وكالة مهر للأنباء: أعلنت الحكومة المركزية العراقية أنها وضعت المتابعة المباشرة للهجمات على منشآت الطاقة على جدول أعمالها، وكلفت وزير الداخلية عبد الأمير الشمري بقيادة التحقيق في الهجوم الأخير على حقل كورمور للغاز في محافظة السليمانية.
يعكس تعيين الشمري رئيسًا للجنة تقصي الحقائق عزم بغداد على إدارة الأزمة والاستجابة السريعة للرأي العام.
مهلة قانونية 72 ساعة
أمام لجنة تقصي الحقائق 72 ساعة فقط لتحديد هوية مرتكبي الهجوم وتقديمهم للمحاكمة. وأعلن متحدث باسم القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية يوم الجمعة أن نتائج التحقيق ستُنشر خلال الفترة نفسها.
ووفقًا لوسائل إعلام عراقية، تضم لجنة تقصي الحقائق وزير الداخلية العراقي رئيسًا، ورئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي، ووزير داخلية حكومة إقليم كردستان، وستحظى اللجنة أيضًا بدعم التحالف الدولي. وقد تواجد أعضاء اللجنة في مكان الحادث للتحقيق في أبعاد الاعتداء وأسبابه.
حجم الحادثة وتداعياتها
تسبب هجوم بطائرة مُسيّرة على حقل كورمور للغاز في محافظة السليمانية، مساء الأربعاء (26 ديسمبر)، في انقطاع واسع النطاق لإمدادات الطاقة. كما تسبب الهجوم في حريق هائل، وقطع إمدادات الغاز عن محطات توليد الطاقة، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج بنحو 80%، وهو حدث أثر بشكل مباشر على المدن والمستشفيات والمراكز الحيوية، وأثار موجة من القلق الاقتصادي والسياسي.
وأعلنت شركة (دانا غاز) الإماراتية، المُشغّلة للحقل، أن خزانًا لتخزين المُكثّفات في المنشأة استُهدف بشكل مباشر، لكن فرق الطوارئ تمكنت من احتواء الحريق. وأضافت الشركة أن انقطاع الإنتاج مؤقت وسيستمر حتى يتم تقييم الأضرار وإصلاحها.
وتعرض الحقل لتسع هجمات على الأقل منذ عام 2023، كان أعنفها في أبريل 2024، والذي أسفر عن مقتل أربعة عمال وتوقف العمليات لفترة طويلة.
صرح المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد موسى، بأن الشبكة الوطنية فقدت نحو 1200 ميغاواط من الكهرباء، مما سيؤثر على خطط إمداد الطاقة في عدة محافظات، بما في ذلك كركوك.
ووصفت مجموعة الإعلام الأمني العراقية الهجوم بأنه "عمل إرهابي خطير" استهدف المصالح العراقية وقوض الاستقرار الاقتصادي والأمني.
وفي اتصال هاتفي مع رئيس وزراء إقليم كردستان، مسرور بارزاني، أدان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الهجوم، واصفًا إياه بأنه "يستهدف كل العراق".
وأعلن عن تشكيل لجنة مشتركة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان للتحقيق في الأمر وملاحقة الجناة.
كما دعا بارزاني الولايات المتحدة والشركاء الدوليين إلى تزويد إقليم كردستان بأنظمة دفاعية لحماية بنيته التحتية للطاقة، محذرًا من أن تكرار الهجمات يشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار إقليم كردستان والمنشآت المدنية. وقال مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العراق مارك سافايا أيضا إن الحكومة العراقية يجب أن تحدد هوية المسؤولين عن الهجوم وتحاكمهم، مؤكدا أنه "لا مكان لمثل هذه الجماعات المسلحة في عراق ذي سيادة كاملة".
غموض حول مسؤولية الهجوم
بعد يومين من الحادث، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه، مما زاد من المخاوف بشأن احتمال تدخل أجنبي أو محاولة لإثارة الخلاف بين بغداد وأربيل.
يُظهر التقرير أن بغداد تسعى إلى توجيه رسالة واضحة إلى الرأي العام والجهات الفاعلة المحلية والأجنبية من خلال تشكيل لجنة رفيعة المستوى وتحديد مهلة قانونية: أي هجوم على البنية التحتية للطاقة في العراق لن يمر دون رد.
وكتبت صحيفة الأخبار اللبنانية أن هذا الهجوم هو الأحدث في سلسلة هجمات استهدفت حقل كورمور في السنوات الأخيرة، بما في ذلك غارات بطائرات مسيرة وقصف مدفعي أسفرت عن مقتل عدة أشخاص.
أكد الكاتب والمحلل الاستراتيجي بزروق محمد أن الحضور السريع لوفد من الحكومة المركزية وبدء التحقيق يُظهران جدية بغداد في التعامل مع الحوادث الأمنية الكبرى وحماية البنية التحتية الحيوية.
ودعا إلى الشفافية والسرعة في عملية التحقيق لإعادة بناء الثقة بين الشعب والحكومة ومحاسبة الجناة.
وأضاف أن التحقيق يجب أن يوضح ما إذا كان الهجوم نتيجة صراعات داخلية أم جزءًا من أجندة خارجية لزعزعة استقرار البلاد.
كما صرّح علي الموسوي، القيادي في إطار التنسيق، بأن الهجوم لم يكن من تدبير جماعات مسلحة محلية، بل كان من تدبير جهة معادية لإثارة التوتر بين بغداد وأربيل.
وأضاف: "من المستبعد أن يكون هذا الهجوم نتيجة صراعات داخلية أو كردية؛ بل هو محاولة لزعزعة الهدوء النسبي والتنسيق الأمني والسياسي الأخير بين أربيل وبغداد".
وأكد الموسوي أن مثل هذه الأعمال تهدف إلى خلق صورة زائفة عن تصاعد الأزمة، لكن التحقيق سيوضح الحقيقة ويعيد الطمأنينة إلى المواطنين.
في غضون ذلك، اعتبر فراس الياسر، عضو المجلس السياسي لحركة النجباء، الهجمات الأخيرة بالطائرات المسيرة على حقل غاز كورمور في السليمانية جزءًا من مواجهة خفية بين الإمارات وتركيا، مؤكدًا أن البلدين يخوضان "حربًا معلوماتية باردة" تمتد من السودان وليبيا إلى سوريا والعراق، حيث يسعى كل طرف إلى استهداف مصالح الآخر. وأضاف: إن حقل غاز كورمور، الذي تديره شركة إماراتية، هو أحد ساحات هذه المنافسة. وأشار، على سبيل المثال، إلى اعتقال شبكة تجسس إماراتية في تركيا واتهامات أنقرة لأبو ظبي بالتحريض على الاحتجاجات في سوريا، واعتبر هذه الحالات مؤشرات على اشتداد الصراع الأمني-المخابراتي بين البلدين.
/انتهى/

تعليقك