وكالة مهر للأنباء؛ المجموعة السياسية : إن فرض الحكومة الأمريكية قيودًا واسعة النطاق على الدبلوماسيين الإيرانيين الذين سافروا إلى نيويورك لحضور الدورات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة يكشف مجددًا عن الطبيعة الانتقائية والاستغلالية لنهج واشنطن تجاه "الدبلوماسية" و"الحوار". هذه القيود، التي تمنع الدبلوماسيين من التنقل لأكثر من بضعة شوارع حول مقر الأمم المتحدة، وتصعّب عليهم حتى تلبية احتياجاتهم اليومية، ليست مجرد إجراء إداري أو أمني بسيط، بل هي متجذرة في خوف الولايات المتحدة من منطق الحوار والمنطق الذي تتبناه الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
تُعدّ الجمعية العامة للأمم المتحدة إحدى الفرص الدولية الواسعة للتفاعلات والمشاورات متعددة الأطراف بين الدول، وتعتبرها جميع الدول منصة مناسبة لإسماع أصواتها في الرأي العام والدبلوماسية العالمية. في السنوات الأخيرة، استطاعت جمهورية إيران الإسلامية أن تُبرر مواقفها المستقلة والمنطقية ضد السياسات الأحادية للولايات المتحدة وحلفائها من خلال مشاركتها الفاعلة في هذا المجال، وإقناع العديد من الدول بشرعية ومنطقية آرائها. ومن الواضح أن هذا هو السبب الرئيسي وراء قلق واشنطن ولجوئها إلى سياسة تقييد حرية التعبير والتنقل للدبلوماسيين الإيرانيين.
تُدرك الولايات المتحدة جيدًا أنه إذا أُتيحت للدبلوماسيين الإيرانيين، كغيرهم من نظرائهم، فرصة التشاور بحرية وشمولية مع ممثلي الدول والمؤسسات ووسائل الإعلام، فستتشكل موجة من الخطاب النقدي ضد سياسات الهيمنة التي تنتهجها البلاد. من هذا المنظور، تُمثل القيود المفروضة محاولةً لإسكات صوت إيران، أو على الأقل إضعافه، على الساحة الدولية. لا يُعد هذا النهج عملاً عدائيًا ضد جمهورية إيران الإسلامية فحسب، بل يعكس أيضًا انعدام الثقة بالنفس والخوف لدى حكام الولايات المتحدة من مواجهة منطق الدبلوماسية الإيرانية.
من منظور آخر، تتناقض هذه الإجراءات بشكل واضح مع روح وفلسفة وجود الأمم المتحدة. الأمم المتحدة مؤسسةٌ قائمةٌ على التفاعل والحوار والاحترام المتبادل بين الدول. وعندما تمنع الدولة المضيفة، وتحديدًا الولايات المتحدة، حريةَ حضور ومشاركة وفود دولةٍ عضوٍ في الأنشطة الجانبية والاتصالات الدبلوماسية، فإنها تُشكك عمليًا في مبدأ الحياد والشفافية المتوقع من هذه المؤسسة. ويمكن اعتبار هذه القيود مثالًا واضحًا على إساءة استخدام منصب الاستضافة وانتهاك المسؤوليات الدولية للولايات المتحدة؛ وهي مسؤوليةٌ تلتزم واشنطن بمراعاتها بموجب اتفاقيات الأمم المتحدة.
ومن الجدير بالتأمل أيضًا التناقض بين الشعارات والأفعال الأمريكية في هذا الصدد. فمسؤولو واشنطن يُشددون دائمًا على ضرورة "حل القضايا العالمية من خلال الحوار"، لكنهم عمليًا لا يعتبرون الحوار مرغوبًا فيه إلا عندما يعكس مواقفهم الخاصة. فإذا ارتفع صوتٌ مُعارضٌ ومُنتقدٌ لسياساتهم، فإنهم يُحاولون إسكاته بوسائل مُختلفة، بما في ذلك الضغط والقيود والعقوبات. ويُشير هذا السلوك بوضوح إلى أن شعارات أمريكا في الدفاع عن حرية التعبير والحوار العالمي ليست سوى صدفةٍ فارغةٍ تنهار بأدنى ضغط.
إضافةً إلى ذلك، قد يُسفر الإجراء الأمريكي الأخير عن خسائرَ جسيمةٍ لسمعة هذا البلد على المستوى الدولي. واشنطن، التي تُصوّر نفسها كقوة مُلتزمة بالقانون الدولي، تُظهر بفرضها هذه القيود أنها غير جادة حتى في الالتزام بالتزاماتها ومسؤولياتها القانونية كدولة مضيفة لمقر الأمم المتحدة. هذا لا يُضرّ بمصداقية الولايات المتحدة المزعومة في الدفاع عن القانون الدولي فحسب، بل يُمهّد الطريق أيضًا أمام دول أخرى لزيادة عدم ثقتها بنهجها، وهو ما يُلحق ضررًا آخر بالولايات المتحدة.
المشكلة هي أن الولايات المتحدة، كقوة عالمية، تختار طريق الضغط والتقييد بدلًا من الرد العقلاني والدبلوماسي كلما واجهت خطابًا ومنطقًا مختلفين. القيود المفروضة على الدبلوماسيين الإيرانيين هي أيضًا من النوع نفسه؛ وهو إجراء، بدلًا من أن يكون دليلًا على السلطة، يعكس ضعفًا وخوفًا من نفوذ إيران في المجال الدبلوماسي الدولي.
وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن سياسة تقييد صوت إيران في الجمعية العامة للأمم المتحدة، على الرغم من أنها قد تُصعّب بعض التفاعلات الدبلوماسية، إلا أنها عمليًا، بدلًا من أن تُوقع إيران في مأزق، تكشف الوجه الحقيقي للولايات المتحدة أمام الرأي العام العالمي. يدرك العالم الآن أكثر من أي وقت مضى أن الولايات المتحدة ليست فقط غير راغبة في الاستماع إلى صوت مختلف، بل إنها أيضًا لا تلتزم بالمبادئ الأساسية لاستضافة مؤسسة دولية. وهذا ما قد يؤدي إلى تعزيز مكانة إيران على الساحة الدبلوماسية، ويُظهر أن منطق الحوار، رغم مساعي واشنطن للحد منه، لا يزال أداة قوية في يد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
/انتهى/
تعليقك