وكالة مهر للأنباء: بحسب التقارير الإخبارية، سيلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع المقبل. وسيعقد الاجتماع في 29 ديسمبر 2025 وفقًا لمسؤولين إسرائيليين، ويُقال إن قضية إيران من أهم مواضيع المحادثات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والولايات المتحدة، ويبدو أن نتنياهو يُحاول مرة أخرى التخطيط لمغامرة جديدة في المنطقة.
لماذا يُريد نتنياهو الحرب؟
بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، يُمثل انتهاء الحرب كابوسًا لا يضع له حدودًا للخروج منه، وفي الوقت الذي تخف فيه حدة الحرب في غزة، يسعى نتنياهو إلى إعادة إشعال فتيل التوتر، هذه المرة في ساحة مختلفة. ووفقًا لما ذكرته وسائل الإعلام الغربية، من المقرر أن يناقش رئيس الوزراء الإسرائيلي مع الرئيس الأمريكي برنامج إيران للصواريخ الباليستية والسيناريوهات المحتملة لهجوم عسكري جديد. وبغض النظر عن صحة هذه المعلومات، فإنها تثير تساؤلًا حول سبب حرص نتنياهو مجددًا على مهاجمة إيران، ولماذا يتخذ هذه المرة برنامج الصواريخ الإيراني ذريعةً لذلك.
عند دراسة الإجابات المتاحة لهذا السؤال، يمكن تقسيمها إلى قسمين. أحد هذه الأسباب داخلي ويتعلق بالأحداث الجارية في الأراضي المحتلة، حيث يتشبث نتنياهو بكل ما هو متاح للحفاظ على موقعه. ويُعد طلب العفو من رئيس الكيان، إسحاق هرتسوغ، ومساعيه لإقناع دونالد ترامب بالانضمام إليه في مغامرة جديدة، دليلًا على هذا التشبث.
لأكثر من عامين، سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، لأسبابٍ شتى، إلى تجنب المحاكمة، بما في ذلك قضايا الفساد، وأي هدوء نسبي في الأراضي المحتلة يُعدّ بدايةً جديةً لهذه المحاكمة. من جهة أخرى، قد تُغيّر الانتخابات المقبلة في الأراضي المحتلة الكثير من المعادلات في هذه الأراضي، وبالنسبة لحكومة نتنياهو، وتُسلّط الضوء بشكلٍ أوضح من ذي قبل على أزمة الشرعية السياسية لرئيس الوزراء، وتُعمّق الانقسامات الاجتماعية الداخلية. في الوقت نفسه، فقد جزءٌ من المجتمع الإسرائيلي ثقته في إمكانية إرساء السلام والاستقرار في هذه الأراضي بعد عملية 7 أكتوبر، ويُحمّلون رئيس الوزراء المسؤولية عن ذلك تحديدًا. كما تُعدّ الهجرة الكبيرة من الأراضي المحتلة إلى دول أخرى دليلًا واضحًا على انعدام هذه الثقة.
لذا، أصبح ابتكار شر جديد، وإقناع الأطراف داخليًا وخارجيًا بمكافحته، جزءًا من سياسة رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وركيزة أساسية لأفعاله. حاليًا، وبعد غزة وسوريا واليمن، يُمثل كل من إيران ولبنان الشر الجديد، ويحتاج نتنياهو إلى حرب جديدة مع إيران أو لبنان لإثبات نتائج المحاكمة المستمرة منذ سنوات. ويعود البُعد الحقيقي، والأكثر واقعية، لهذه المغامرة الجديدة إلى واقعٍ مُحدد فُرض على نتنياهو خلال حرب الأيام الاثني عشر، والذي كان له أثرٌ ملموس في الأراضي المحتلة؛ ألا وهو قدرة الصواريخ والطائرات المُسيرة الإيرانية على اختراق أنظمة الرصد والدفاع، وأنظمة الاعتراض المُكلفة التابعة لحلف الناتو والولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، والوصول إلى مواقع حيوية كمعهد وايزمان.
وقد وصف مُحلل أمريكي في مؤسسة "غلوبال ريسيرش" الإعلامية هذا الواقع قائلًا: لماذا وافقت إسرائيل فجأة على وقف إطلاق النار مع إيران؟ هذا سؤال لم تُجب عليه وسائل الإعلام الغربية، وأبقت الشعب الأمريكي في حيرة من أمره. ربما سمعتم أن مخزون صواريخ الدفاع الجوي الإسرائيلي كان على وشك النفاد، مما جعله عرضة للهجمات الإيرانية، لكن هذه ليست سوى جزء من الحقيقة. الحقيقة هي أن إسرائيل كانت تنهار تحت وابل الصواريخ الإيرانية المتواصل، ولم يكن أمامها خيار سوى وقف هذا التدمير.
مع هذه التجربة مع الصواريخ الإيرانية، ليس من المستغرب أن يحاول الکيان الإسرائيلي الحد منها أو حتى تدميرها. الغريب هو الطريقة التي يتفاعل بها البيت الأبيض مع هذه القصة، مرددًا مطالب نتنياهو حرفيًا، ومطالبًا إيران بتقييد برنامجها الصاروخي. قد لا يكون بوسع مسؤولي الكيان الصهيوني فهم المعادلات على أرض الواقع بدقة، نظرًا للإفلات المتكرر من العقاب على مغامراتهم، والدعم الغربي الثابت لتل أبيب وتجاوزاتها، لكن المتوقع من الولايات المتحدة الأمريكية، كقوة تدّعي إدارة العالم، هو تطبيق منطقها العقلاني في هذا الشأن، والتوصل إلى استنتاج مفاده أن طهران قد تابعت برنامجها الصاروخي بجدية لأنها ترى فيه وسيلة للدفاع عن نفسها ضد كيان لا يخضع للمساءلة أمام أحد. من منظور المنطق العقلاني، لا يُمكن توقع أن تتخلى دولة وحكومة عن دفاعاتهما ودفاعاتهما الرادعية ضد العدو، بل وتدمرها. إن فهم البيت الأبيض لهذه المسألة هو المفتاح المفقود الذي يُمكنه، بل ويستطيع، أن يُغير مسار الدبلوماسية الحالية ويُغير الوضع الراهن.
إن البُعد الحقيقي، والأكثر واقعية، لنضال نتنياهو من أجل مغامرة جديدة، يعود إلى واقع مُحدد فُرض عليه خلال حرب الأيام الاثني عشر، وشعر به في الأراضي المحتلة: واقع الصواريخ والطائرات المُسيرة الإيرانية.
استراتيجية طهران المزدوجة: الجمع بين الردع الدفاعي والدبلوماسية الذكية
تكررت مزاعم إعلامية مُثيرة، غذّاها الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران، في عناوين وتحليلات مُختلفة خلال الأشهر الماضية، ونظرًا لطبيعة الكيان الصهيوني، لا يُمكن تجاهل هذه العناوين والتحليلات. لهذا السبب، حددت طهران سياستها وأفعالها بأعلى درجات اليقظة تجاه هذه الاحتمالات. وهو أمر يُؤكده الجميع، بدءًا من وزير الخارجية سيد عباس عراقجي، وصولًا إلى القادة العسكريين الإيرانيين.
رداً على سؤال مفاده أن البعض يعتبر هذه الموجات الأخيرة من النشاط محاولة لإقناع طهران بالتفاوض بشأن برنامجها الصاروخي، قال إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية: "لقد طُوّر البرنامج الصاروخي الإيراني حصراً للدفاع عن سيادة البلاد، وهو ليس موضوعاً للتفاوض في جوهره. إن القدرات الدفاعية للجمهورية الإسلامية الإيرانية مصممة لردع أي معتدٍ عن أي فكرة لمهاجمة إيران، وهي ليست بأي حال من الأحوال مسألة قابلة للنقاش أو المساومة".
وتابع: "النقطة الثانية هي أننا نواجه نفاقًا صارخًا في هذا الصدد. يُصوَّر برنامج الدفاع الصاروخي الإيراني على أنه "تهديد"، لكننا في الوقت نفسه نشهد تدفقًا هائلًا من أسلحة الدمار، بل وأسلحة الدمار الشامل، نحو الكيان الصهيوني؛ ذلك الكيان الذي يرتكب إبادة جماعية، ويحتل أراضي دولتين، وهاجم سبع دول في الأشهر القليلة الماضية وحدها. هذا الوضع تناقض صارخ ودليل على فساد أخلاقي واضح يجب محاسبة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى الداعمة لهذا الكيان عليه.
بالنسبة لطهران، باتت مغامرات الكيان الإسرائيلي أكثر ترجيحًا من أي وقت مضى، ولذلك وضعت جهود التصدي له على رأس أولوياتها. لكن هل تل أبيب والمنطقة والعالم مستعدون لهذه العملية؟ هل سيقتصر تصاعد الحرب في الشرق الأوسط على حدود إيران والأراضي المحتلة فقط؟ هل ستتقبل إيران خسارة أهم أذرعها الدفاعية ضد إسرائيل؟ ألن تتضرر دول المنطقة من هذا التوتر؟ هل ستتضرر الأسواق المالية وأسواق الطاقة العالمية من هذا الوضع؟ تشير هذه التساؤلات، والإجابات السلبية عليها، إلى أن عواقب الجولة الجديدة من التجاوزات الإسرائيلية ليست محدودة فحسب، بل بعيدة المدى وطويلة الأمد، وستؤثر على الأمن الإقليمي والاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية.
يُشكل التهديد العسكري ضد إيران، في ظل استمرار المجزرة في غزة باسم وقف إطلاق النار، وقصف الطائرات الحربية الإسرائيلية لأجزاء من لبنان وسوريا، واستمرار الحرب الكبرى بين روسيا وأوكرانيا، خطراً جسيماً على سلاسل الطاقة والاقتصاد العالمية. ومن المرجح أن يكون ارتفاع أسعار النفط، واضطراب خطوط الشحن، وانعدام أمن الاستثمار في المنطقة، وتزايد عدم الاستقرار المالي، مجرد أمثلة قليلة على عواقب هذا التهديد. من هذا المنطلق، فإن الدعم غير المشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة لمغامرات تل أبيب لا يخدم مصالح حلفاء واشنطن فحسب، بل قد يُعرّض مصالح هذه الدول للخطر أيضاً.
مع ذلك، تتبنى طهران نهجاً مزدوجاً في مواجهة هذه التهديدات. في الاتجاه الأول، اتخذت طهران مسارًا معقولًا في تعزيز قدراتها الدفاعية والصاروخية لزيادة الردع اللازم في حال وقوع هجمات أو دفاعات محتملة. أما في الاتجاه الثاني، فتركز على الدبلوماسية؛ دبلوماسية ذات أهداف وخطط محددة. في هذا النهج المزدوج، وبينما تؤكد طهران على استخدام كامل قوتها للدفاع عن سلامة أراضيها، فقد أوضحت أنها لا تسعى إلى التوتر، وأظهرت ذلك من خلال تعزيز سياستها تجاه جوارها وحضورها في التحالفات الإقليمية، مما يُبين بوضوح أن حملة تشويه صورة نتنياهو لا أساس لها من الصحة.
لذا، يجب كبح جماح رغبة نتنياهو غير المكتملة في إثارة التوتر؛ احتواء الأزمة قبل أن تتفاقم. فمجرد التهديد بشن هجوم على إيران قد يُزعزع التوازن الأمني في غرب آسيا، ويُعمق الأزمات القائمة، ويُؤدي إلى سلسلة من الأحداث غير السارة. سلسلة من شأنها أن تُشكك جديًا في نظرية التوتر المُتحكم فيه بأهداف وخطط محدودة. في نهاية المطاف، يمكن القول إن دوامة نتنياهو في البحث عن الأزمات ما هي إلا انعكاس للمأزق الذي وضع فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه وكثيرين غيره. وآخرون في الأراضي المحتلة، ويحاولون الآن نشرها في المنطقة وحتى في العالم.
/انتهى/
تعليقك