوني على لبنان في أكتوبر 2024، زعمت القناة نقلًا عن مصادر داخل حزب الله أن هناك هجومًا إسرائيليًا استهدف منطقة البترون، وهو ما أثار مزيدًا من الجدل حول مصداقية تقاريرها.
ردّ حزب الله لبنان على تقرير قناة "الحدث" الذي زعم وجود "مصادر قريبة من حزب الله" تزود القناة بالمعلومات، مؤكدًا: "لا توجد مصادر داخل حزب الله أو قريبة منه يمكن أن تقدم معلومات لهذه القناة أو القنوات المتحالفة معها، التي تشارك بوضوح وعداء في آلة الدعاية الصهيونية ضد المقاومة وشعب لبنان."
من بين الأمثلة الأخرى على نشر الأخبار الكاذبة، ادعاء "الحدث" بشأن استشهاد القيادي في حزب الله، هاشم صفیالدین. في الثالث من أكتوبر 2023، شنّ الكيان الصهيوني هجومًا على بيروت، وزعمت القناة في اليوم التالي أن إسرائيل أكدت استشهاد صفیالدین. غير أن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال، ادعى لاحقًا في 8 أكتوبر أن إسرائيل نفذت عملية اغتياله، مما فضح التناقضات في تقارير "الحدث".
في السنوات الأخيرة، أثيرت اتهامات متزايدة ضد "الحدث" بأنها تعمل كمنصة إعلامية تخدم أجندة الكيان الصهيوني، بل وتنسق معه بشكل مباشر. في أكتوبر 2024، شارك أحد مراسلي القناة في معرض أسلحة نظمه الكيان الصهيوني، ما أثار جدلًا واسعًا حول طبيعة العلاقة بين القناة والاحتلال.
صحيفة "هاآرتص" الإسرائيلية تناولت هذا الأمر في تقرير نشرته في 17 ديسمبر 2024 بعنوان: "إذا أردت أن تعرف ما يجري في إسرائيل حقًا، شاهد هاتين القناتين السعوديتين"، مشيرة إلى العلاقة الوثيقة بين الكيان الصهيوني وقناتي "العربية" و"الحدث".
وفقًا لهذا التقرير، ومع استمرار تدفق الأخبار من جبهات الحرب المختلفة، يتكرر اعتماد وسائل الإعلام الصهيونية على وسائل الإعلام السعودية كمصادر رئيسية للمعلومات. وفي هذا السياق، قال توماس فريدمان، المحلل في صحيفة نيويورك تايمز، إن وسائل الإعلام السعودية عملت خلال الحرب كمصادر حصرية للمعلومات للجهات الرسمية الإسرائيلية، حيث كانت تكشف عن أسماء الأشخاص الذين تم استهدافهم من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية. وقد أبدت المصادر الإسرائيلية تفضيلًا واضحًا لهذه الوسائل الإعلامية السعودية على وسائل الإعلام الإسرائيلية.
يعتقد الصحفيون الصهاينة الذين أجرت معهم صحيفة "هآرتس" مقابلات يعتقدون أن هناك اتصالات وثيقة بين مصادر حكومة الاحتلال وبين القنوات التلفزيونية "الحدث" و"العربية". وذكر تقرير "هآرتس" أن "في كايس"، الصحفي في القناة 11 في تل أبيب، قال: "لقد تركت اتفاقات أبراهام تأثيرًا كبيرًا على إمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام السعودية، تل أبيب تعمل على نقل روايتها إلى العالم العربي، وذلك من خلال وسائل الإعلام السعودية والإماراتية. فإنَّ القنوات السعودية تتمتع بمصادر ميدانية، وأعتقد أن هناك تعاونًا إعلاميًا وثيقًا بينها وبين المصادر الإسرائيلية".
خلاصة القول
إن خبر شبكة "الحدث" حول نقل الأموال من إيران عبر طائرة "ماهان إير" إلى حزب الله في لبنان يمثل نموذجًا من نشر المعلومات الكاذبة عمدًا بهدف تضليل الجمهور. تشير سوابق هذه الشبكة في السنوات الأخيرة إلى نشر أخبار كاذبة عن اليمن، والعراق، ولبنان، وإيران. ويزداد نشر هذه الأخبار من قبل "الحدث"، خصوصًا في ما يتعلق بحزب الله، بعد الهجمات الإسرائيلية على لبنان، حتى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها أكدت قرب هذه الشبكة من تل أبيب.
من جهة أخرى، فإن هذا التوجه المعادي تجاه إيران في الوقت الذي تحاول فيه إيران والسعودية تحسين علاقاتهما في العامين الأخيرين لا يمكن أن يؤدي إلا إلى تدمير العلاقات بين البلدين.
وسائل الإعلام في عالم اليوم يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تسهيل تحسين العلاقات بين الدول. وفي ظل الظروف الراهنة، فإن إيران والسعودية، من خلال فهم مشترك للمصالح المتبادلة واحترام التباينات والخلافات، تسعيان لتحسين وتعزيز العلاقات الثنائية. بينما تتصرف شبكة "الحدث" بشكل معارض تمامًا لهذا المسار، كما لو أنها مكلفة بتخريب العلاقات بين طهران والرياض.
/انتهى/
تعليقك